مجلس الدولة: لا يجوز للإدارة استخدام سلطة الندب لمسافة 30 كم

حوادث

المستشار محمد خفاجي
المستشار محمد خفاجي

قضت المحكمة الإدارية العليا فحص فى الطعن رقم 18082 لسنة 60 ق عليا بإجماع الاَراء برفض الطعن المقام من وزارة التربية والتعليم وتأييد الحكم التاريخى الصادر من محكمة القضاء الإدارى بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار مدير عام التعليم الفنى بإدارة دسوق التعليمية بندب السيدة (ل.م.ا) المدرسة بمدرسة دسوق التجارية بنات حال كونها مريضة بورم ليفى ونزيف متكرر بالرحم وترعى طفلتها المعاقة ذهنيًا متلازمة داون بمدرسة التربية الفكرية إلى مدرسة سنهور التجارية المشتركة التى تبعد عن مدرسة الطفلة للتربية الفكرية  بثلاثين  كيلو مترًا مربعًا ذهابًا وإيابًا، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان. 


ويعد ذلك الحكم أول سابقة قضائية تتيح للقاضى الإدارى تطبيق مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة كمصدر احتياطى للقانون تحقيقًا للعدالة العاجلة للأمومة والأطفال من ذوى الإعاقة  المتلازمة، بحظر استخدام الإدارة سلطة الندب لمسافة 30 كيلو مترًا للتنكيل بالمرأة المريضة وطفلتها المعاقة ذهنيًا متلازمة داون لعدوانه على رسالة الأمومة وذوى الإعاقة المتلازمة، وأكدت المحكمة على (5) مبادئ لحيثيات الحكم التاريخى وهى: 1- حق الأم العاملة فى رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا يعلو فوق كل اعتبار وظيفى، ووضع العراقيل أمامها بقرارات النقل أو الندب فى أماكن بعيدة عن متابعة طفلتها انفصال فارق لبنيان الأسرة يمزيق أواصلها 2- مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة من المصادر الاحتياطية للقانون تعبر عن القيم العليا للضمير البشرى نحو العدل وهى ليست من صنع المشرع وإنما متأصلة فى الطبيعة البشرية وملهمة للقاضى فى الحلول العادلة العاجلة 3- لا يجوز للإدارة استخدام سلطة الندب للتنكيل بالمرأة المريضة لمسافة 30 كيلو مترًا بعيدا عن رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا لعدوانه على رسالة الأمومة وحقوق ذوى الإعاقة فى أشد صورها  4- مدير التعليم الفنى بدسوق ندب الأم المريضة من مدرستها لأخرى تبعد عن مدرسة ابنتها المعاقة ذهنيًا ب 30 كيلو مترًا مخلًا بواجبين دستوريين 5- كان يتعين على وكيل وزارة التعليم أن يصوب الأمر فيدفع عن الأسرة عوامل الوهن ومغبة الإفتراق، ويعصمها من التشتت والضياع والإنزلاق، وهى فى الحق فرائض وسنن أوجب بالرعاية والحماية والإغداق.


بداية قصة الأم المريضة وزوجها وطفلتهما المعاقة ذهنيًا متلازمة داون وحوار إنسانى للقاضى: 
وتبدأ القصة بأن السيدة (ل.م.ا) وزوجها وبصحبتهما طفلتهما المعاقة ذهنيًا متلازمة داون وقفوا أمام القاضى الإنسان الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، وقد شهد كل من حضر الجلسة بحوار إنسانى رفيع للقاضى حيث قالت الأم له: " سيدى القاضى أنا أعمل مدرسة بمدرسة دسوق التجارية بنات ومريضة بورم ليفى ونزيف متكرر بالرحم، ودى التقارير الطبية اللى تثبت مرضى، وكمان برعى طفلتى إللى أمام حضرتك وهى كما ترى معاقة ذهنيًا بمتلازمة داون متقدرش تتصرف لوحدها فى شئ، وهى فى مدرسة التربية الفكرية " ثم تنهدت الأم بالدموع فهدأ القاضى من روعها وقال لها أكملى، أستمع إليك بإنصات، فأضافت: " مدرستى جنب مدرسة طفلتى والمدرستين قريبة من البيت ب 200 متر فقط  ، لكنى فوجئت بمدير التعليم الفنى ينتدبنى إلى مدرسة سنهور التجارية المشتركة وهى تبعد عن مدرسة الطفلة ب 15 كم يعنى مطلوب منى بعد ما كنت بمشى 200 متر فقط إنى أمشى 30 كم للمدرسة الجديدة " فسأل القاضى الحاضر عن الجهة الإدارية الرد فقال: " حضرتك الندب سلطة تقديرية وفقًا للقانون ولصالح العمل" ثم وجه القاضى الحصيف نظرته إلى الأم طالبًا منها التعقيب فقالت: " أنا موظفة وعارفة الندب لصالح العمل بس يقدر يقولى الحاضر عن الإدارة إزاى بالعقل حمشى 30 كم وألحق بنتى فى مدرسة التربية الفكرية ! وهى فى حالة بكاء " فنطق القاضى  بالحكم لصالحها وطفلتها وتبدلت دموعها بفرحة وهى تحتضن إبنتها وزوجها يبكى ويقبل رأس إبنته فى موقف مؤثر سجلته عدسة الزمن.  


