الروم الارثوذكس: الكنيسة تهتم بالحياة الحالية ولا تنظر فقط لحياة ما بعد الموت

أقباط وكنائس

البابا ثيؤدوروس
البابا ثيؤدوروس

قال نيافة الحبر الجليل الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث الرسمي للكنيسة في مصر، إن قسم من الأرثوذكس من أصحاب الرأي القائل بأنّ الأرثوذكسية اهتمامها الأول هو بتهيئة أعضاء الكنيسة للحياة بعد الموت، مؤمِّنَة مكانًا في الفردوس لكل أرثوذكسي. مسلّمٌ أن العقيدة الأرثوذكسية تقدّم بعض الضمان الإضافي لأنّها أرثوذكسية، وعدم الإيمان بالعقيدة الأرثوذكسية يراه البعض سببًا للذهاب إلى الجحيم، يُضاف إلى الخطايا الشخصية التي بحد ذاتها تقود إلى هناك. هؤلاء الأرثوذكس الذين يؤمنون بأن هذا وصف الأرثوذكسية قد ربطوها حصرًا بالحياة بعد الموت. لكن هؤلاء لا يحققون الكثير في هذه الحياة. فهم ينتظرون الموت ليس إلا، مؤمنين بأنهم ذاهبون إلى الملكوت لأنهم، ببساطة، كانوا أرثوذكسيين في حياتهم.


وأضاف الأنبا نيقولا أنطونيو،  أن قسم آخر من الأرثوذكس الملتزمين والناشطين في الكنيسة، مهتمون لا بالحياة الآتية، بل بشكل أساسي بهذه الحياة هنا والآن. ما يهمهم هو كيف تساعدهم الأرثوذكسية على عيش حياة جيدة في الحاضر. هؤلاء الأرثوذكس يصلّون إلى الله، يطلبون صلوات الكهنة لهم ولمباركة منازلهم بالماء المقدس، ليقيموا التضرعات ويدهنوهم بالزيت، وغيرها من مثل هذه الممارسات، وكل هذا ليساعدهم الله ليتمتّعوا بالحياة حاضرًا: حتى لا يمرضوا، حتى يجد أبناؤهم موقعهم في المجتمع، حتى يتأمّن لبناتهم مهرًا جيدًا وعريسًا خيّرًا، حتى يجد أبناؤهم بنات ملائمات ليتزوجوا، حتى يسير عملهم حسنًا، حتى تنجح أعمالهم، وحتّى تسير التجارة حسنًا، أو الصناعة التي يتعاملون بها، وغيرها.


وتابع: "الآن تصوروا إنسانًا يصلّي حصريًا للحياة الآتية، لنفسه وللآخرين، لكنّه غير مبالٍ بالكلية بهذه الحياة. أيضًا، ما هو النفع الذي يكسبه هذا الإنسان من الأرثوذكسية؟ الميل الأول نجده عند بعض كهنة الرعايا والذين يدورون في فلكهم في هذا الموقف الموصوف أعلاه. الموقف الأخير يمكن أن نراه عند بعض الآباء في الأديار، وبعض الأرشمندريتية المتقاعدين الذين ينتظرون الموت، وبعض الرهبان الذين يتبعونهم.


واكمل: "أين يبدأ الإيمان الحقيقي؟ نظرات الآباء وتعاليمهم حول هذه الأمور واضحة، بما أنّ "التطهّر" و"الاستنارة" ليسا محط الاهتمامهما الأّول لكلا الموقفين، من وجهة نظر الآباء، فإنهما قد حددا لنفسيهما أهدافًا خاطئة. لكن بقدر ما يركّزا على "الاستنارة" و"التطهّر" بهدف بلوغ الصلاة النوسية (الذهنية)، عندها وعندها فقط يمكن أن تقوم كل الأمور على أساس ثابت. 


واختتم: "هذا الجوهر، الأساس الثابت، هو "التطهّر" و"الاستنارة" و"التألّه"، أما مصير الإنسان بعد الموت فلم يكن همًّا غامرًا عند الآباء. كان همّهم الأساسي ما يكون عليه الإنسان في هذه الحياة. بعد الموت، لا يمكن علاج نوسه (ذهنه)، بل يجب أن يبدأ العلاج في هذه الحياة، لأن "في الجحيم لا توبة". لهذا السبب، اللاهوت الأرثوذكسي ليس خارج العالم، ولا هو مستقبلي ولا أخروي، بل هو متجذّر بوضوح في هذا العالم، لأن تركيز الأرثوذكسية هو على الإنسان في هذا العالم وفي هذه الحياة وليس بعد الموت.