عادل حمودة يكتب: حكايات مليارديرات فى مصر 9.. “الجوجولو” الوسيم يصبح مليارديرا أحيانا (قصص واقعية)

مقالات الرأي

الكاتب الصحفي عادل
الكاتب الصحفي عادل حمودة

فيما بعد سينكر خليف أنه تزوج مفيدة شاهين بل وسيزعم أنه لم يسمع عنها خشية أن يكتشف أحد أنه جوجولو عاهر عاش على عرقها ثم فر هاربا منها


ظل بن هندى يمول المشروع إلى أن اكتمل بناء المصنع وبدأت منتجاته تصدر إلى كثير من دول العالم وأسعده أن يستقبله مبارك هو وخليف مشيدا بما فعل


فاوست خرافة فى الغرب وحقيقة فى الشرق.

لم يقنع فاوست بما نال من علم وبما حقق من شهرة وبما حظى به من احترام وبما وصل إليه من مكانة وبدا حزينا مهموما نادما على السنوات التى قضاها وحيدا فى مختبره لم يستمتع بها فى الحياة الشهية.. همس لنفسه:

«أنا مستعد لبيع نفسى مقابل أن أكون قويا ثريا مسيطرا متحكما فى الرجل وشهيا فى عين النساء».

فى تلك اللحظة وجدا أمامه سحبًا من الدخان الرمادى راحت تتشكل حتى أصبحت شيطانا ادعى أن اسمه مفستوفيليس عرض عليه منحه ما يشاء مقابل التنازل عن روحه وبيعها إليه.

وافق فاوست على الصفقة ساخرا من الشيطان الذى وضع الدنيا كلها بين يديه مقابل شىء غير ملموس لن يؤثر على حياته.

أصبح فاوست معبود النساء لا تفلت منه امرأة ونافست ثروته ثروات الأمراء وتجاوزت شهرته حدود البلاد وامتلك سلطة لا يتمتع بها حكام، ولكنه لاحظ أنه كلما سعى إلى صداقة شخص أعطاه ظهره وكلما أفرط فى العطاء إلى شخص خانه وكلما طلب للشهادة وجد لسانه ينطقها كذبا وكلما حاول مساعدة فقير رفض وفى حضرة الإمبراطور ينال إشادة منه وفى غيابه يسبه ويلعنه وحاول تفسير ما أصابه من تغيرات جعلت منه إنسانا كريها ولكنه فشل.

ذات يوم مشمس كان يتناول إفطاره فى حديقة قصره عندما وجد فتاة تقطف زهرة منها وما أن رأته حتى فزعت وهربت ولكنه حمل الزهرة إليها طالبا منها أن تشاركه إفطاره وثانية بعد ثانية سيطرت على قلبه على أنه قبل أن ينطق بكلمة حب إليها شل لسانه ووجد مفيتوفيليس يهمس فى أذنه:

ــ من يبيع روحه للشيطان يستمتع بالنساء ولكن لا يحب لا يعرف حبهن ويخشاه الناس ولكن لا يحترمونه ويمتلك الثروة ولكن لا تقبل منه صدقة ليس أمامك سوى أن تتبعنى فأنت ملكى وعبدى وكلبى المطيع هل تهز ذيلك كلما رأيتنى؟.

هذا هو فاوست فى الغرب مجرد خرافة وإن كان لها أكثر من مغزى ومعنى.

أما فاوست فى الشرق فهو شخصية حقيقية ذكرت فى سورة الأعراف: «واتل عليهم نبأ الذى أتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد فى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون».

وفى كتب التفاسير إن اسمه بلعام بن باعوراء عاش فى زمن النبى موسى.. كان مجاب الدعوة فى الشدائد.. بعثوه إلى ملك مدين ليدعوه إلى الله ولكنه أقطعه وأعطاه وتبع دينه ودعا على قومه.

أغواه الشيطان ليخلد فى الأرض.. اشترى منه نفسه.. أصبح مثل الكلب.. يلهث لو ربت عليه.. يلهث لو طاردته.. ويلهث لو تركته فى حاله.

فى زمن باع الإنسان نفسه ليشترى جهاز تكييف وشهد زورا ليسهر فى ملهى ليلى ووشى بأصحابه لينتعل حذاء رياضيا نجد من هو أكثر إفراطا فى التعاقد مع الشيطان واتباع خطواته لينال ما يريد ولو على حساب قلبه وضميره.

لنهبط من سماء الكلمات إلى أرض الحكايات لنرى بطلا جريئا صريحا لا يستنكف ترديد: «إننى مستعد أن أخلع ملابسى وأصبح عاريا لتفعل السلطة بى ما تشاء حتى أحافظ على ما جمعت من ثروات وسلطات واستثمارات».

ما جمع نافس كنوز قارون.. مليارات فى الداخل والخارج.. مئات الأفدنة من أراضى الزراعة والسياحة فى كل المحافظات.. من أسوان إلى البحر الأحمر ومن القاهرة إلى مطروح.. استثمارات عقارية فى منتجعات سكنية وقرى ساحلية.. قصور تاريخية بها لوحات لبيكاسو وجويا ومونيه ومحمود سعيد وسيف وانلى.. وقطع أثرية فرعونية ويونانية.. وبالطبع منحه ذلك ترتيبا متقدما فى قائمة «فوربس» بعد عائلة أنس ساويرس وعائلة محمد منصور وعائلة محمد فريد خميس وعائلة شفيق جبر وعائلة أحمد عز.

تخرج محمد عبد الله خليف فى كلية الهندسة بعد أسابيع قليلة من هزيمة يونيو.. قبل شهر من الهزيمة توفيت والدته.. أو على حد قوله: «قتلت».. قتلها الفقر.. لم يكن معه أجر انتقال الطبيب إلى البيت.. اختلط حزنه الخاص بحزنه العام.. قدم استقالته من التنظيم السرى الذى أسسه «الزعيم» ليحارب «به أعداء الثورة» الذين تستروا وراء شعاراته اليسارية من باب التقية».. لكن.. الهزيمة كشفت عن حقيقة مرة.. أن أعداء الثورة كانوا أقرب الناس إلى السلطة.. ربما طابورها الخامس الذى خدعها وغاب عن ذهنها.

لم يعين خليف معيدا رغم تفوقه ولم يجد وظيفة تناسب شهادته والفرصة الوحيدة التى كانت أمامه ليأكل عيشا هى إصلاح ماكينات الصناعات الهندسية فى المصانع الصغيرة مقابل جنيهات قليلة إلا أنه عاش مستورا لا يتذمر فى انتظار خطاب القوى العاملة لتعيينه فى وظيفة حكومية مستقرة يتزوج بعدها ينجب ويموت مثله مثل ملايين غيره.

لم يأت خطاب التعيين وإنما جاء خطاب استدعاء من اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى ليحاسب سياسيا على جريمة تركه التنظيم الطليعى فى وقت تمر فيه البلاد بمحنة حرجة «وعليه فإن ما فعل يرقى إلى مرتبة الخيانة فى زمن الحرب».

أدرك أن لا عيش له فى مصر.

لو نجا من المحاكمة الحزبية فلن يجد عملا مناسبا بعد أن رفضت نقابة المهندسين قبوله عضوا فيها بعد أن نبذه التنظيم السياسى الوحيد فى البلاد.

ــ لتهرب يا خليف قبل أن تختفى وراء الشمس أوتلقى فى عنبر مجانين لا تصدق أن الهزيمة خففت من القيود المفروضة على المواطن بل زادت بحجة مطاردة الخونة.

الهزيمة كسرت النفس والنفس المكسورة يصعب جبرها إذا ما بقيت وسط أمة محبطة يائسة تحتاج إلى الانتصار لتسترد روحها.

كما أنه بعد وفاة أمه لم يعد له ما يبقيه فى مصر وحيدا أو مقطوعًا من شجرة حسب التعبير الشائع.

هكذا حدث نفسه لكن إلى أين يهرب؟.

لم يكن أمامه سوى بيروت.. تأشيرة دخولها يسهل الحصول عليها.. تذكرة الطائرة إليها لا تزيد عن عشرين جنيها.. ولكن المشكلة فى تأشيرة الخروج.. لم يكن ليحق لمواطن السفر إلا إذا حصل عليها.. وهنا كان عليه التضحية بعشرة جنيهات أخرى يرشوا بها الموظف المسئول.

فى تلك الفترة كانت بيروت تحتضن نجمات سينما (مثل فاتن حمامة) لجأن إليها حتى لا يقعن فى شباك أباطرة العمل الخفى وينفذن لهم رغباتهم الشيطانية ولحق بهن مخرجون (مثل يوسف شاهين) بحثا عن فيلم يصنعونه بعد خراب البلاتوهات على إثر الهزيمة وبحثا عن نسمة حرية تبعهم كتاب وصحفيون منهم (مفيدة شاهين) التى تركت دار الهلال وانضمت إلى دار الصياد.

بالقطع عانى خليف الأمرين فى بيروت إلى حد أنه لم يكن ليأكل أكثر من شطيرة فلافل فى اليوم وكثيرا ما أجبر على الاستيقاظ فى منتصف الليل ليطرد من الجامع الذى نام فيه ولمواجهة البرد وضع تحت قميصه أوراق جرائد وما أن وافق سباكا على العمل معه حتى شعر أن الدنيا ابتسمت فى وجهه أو على الأقل كفت عن التكشير.

ذات يوم قال صاحب الورشة:

ــ سنذهب إلى إصلاح حمام امرأة من بلدك لكنها امرأة بمائة رجل.

كانت المرأة هى مفيدة شاهين.

امرأة على عتبة الأربعين.. ممتلئة.. متوسطة الجمال.. موهوبة فى مد جسور الحوار بسهولة مع أكثر الناس صمتا وتحفظا.. عرفت حكايته.. صدقته.. استرعى انتباهها وسامته ورشاقته وجاذبيته وبراعته فى اختيارات الكلمات المناسبة المؤثرة.. راهنت عليه بينها وبين نفسها.

فى اليوم التالى دعته على العشاء.. وجبة ساخنة شهية لم يتناول مثلها فى شهور.. لكن.. الغريب أنها سمحت له بالنوم فى غرفة الضيوف.. «ليكن بيتى بيتك حتى يفتح الله عليك».. فى منتصف الليل أيقظها عارضا عليها الزواج عرفيا.. عزف على وتر الحرمان وأجاد العزف.. لم تنطق بحرف.. شدته من يده ليشاركها الفراش.. «لم لا يقع الزواج قبل العقد؟».

كانت صفقة عادلة.. يمنحها الجنس المحرومة منه وتمنحه المأوى الذى يحميه من التشرد المهين.. مأوى «فول بورد».

كانت تلك الصفقة أول تحريض من الشيطان على بيع نفسه إليه.

بحكم معارفها نجحت مفيدة فى إلحاقه بمكتب مهندس مصرى فى حى «الأشرافية» الراقى.. كان عليه أن يصمم ويرسم ويتابع تنفيذ البناء ليفوز بالغنيمة مالك المكتب المهندس ماجد عبادى.. نرجسى.. شرس.. بلا قلب.. تضاعف شعوره بنفسه عندما وقعت فى هواه أميرة نفطية.. كان يعمل فى بلدها من قبل.. اختارته مشرفا على قصرها.. أغدقت عليه ما لا يمكن تصوره.. وعندما اكتفى مما جمع وقدم استقالته رفضت أن يسافر.. وضعته على قوائم الممنوعين من المغادرة.. ولم يكن أمامه سوى التسلل عبر الحدود ليهرب منها إلى بيروت واضعا كل ما جمع من أموال فى مكتب التصميمات والإنشاءات الهندسية.

وفيما بعد عاد عبادى إلى الإسكندرية ليفتح شركة مقاولات تبنى منتجعات سكنية وقرى سياحية تجاوزت كثيرًا من القوانين ووضعته أمام محاكم الجنايات والتعويضات ولكن ذلك كله شطب عندما شاركته زوجة أحد رجال مبارك فى أعماله.

لم تكن المرة الأولى التى تشارك فيها رجل أعمال لتمنحه مميزات لا يستحقها مقابل مال لا تستحقه ولكن سوء حظ عبادى أن ثورة يناير ــ فيما بعد ــ أسقطت مبارك وعجلت بوفاة زوجها ووجد نفسه أمام جهات الكسب غير المشروع ليحاسب على الثروة الحرام التى جمعها بأساليب ملتوية إلى جانب هضم غالبية حقوق من عملوا معهم مثل خليف.

عمل خليف ساعات طوال فى النهار والليل منكفئا على لوحات الرسم الهندسى مقابل ما يسد حاجته الضرورية ولكن كثرة العمل منحته فى الوقت نفسه خبرة جعلت الطلب عليه فى المقدمة على أن ذلك لم يترجم إلى زيادة فى الراتب.

ذات يوم جاء إلى المكتب تاجر خليجى طالبا تصميم مجمع تجارى يزيد به منافذ توزيع ما ينتج من ثلاجات وغسالات ومعدات طهى وغيرها من الصناعات الهندسية وطلب عبادى منه مليون دولار لكن خليف همس إليه بالرفض طالبا منه أن يستقبله فى جناح فندقه (فينسيا) وهناك عرض عليه القيام بالعمل مقابل ربع المبلغ بل أكثر من ذلك أبدى استعداده للإشراف على البناء بنفسه حتى يصبح جاهزا ويسلمه مفاتيحه.

لم يصدق عمار بن هندى ما سمع وعلى الفور وافق على العرض واستدعى محاميه من الغرفة المجاورة ليصيغ عقدا بينه وبين خليف بمقتضاه يصبح خليف مستشاره ومديره التنفيذى فى مشروعه الجديد الكبير وفى أقل من ثلاثة أيام كان خليف جاهزا للسفر إلى بلاد بن هندى.

لم تعرف مفيدة ما نوى عليه خليف بل إنها فى الشهور الأخيرة لم تكن تراه كثيرا بحجة النوم فى المكتب لاستكمال أعمال متأخرة ولم تكن تسأله كثيرا مادام يستجيب لما تريد.

سافر خليف دون أن يخبرها حتى لا تبلغ عبادى وتفسد ما يسعى إليه ومن باب تضليلها ترك ملابسه لديها فى مكانها وغادر بيروت بطوله.

وعندما طال غيابه سألت عليه عبادى فأجابها بسباب ــ متلاحق لا يسمع إلا فى المواخير ــ بسبب ما فعل وأدركت أنه هجرها فى صمت لا يخلو من الإهانة فانفجرت باكية غاضبة وراحت تحطم كل ما تصادفه حتى سقطت مغشيا عليها وعندما أفاقت شعرت بألم شديد فى الصدر أجبرها على طلب الإسعاف لتنقل إلى مستشفى القديس جاروجيوس فى منطقة الرميل لعلاجها من جلطة فى أحد شرايين القلب.

قبل أن تشفى حملت إحدى زميلتها البريد إليها لتجد خطابًا موصى عليه منه وضع فيه ورقتى الزواج العرفى وتحت واحدة منها كتب: «أنت طالق طالق طالق».

فيما بعد سينكر خليف أنه تزوج مفيدة شاهين بل وسيزعم أنه لم يسمع عنها خشية أن يكتشف أحد أنه جوجولو عاهر عاش على عرقها ثم فر هاربا منها.

والحقيقة أنها فيما بعد لم تلجأ إليه عندما ضاقت بها السبل رغم أنه أصبح مليارديرا وكان عبادى الفظ الغليظ القلب أحن عليها منه.

لم يكتف خليف ببناء المجمع التجارى الذى طلبه بن هندى بل شارك فى إدارة متاجره وشركاته ونجح فى زيادة ثرواته ولكن فى المقابل حصل على راتب مناسب لكن الأهم بالنسبة إليه كانت العمولات التى يتقاضاها على الصفقات التى يعقدها مع الفنادق والقصور والمؤسسات العامة الشرطة ومجمعات الشقق المفروشة ونجح بأساليبه الناعمة فى رشوة كثير من المسئولين عنها لترسو المناقصات عليه وكانت بالملايين وبتلك الخطوة اقترب الشيطان منه أكثر.

لكن الشيطان تمكن منه تماما عندما وافق على الزواج من عشيقة بن هندى ولم يمانع فى أن يتقاسمها معه.

ولدت إيليف إيبيك فى قرية تحت سفح جبل الأقرع فى تركيا.. كانت فى المدرسة الابتدائية عندما فقدت عائلتها الكوردية.. أشعلت إحدى العصابات النار فى البيت انتقاما من الأب الذى لم يدفع الإتاوة الأسبوعية.. نجت من الموت لوجودها فى المدرسة الأولية لكنها لم تنج من الخدمة فى بيت زعيم العصابة.