تفاصيل حيثيات الحكم الإنسانى وحيثيات من ذهب:
قالت المحكمة  برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن ندب المرأة العاملة وإن كانت الإدارة تترخص فيه بما لها من سلطة تقديرية تخضع فيه لقيود قانونية بأن يكون الندب مؤقتًا لوظيفة من نفس درجة وظيفتها أو تعلوها مباشرة إذا كانت حاجة العمل فى الوظيفة الأصلية تسمح بذلك، فإنها تخضع كذلك لقيود أخرى وإن لم يذكرها المشرع ترتبط بمبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة وهى تلك التى بمقتضاها يعد التصرف ظالمًا أو عادلًا تبعًا لكونه مخالفًا أو موافقًا لمنطق العقل، وتكون تلك القواعد معبرة عن القيم العليا للضمير البشرى نحو الوصول للعدل وإحقاق الحق، وهى ليست من صنع المشرع وإنما هى متأصلة فى الطبيعة البشرية، وتكون من ثم ملهمة للقاضى فى الحلول العادلة العاجلة مثلما هى ملهمة للمشرع لبلوغ القواعد المنظمة، ومبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة باتت راسخة فى الضمير الإنسانى من المصادر الاحتياطية للقانون.


وأضافت المحكمة أن المدعية مريضة بورم ليفى كبير بالرحم مع نزيف رحمى متكرر ولديها طفلة من ذوى الإعاقة الذهنية متلازمة داون تقوم برعايتها ومتابعتها ذهابًا وإيابًا لمدرسة التربية الفكرية، فضلًا عن قيامها بمتابعة حالتها المرضية بالمركز القومى للبحوث بالقاهرة  ، بالإضافة إلى عملها كمدرسة مواد اجتماعية بمدرسة دسوق التجارية بنات التى تبعد عن منزل الأسرة بمائتى متر فقط مما يمكنها من متابعة إبنتها المعاقة ذهنيًا فى الغدو والرواح، إلا أن مدير عام التعليم الفنى بإدارة دسوق  التعليمية أصدر قراره المطعون فيه بندب الأم إلى مدرسة سنهور التجارية المشتركة التى تبعد عن منزل الأسرة بخمسة عشر كيلو مترًا مربعًا، فيكون غدوها ورواحها ثلاثون كيلو مترًا مربعًا يوميًا بعيدًا عن مدرسة الطفلة للتربية والفكرية مما يستحيل عليها متابعة طفلتها المعاقة ذهنيًا، ويكون قرار مدير عام التعليم الفنى بإدارة دسوق  التعليمية رافضًا استجابة طلباتها ماسًا بالحفاظ على تماسك أسرتها من الضياع حال كونها مريضة بنزيف رحمى متكرر ومخلًا بواجب دستورى أولى بالرعاية والاعتبار لرعاية طفلتها وهى فى أصعب حالات الإعاقة الذهنية ويعوق الأم عن متابعتها، ويكون مُصدر القرار قد استخدم رخصة الندب فى غير ما شرعت له منحرفًا بالندب عن صحيح غاياته ومعانيه ولُب أهدافه ومبانيه.


وأشارت المحكمة أنه كان يتعين على وكيل وزارة التربية والتعليم بكفر الشيخ أن يتدخل ليصوب الأمر وفقًا للقانون، لا أن يتخذ موقفًا سلبيًا بعد أن لجأت إليه المدعية تأكيدًا لحكمة غايتها الحفاظ على الأسرة وترابطها عبر توازن دقيق استجابة لقيم وموجبات تعلو على كثير من الاعتبارات والأهداف كونها تتعلق بالأسرة، أى باللبنة الأساسية التى يشيد عليها المجتمع، فكان لزامًا أن يفرض سياجًا  لحمايتها وسائر أفرادها فيدفع دونها عوامل الوهن ومغبة الإفتراق، ويعصمها من التشتت والضياع والإنزلاق، وهى فى الحق فرائض وسنن أوجب بالرعاية والحماية والإغداق.


وأوضحت المحكمة أن حق الأم العاملة فى رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا متلازمة داون يعلو فوق كل اعتبار وظيفى، وأن وضع العراقيل أمامها بقرارات النقل أو الندب لوالدتها فى أماكن بعيدة عن متابعة طفلتها هو انفصال فارق لبنيان الأسرة منافيًا تلاحمها ،مقيمًا شريعتها على غير الحق والعدل ،ذلك أن الأسرة لا تقوم على التباغض أو التناحر ولكنها تحمل من القوة أسبابها فلا تكون حركة الأم  فى متابعة طفلتها المعاقة انفلاتًا بئيسًا، ولا حريتها فى رعايتها نهبًا لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقًا بلا قيد، ولا واجباتها  تشهيًا بهواها، بل يظلها حياؤها واَدابها تعصمها صلابة الضمير ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل يرعى التكافل الاجتماعى بين اَحادها، انتماءً مطلقًا لاَمال أفراد الأسرة  ورعاية مصالحها  وكفالة وحدتها بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أواصلها أو بعثرة جهودها، الأمر الذى يكون معه القرار المطعون فيه إذ وضع العراقيل للأم المريضة تنال من حقها كمريضة وحق رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا مخالفًا مخالفة صارخة مبادئ القانون الطبيعى ومجافيًا قواعد العدالة.


وانتهت المحكمة إلى أنها وهى جزء من نسيج هذا الوطن تلحظ أن القرار الطعين يتعارض مع مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة بحسبان أن المدعية لا تستطيع عقلًا ومنطقًا وهى المريضة بورم ليفى كبير بالرحم مع نزيف رحمى متكرر أن تتابع حالة طفلتها المعاقة ذهنيًا حال ذهاب الأم وإيابها لثلاثين كيلو مترًا مربعًا فى المدرسة التى اُنتدبت  إليها بعيدًا عن مدرسة الطفلة للتربية الفكرية، مما يتأذى منه الضمير الإنسانى والضمير القانونى على حد سواء وتقضى المحكمة بتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان.