هياكل الاقتصاد تتغير.. التضخم العالمي نذير بالخطر على محاولات التعافي

الاقتصاد

بوابة الفجر

هل تشكو من ارتفاع الأسعار، لا تقلق لست وحدك في تلك المعركة، فالمعركة عالمية، وستزداد شراسة في الأشهر المقبلة، فالتضخم يطل برأسه الآن لينشب أنيابه في جسد الاقتصاد العالمي، فالبنوك المركزية تستعد الآن لمواجهة لن يستثنى منها أحد.

 ففي (يونيو) الماضي وصل مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة إلى 5.4 في المائة، وكانت تلك أعلى وتيرة منذ ما يقرب من 13 عاما، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، ففي (سبتمبر) الماضي واصل المؤشر الارتفاع ليصل إلى 6.2 في المائة.

أما في الاتحاد الأوروبي فبلغ 3.6 في المائة، وفي بريطانيا تجاوز السقف الذي وضعه بنك إنجلترا وكان 2 في المائة فقط، ووصل التضخم إلى نسبة 2.5 في المائة ليبلغ أعلى مستوى له منذ (أغسطس) 2018، والكارثة الحقيقية أن بعض التقديرات تتوقع أن يبلغ 5 في المائة، أما في ألمانيا فإن المعدل أعلى من المتوسط، بينما سيبلغ 4.5 في المائة في مجموعة السبع بحلول نهاية هذا العام.

وفي الحقيقية فإن المشكلة ربما لا تكمن في التضخم في حد ذاته، أو حتى معدلاته المرتفعة، إذ يمكن تحملها لبعض لوقت، وإنما ما يقلق هو وجود حالة الانقسام السائدة بين الخبراء تجاه الزيادة في الأسعار، فهل التضخم الراهن عابر أم ليبقى؟

وفقا لخبراء صندوق النقد الدولي فإن ضغوط الأسعار الحالية مؤقتة، وستعود الأسعار إلى ما كانت عليه قبل تفشي وباء كورونا بحلول عام 2022، لكن هذا لا ينفي أن عدم اليقين لا يزال مرتفعا.

على الجانب الآخر، فإن خبراء دوليين وأكاديميين يرجحون أن هناك تغيرات حدثت في هيكل الاقتصاد الدولي وتسارعت وتيرتها نتيجة وباء كورونا، وجميعها تعطي مؤشرات أن ارتفاع الأسعار سيتواصل، وأن الضغوط السعرية المؤقتة في الوقت الراهن ستصبح أكثر استمرارا بما يتطلب تدخلا عاجلا من البنوك المركزية لاتخاذ مزيد من التدابير الوقائية.

 ويرى البعض أن حديث الفيدرالي الأمريكي عن تضخم "مؤقت" يزيد الأمر سوءا بإيجاد شعور زائف بالأمل لدى المستهلكين من أنه سيتم التغلب على الارتفاع المستمر في الأسعار خلال فترة زمنية قصيرة، ما يجعلهم أقل استهلاكا حاليا، ومن ثم يزيد من عملية الادخار الآن، ليزداد الطلب مستقبلا ويرفع الأسعار إلى مستويات قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية حقيقية.

وفي الواقع فإن الزيادات الحادة في أسعار المستهلكين أوجدت ردود فعل مختلفة من البنوك المركزية، فقد رفع أكثر من 12 منها أسعار الفائدة، لكن ثلاثة بنوك رئيسة تحدد الاتجاه العالمي لأسعار الفائدة وهي الفيدرالي الأمريكي والمصرف الأوروبي وبنك إنجلترا لا تزال تقاوم هذا الاتجاه.

مقاومة تلك البنوك الثلاثة لرفع أسعار الفائدة تلقى اعتراضا من قبل كثير من الخبراء، خشية أن يؤدي التضخم الراهن إلى تغذية دورات أخرى من التضخم، مع هذا يجد محافظو البنوك المركزية الثلاثة من يدافع عن موقفهم بقوة، ويرفع عن كواهلهم مسؤولية التضخم، محملا السياسات الاقتصادية الصينية إياه.

وتزداد المخاوف في الاقتصادات الناشئة والنامية، وهو ما يجعل معظم محافظي البنوك المركزية في تلك الاقتصادات يزدادون تصلبا في مواجهة التضخم عبر زيادة أسعار الفائدة، فانفجار التضخم يضع صانعي القرار الاقتصادي تحت ضغوط حادة، إذ سيكون عليهم رفع الأجور والرواتب لتتناسب مع معدلات التضخم، وإلا فإن عديدا من الأشخاص سيواجهون أوضاعا مالية صعبة، في الوقت ذاته فإن زيادة الأجور تعني عمليا زيادة التكلفة الإنتاجية للسلع المصدرة، ما يضعف القدرة التصديرية لتلك البلدان.
 

وعلى المستوى العربي فالأمر لا يختلف كثيرا،  فلا يزال التعافي هشا في منطقة الشرق الأوسط فقد أحرزت المنطقة تقدمًا جيدًا منذ بداية العام، لكن ظهرت تحديات جديدة، حسب تقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي.

وشملت هذه التحديات والصعوبات ظهور موجة وبائية في البلدان التي تشهد تقدمًا ضعيفًا في عمليات التطعيم وزيادة التضخم، مما زاد من الصعوبات التي يفرضها حيز السياسة المالية المحدودة. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال حالات التعافي المتباينة والمخاوف بشأن الندوب الاقتصادية قائمة.

وبخلاف تطورات الجائحة، تتراجع احتمالية تعزيز مسار التعافي في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات نتيجة مثل ليبيا وسوريا والأراضي الفلسطينية واليمن، وحالة الطوارئ الإنسانية في الصومال وسوريا واليمن، ومخاطر استمرار حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في لبنان، وليبيا، والسودان. كما أن أوجه عدم المساواة آخذة في الارتفاع، وستحتاج البلدان إلى معالجة تأثير الوباء على الديون وأسواق العمل وقطاع الشركات.

واستمر ارتفاع التضخم الكلي، مما عكس عوامل دولية ومحلية معا، مثل ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتكلفة الشحن عالميا، وتداعيات انخفاض قيم العملات في وقت سابق، والتعافي المحلي الحالي في بعض البلدان، والتمويل النقدي في البعض الآخر. ويؤثر تضخم أسعار الغذاء على معدلات التضخم الكلي لا سيما في البلدان منخفضة الدخل. وأيضا البلدان التي تمثل الأغذية المستوردة نصيبا كبيرا من بنودها الاستهلاكية.

ومن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 12.9٪ في عام 2021 مع وجود واحد من أعلى المعدلات في السودان واليمن. فحصلت السودان على أعلى نسبة تضخم بين الدول العربية بنسبة 194.6%، وبعدها اليمن بنسبة 40.7%.

في النهاية ما يمكننا قوله الآن أن الأسعار ترتفع على مستوى العالم، لكن البنوك المركزية لا تزال حذرة بشأن تشديد السياسة النقدية مبكرا خوفا من إعاقة التعافي الاقتصادي الذي لا يزال في مراحله الأولى، ولكن بين ليلة وضحاها قد يكون لا مفر من رفع أسعار الفائدة، في حال كانت الرغبة ملحة للتخلض من شبح التضخم.