مي سمير تكتب: قوات من الجيش الأمريكى قتلت مئات المدنيين بالشرق الأوسط خلال استهداف التنظيمات الإرهابية

مقالات الرأي

مي سمير
مي سمير

فضيحة كشفتها نيويورك تايمز

تشغيل وحدة هجومية سرية فى سوريا لشن غارات برية تمثل جرائم أمريكية جديدة بالمنطقة


تجاهلت خلية سرية أمريكية تابعة لقوات دلتا- كانت تنسق الضربات ضد أهداف تنظيم داعش- الضحايا المدنيين الذين يسقطون خلال عملياتها، من خلال التحايل المنتظم على إجراءات الحماية والانخراط فى ممارسات خادعة للتغطية على الجرائم التى ارتكبت ضد المدنيين، وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأحد الماضى.


عملت الخلية المعروفة باسم بتالون أنفيل أو Talon Anvil، على مدار اليوم فى ثلاث نوبات من مكاتب مختلفة بالعراق وسوريا، حيث قامت باستخدام لقطات الطائرات دون طيار والمعلومات الاستخباراتية، وساعدت وحدة تالون أنفيل فى زيادة حجم الضربات ضد تنظيم داعش فى وقت كانت فيه القوات الأمريكية تكافح من أجل الاشتباك بوتيرة فعالة، لكن كبار ضباط المخابرات المركزية والمخابرات الجوية أصبحوا متشككين فى أساليب الخلية مع تزايد الخسائر فى صفوف المدنيين.

 

أطلقت الخلية السرية للغاية «تالون أنفيل» عشرات الآلاف من القنابل والصواريخ ضد تنظيم داعش فى سوريا، ولكن هذه الضربات قتلت المدنيين بشكل متكرر، وفقا للعديد من العسكريين الحاليين والسابقين ومسئولى المخابرات.

تحايلت الخلية على القواعد المفروضة لحماية المدنيين، وأثارت قلق شركائها فى الجيش ووكالة المخابرات المركزية، حيث تورطت هذه الخلية فى قتل الأشخاص الذين لم يكن لهم دور فى الحرب بما فى ذلك مزارعون يحاولون جنى المحاصيل، وأطفال فى الشوارع، وعائلات تفر من القتال، وقرويون يحتمون بالمبانى.

كانت وحدة  «تالون أنفيل» صغيرة - فى بعض الأحيان كانت تضم ٢٠ شخصا فقط  يعملون من غرف مجهولة مزدحمة بشاشات مسطحة - لكنها لعبت دورًا كبيرًا فى إطلاق ١١٢ ألف قنبلة وصاروخ ضد تنظيم داعش، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها تبنت تفسيرًا فضفاضًا للقواعد التى تضبط عملها.

قال ضابط سابق فى المخابرات الجوية -عمل فى مئات المهمات السرية فى تالون أنفيل من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٨-: «لقد كانوا فعالين وجيدين فى وظائفهم لكنهم قاموا أيضا بالعديد من الضربات السيئة».

جدير بالذكر أن الجيش الأمريكى وصف الحرب ضد تنظيم داعش بأنها الحرب الأكثر دقة وإنسانية فى التاريخ العسكرى، موضحًا أن القواعد الصارمة والرقابة من قبل كبار القادة أبقت الوفيات بين المدنيين عند الحد الأدنى على الرغم من الوتيرة الشرسة للقصف، فى الواقع، يقول أربعة مسئولين عسكريين حاليين وسابقين، إن غالبية الضربات لم تصدر بأوامر من كبار القادة ولكن من قبل «كوماندوز» قوة دلتا بالجيش الأمريكى التى تتبعها وحدة «تالون أنفيل».

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الشهر الماضى أن تفجير تابع للعمليات الخاصة فى عام ٢٠١٩ أسفر عن مقتل العشرات من النساء والأطفال، وقد أسفر هذا الكشف حالة من الذعر سواء بين الجمهور أو كبار القادة العسكريين، فى نوفمبر، أمر وزير الدفاع لويد أوستن بإجراء تحقيق رفيع المستوى فى الضربة التى نفذتها وحدة تالون أنفيل، لكن الأشخاص الذين رأوا فرقة العمل تعمل بشكل مباشر قالوا إن عملية ٢٠١٩ كانت جزءًا من نمط الضربات المتهورة التى بدأت قبل سنوات.