كبرت فى الحرملك حتى أدركتها الأنوثة لتمنحها جسما فارعا رشيقا مثيرا يشعل الجمر فى كل رجل يراها ويفرض عليه أن يتهجاه حرفا حرفا دون أن يخطئ فى تشكيل الكلمات ودون أن يحسب للنار حساب.

اغتصبها الكبير قبل أن يبيعها رجاله إلى تجار الليل فى هاتاى على الجانب السورى من الحدود وما أن وصلت إلى دمشق حتى ضاعف تجار الليل فى بيروت سعرها خمس مرات ليحصلوا عليها ولفرط سخاء بن هندى لم يبخلوا بها عليه بل وافقوا على أن ترحل معه إلى بلده عندما رضى بالثمن الذى طلبوه.

أصبحت إيليف سكرتيرته وعشيقته المدللة ولكن ما أن كشفت زوجته التى تنتمى إلى العائلة الحاكمة العلاقة حتى وجد نفسه فى موقف صعب سيدمره نفسيا وماديا وما أن رآه خليف على هذه الحالة حتى قرر أن يضرب ضربته ويوافق على الزواج من إيليف.

الزواج بالنسبة إليه صفقة يسعى إليها أسرع كلما استفاد منها أكثر كما أن أوليف تعرف أسرار بن هندى ويمكن الاستفادة منها إذا ما شاء بل إنه لم يشعر بالغيرة عندما استمر بن هندى فى معاشرتها داخل غرفة النوم الملحقة بمكتبه.

إنها بالنسبة له تاكسى.. مصعد.. صاروخ أرض جو يوصله إلى الثروة التى سيعود بها إلى بلده ليصبح من سادتها بعد أن خرج مهانا منها.. وبذكاء فطرى فهم بن هندى أن عليه رد الجميل إليه فضاعف من راتبه ونسبة عمولاته.

ليلة بعد ليلة مالت أوليف ناحية خليف.. قدرته فى السيطرة على النساء هائلة.. أدمنته.. عجزت عن الاستغناء عنه.. بدت مستعدة أن تلحس الأرض تحت قدميه حتى يمشى عليها نظيفة.. بدت مستعدة أن تنفذ ما يأمرها به ولو أعدمت مادام يقبل بها فى فراشه.

مرة أخرى فرض شخصية الجوجولو عليها.

والجوجولو فى القاموس الإنجليزى: «الراقص المستأجر لمرافقة امرأة الذى يجب أن يعتنى بها فى الفراش على أن يكون أجره حسب كفاءته».

طلب خليف من أوليف فتح حساب مشترك فى أحد بنوك أوروبا يضعان فيه كل المال الذى يحصلان عليه دون المساس به عشر سنوات.

فى الوقت نفسه علمها كيف تسحب المال من بن هندى دون أن يشك فيها وأكثر من مرة نجحت فى الحصول على شيكات ثمينة موقعة منه تصرف من حسابه السرى فى بنك «كانتون» زيورخ دون أن يدرى بسبب الدواء المسبب للدوار الذى تضعه فى شرابه.

فى اليوم الأول بعد اكتمال السنة العاشرة بلغ رصيدهما عشرة ملايين دولار.

سألها:

ــ نقتسم المبلغ أم نستثمره فى مصر؟.

ــ لن أتركك أبدا.

ــ سنقيم مصنعا للمنتجات التى يبيعها بن هندى والمؤكد أن التكلفة ستكون أقل والربح سيكون أكبر.

ــ ولم نغامر بأموالنا التى شقينا فى جمعها.

ــ لم لا نقنع بن هندى بالفكرة ليساهم بالمال ونحن نساهم بالمجهود وبنسبة قليلة من المال؟.

ــ تصورت أننى الوحيد الذى خدع الشيطان وروضته ليعمل لحسابه.

ــ تلميذتك.

ــ عليك إقناعه بالفكرة.

ــ اعتبره وافق عليها.

وعدت أوليف بن هندى أن تعاشره أكثر من مرة لكنها كانت تتركه مشتعلا دون أن تطفئه وما أن عرضت عليه المشروع حتى وافق عليه وهو متلهف عليها وفى ذلك اليوم كافأته بسخاء.

قبل كتابة العقد بحث خليف عن ثغرات يدخل منها محامى بن هندى ومستشاره القانونى علام الخادم ليضع بنودا لصالح خليف تمكنه من السيطرة على الشركة.

الخادم كان ضابط مباحث لا تستعصى عليه قضية جنائية ولكن أسلوبه العنيف أدى إلى وفاة متهم بالسرقة وقبل أن يقدم إلى محاكمة قضائية سوى معاشه وترك الخدمة وبحث عن عقد عمل فى الخارج حتى حصل عليه فى شركة بن هندى.

لم يكن من الصعب إقناع الخادم بما يريد خليف بعد أن قدم إليه خليف إيصال أمانة بقيمة خمسة فى المائة من أسهم الشركة على أن يظهرها فى الوقت المناسب.

فى ذلك الوقت كان عبد الناصر مات والسادات قتل ومبارك يحاول النهوض بالمناطق الصناعية فى المدن الجديدة فسن قوانين مشجعة للاستثمار وأعفى الشركات من ضرائب السنوات الخمس الأولى لنشاطها وقدم مساحات شاسعة من الأراضى بأسعار رمزية ولم يطلب سداد أكثر من عشرة قروش عن كل متر.

حصل خليف على ثلاثة آلاف فدان فى مدينة جديدة جنوب القاهرة باع منها خمسمائة فدان لشركته هو وبن هندى بسعر مائة جنيه للمتر وبنفس السعر باع خمسمائة فدان لمستثمرين أجانب واحتفظ بالألفى فدان ليدرس أفضل استغلال لهما فى المستقبل حين يقرر تشييد إمبراطوريته متعددة المشروعات.

ظل بن هندى يمول المشروع إلى أن اكتمل بناء المصنع وبدأت منتجاته تصدر إلى كثير من دول العالم وأسعده أن يستقبله مبارك هو وخليف مشيدا بما فعل.

لم تمر أكثر من سنة حتى بدأت مؤامرة إخراج بن هندى من الشركة عاريا من الملايين التى دفعها باستغلال ثغرات العقد وفى الوقت نفسه لم تعد أوليف ترد على اتصالاته وعندما هدد باللجوء إلى مبارك أمسك به خليف بذراعه قائلا:

ــ عليك أن تغادر مصر بسلام ولا تعود إليها وإلا سجنت فى قضية تهريب مخدرات وسلاح سنلفقها لك.

ــ القطة الوديعة أصبحت أسدا متوحشا.

ــ الفصيلة واحدة.

ــ كان لا بد أن انتبه إليك يوم تزوجت عشيقتى.

ــ خطأ قاتل.

ــ من يقبل أن يكون قوادا لا يستكثر على نفسه أن يكون نصابا.

ــ لو نطقت بكلمة أخرى سأقتلك وألقى بجثتك فى الصحراء ولن أتركها حتى أطمئن أن الجوارح أجهزت عليها.

ــ الحرام لا يدوم.

ــ لا تشغل بالك بقضية وهمية.

ــ الناس لن تحترمك إذا ما عرفوا حقيقة ثروتك.

ــ الثروة تغسل السمعة والناس تغفر الذنوب أسرع كلما دفعت إليها أكثر.

تخلص خليف من بن هندى وطوى صفحته مطمئنًا إلى أن لا أحد سيثير العواصف فى وجهه ولكن فى زحمة النشوة التى شعر بها وجد أمامه علام الخادم.

كان الخادم قد عاد إلى مصر وافتتح مكتبا للمحاماة وقرر ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب وجاء إلى خليف طالبا منه المساندة:

ــ لا أجد غيرك يمكن أن يمول حملتى الانتخابية.

ــ لن أتأخر ولكن ما سأدفعه سيخصم من نصيبك فى الشركة.

ــ ما ستدفعه لن يخصم من نصيبى فى الشركة.

ــ لم؟.

ــ لأن الملف الذى تحت يدى يفضحك ويدينك ويسجنك.

استسلم خليف لابتزاز الخادم بل ذهب بنفسه إلى دائرته الانتخابية ليحفز أهلها على التصويت إليه ولكنه اكتشف أن تلك الدائرة لا ينجح فيها إلا من يؤيده تجار المخدرات الذين يسيطرون عليها وفى طريق عودته إلى البيت كانت خطة الإطاحة بالخادم اكتملت.