 

عند عرض النتائج التى توصلت إليها صحيفة نيويورك تايمز، نفى العديد من كبار ضباط العمليات الخاصة الحاليين والسابقين أى نمط واسع الانتشار من الضربات الجوية المتهورة، وامتنع النقيب بيل أوربان المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش التى تشرف على العمليات فى سوريا عن التعليق.

وقال أربعة من المسئولين العسكريين إنه مع تصاعد الضربات السيئة، أطلق شركاء تالون أنفيل ناقوس الخطر، ورفض الطيارون إلقاء القنابل لأن وحدة تالون أنفيل أرادت ضرب أهداف مشكوك فيها فى مناطق مكتظة بالسكان، واشتكى كبار الضباط فى المخابرات الأمريكية لقادة العمليات الخاصة من النمط المقلق للضربات التى تنفذها الوحدة السرية، وجادلت فرق القوات الجوية التى تقوم بعمل استخباراتى مع «تالون أنفيل» عبر هاتف آمن يعرف بالخط الأحمر بخطورة العمليات على حياة المدنيين، وحتى داخل «تالون أنفيل» رفض بعض الأعضاء فى بعض الأحيان المشاركة فى ضربات تستهدف أشخاص لا يبدو أنهم يشاركون فى القتال.

عمل المسئولون الأربعة، الذين التقت بهم صحيفة نيويورك تايمز، فى أجزاء مختلفة من المجهود الحربى، لكن جميعهم تفاعلوا بشكل مباشر مع «تالون أنفيل» فى مئات الضربات وسرعان ما أصبحوا قلقين بشأن طريقة عملها، وأبلغوا الرؤساء المباشرين والقيادة التى تشرف على الحرب الجوية بما رأوه، لكنهم قالوا إنه تم تجاهلهم.

قال ضابط المخابرات الجوية السابق، الذى عمل تقريبا بشكل يومى فى مهام من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٨، إنه أخطر مركز عمليات للقوات الجوية فى المنطقة والذى تسبب فى العديد من الخسائر بصفوف المدنيين عدة مرات، بما فى ذلك بعد غارة مارس ٢٠١٧ عندما أسقطت وحدة «تالون أنفيل» قنبلة تزن ٥٠٠ رطل على مبنى كان يحتمى به حوالى ٥٠ شخصا، لكنه قال إن القادة العسكريين فى واشنطن بدوا مترددين فى التدقيق فى نشاط الخلية السرية التى كانت تتولى قيادة الهجوم فى ساحة المعركة.

بسبب عمل «تالون أنفيل» زاد معدل الخسائر المدنية فى سوريا بشكل كبير، وفقا لـ لارى لويس، المستشار السابق فى البنتاجون ووزارة الخارجية، والذى كان أحد مؤلفى تقرير وزارة الدفاع لعام ٢٠١٨ حول الأضرار المدنية، قال لويس -الذى اطلع على بيانات الخسائر المدنية السرية للبنتاجون فى سوريا- إن المعدل كان ١٠ أضعاف العمليات المماثلة التى تحدث فى أفغانستان.

أضاف لويس: «لقد كان أعلى بكثير مما كنت أتوقعه من وحدة أمريكية»، «صدمتنى حقيقة أنها زادت بشكل كبير وثابت على مدى سنوات»، متابعًا أن القادة العسكريين فى الجيش ساهموا فى تفاقم الأزمة بسبب التقليل من حجم الخسائر المدنية، حسب لويس، رفض الجنرال ستيفن جيه تاونسند، الذى قاد الهجوم على تنظيم داعش فى عامى ٢٠١٦ و٢٠١٧، التقارير المنتشرة فى وسائل الإعلام الإخبارية ومنظمات حقوق الإنسان التى تصف الحصيلة المتزايدة من الضحايا المدنيين.