فى ليلة التصويت وجدت شرطة مكافحة المخدرات كيلو هيروين فى ثلاجة غرفة نوم الخادم وما أن قبض عليه حتى طلب خليف أشهر محامٍ متخصص فى قضايا المخدرات للدفاع عنه وعندما ذهب إلى زيارته وجده يبكى فى حضنه قائلا:

ــ الكلاب لفقوها لى لا يريدون ضابط شرطة ولو سابق يمثل دائرتهم.

ــ المحامى سيكون عندك قبل تحقيقات النيابة.

ــ أنت تذبحنى بشهامتك سامحنى فيما قلت لك من قبل.

ــ لا أخون العيش والملح.

لم يفلح المحامى فى إنقاذ الخادم من السجن وإن وصلت إليه رسالة شفهية من شيخ تجار المخدرات:

ــ نحن لم نفكر فى إيذائك بل إنك بصفتك ضابط بوليس سابق اعتبرناك أفضل من يمثلنا أما من لفق لك القضية فهو خليف الذى استغل صبيا فى الكار سرق الهيروين من سيده ونجح فى دخول شقتك بحجة توصيل مطبوعات الدعاية واستغل الفرصة وفعل ما فعل ومن جانبنا لن نسكت إلا إذا سجلنا اعترافا كاملا بالصوت والصورة للصبى الخائن لنخرجك من السجن هذه كلمة شرف وسوف نلتزم بها ولو على رقبتنا.

بالفعل لم يمر أكثر من ثلاثة شهور حتى كان الخادم خارج أسوار السجن وفى اليوم نفسه جاء خليف إليه ليهنئة بالبراءة:

ــ كفارة.

ــ سأقتلك.

ــ اهدأ واسمع وانظر إلى من تتكلم لتعرف أن لا أحد يهددنى ولا أحد يبتزنى لو شئت الحرب فلا تندم ولو شئت السلم فالنستمر فى العمل معا ولك كل حقوقك كاملة.

ــ كدت تدمر حياتى.

ــ أردتك أن تتعلم درسا وأظنك تعلمته.

ــ ومن يعوضنى على ما عانيت؟.

ــ السؤال الأهم: هل ستكون من رجالى أم ستفكر مرة أخرى فى ابتزازى؟.

وبدا واضحا أن الخادم استسلم إلى خليف بعد أن أدرك أنه توحش ويتصرف مثل زعيم مافيا بلا قلب.

لكن خليف رغم تنامى قسوته يوما بعد يوم لم يستطع الابتعاد عن أوليف.. لم يحبها.. وفكر كثيرا فى التخلص منها بسبب ما بينهما من تاريخ مشين.. لكنه.. عجز عن ذلك.. بل قرر أن ينجب منها أطفالا.. لم يفهم التناقض الذى يشعر به بين القلب والعقل.. لا يحبها.. ويرى أنها الزوجة المناسبة.. لم يحل اللغز لأنه لم ينتبه إلى أنه باع روحه إلى الشيطان.

لا يحتاج الشيطان للظهور لتوقيع العقد مع كل من يتبعه ولكن يكفى أن يتصرف الشخص مثل خليف لينال جنسيته السوداء.

يعرف الجنس ولا يعرف الحب.. يعرف الخيانة ويكره الصداقة.. يجيد نفاق الكبار ويلعنهم بعد سقوطهم.. يتحدث عن الوطنية بينما يضاعف استثماراته فى الدول الأجنبية.. اليد التى لا يقدر على قطعها يقبلها.. يسافر إلى أجمل بلاد العالم ولا يستمتع بها.. يشوه سمعة الشرفاء وينسب إليهم ما ليس فيهم.. يدعو المشاهير للتقرب منه بكل ما يملك من إغراءات ثم لا يكف عن السخرية منهم.. يبالغ فى عروض العمل على وزراء ولواءات شرطة سابقين وما أن يصبحوا موظفين عنده يستمتع بإهانتهم.

هل خليف شخص بعينه؟.

نعم.

هل هناك شخصيات فى سلك البيزنس مثله؟.

نعم.

هل خضعوا لسطوة الشيطان؟.

نعم ولكنهم فى كثير من الأحيان تجاوزوا ما يوحى به الشيطان من فساد مبتكر واتفقوا عليه فى الشر حتى سرت نكتة تقول إن الشيطان شوهد متجها إلى المطار معلنا فى غضب:

ــ ليس لى عيش هنا.