فى مقابلة هاتفية، قال الجنرال تاونسند، الذى يرأس الآن القيادة العسكرية لإفريقيا، إن المنظمات الخارجية التى رصدت مزاعم استهداف المدنيين لم تفحص فى كثير من الأحيان المزاعم بشكل صارم بما فيه الكفاية، لكنه نفى بشدة أنه لم يأخذ الخسائر المدنية على محمل الجد، مضيفا أنه كقائد أمر بنشر التقارير الشهرية عن الضحايا المدنيين فى العراق وسوريا، ووصف أى خسائر فى صفوف المدنيين باعتبارها ضمن «مصائب الحرب» وليس «لأن الجيش الأمريكى لم يهتم».  مع وجود عدد قليل من الأمريكيين على الأرض، كان من الصعب الحصول على إحصائيات موثوقة لعدد القتلى من المدنيين، وفقا للجنرال جوزيف فوتيل، رئيس القيادة المركزية للجيش فى ذلك الوقت، ورئيس الجنرال تاونسند.

 

رسميا، لم تكن «خلية تالون أنفيل» موجودة أبدًا، تقريبا كل ما فعلته كان سريًا للغاية، تم التعرف على نشاط الخلية فى سوريا من أوصاف تقارير سرية للغاية ومقابلات مع أفراد عسكريين حاليين وسابقين تفاعلوا مع الوحدة وتحدثوا عن نشاطها بشرط عدم ذكر أسمائهم.

تم تشغيل الخلية الهجومية السرية من قبل وحدة عمليات خاصة سرية تسمى فرقة العمل ٩ التى أشرفت على الهجوم البرى فى سوريا، ضمت فرقة العمل أكثر من وحدة، أولا، فرقة القبعات الخضر (القوات الخاصة الأمريكية المتخصصة فى حرب العصابات) التى تولت مهمة تدريب القوات الكردية والعربية السورية المتحالفة.

ثانيا، مجموعات صغيرة من مشغلى قوة دلتا المدمجة مع القوات البرية، ثالثا، فريق هجوم من «كوماندوز» فرقة دلتا على أهبة الاستعداد لشن غارات برية على أهداف عالية القيمة، بما فى ذلك زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادى، وكانت وحدة «تالون أنفيل» هى المسئولة عن توجيه الضربات العسكرى، لقد عملت من مساحات مكتبية بسيطة، أولا فى أربيل بالعراق، ثم مع تقدم الحرب، فى سوريا من داخل مصنع أسمنت مغلق فى الشمال، وفى مجمع سكنى بالقرب من الحدود العراقية يسمى القرية الخضراء.

استخدمت الخلية المعلومات الاسترشادية من القوات البرية المتحالفة، والاعتراضات الإلكترونية السرية، وكاميرات الطائرات دون طيار وغيرها من المعلومات للعثور على أهداف العدو، ثم ضربهم بذخائر من طائرات دون طيار أو فى ضربات من طائرات التحالف الأخرى، كما نسقت الدعم الجوى للقوات الكردية والعربية المتحالفة التى تقاتل على الأرض.

ظاهريا، أظهر المشغلون القليل من الإشارات على أنهم عسكريون، كما قال عضو سابق فى فرقة العمل والذى عمل مع الخلية خلال ذروة الحرب فى عام ٢٠١٧، لقد استخدموا الأسماء الأولى ولم يكن لديهم رتب أو زى رسمى، وكان العديد منهم ملتحين وذهبوا للعمل فى السراويل والأحذية الرياضية، لكن من غرفة توجيه الضربات الخاصة بهم، سيطروا على أسطول من الطائرات دون طيار من طراز بريداتور وريبر التى كانت مليئة بصواريخ هيلفاير الدقيقة والقنابل الموجهة بالليزر.

كان لدى فرقة العمل خلية هجومية ثانية تعمل مع وكالة المخابرات المركزية، تولت هذه الخلية مطاردة قادة تنظيم داعش ذوى القيمة العالية، واستخدمت الخلية الثانية أدوات مماثلة، لكنه غالبا ما كان تتبع الهدف لأيام أو أسابيع، وكانت مسئولة عن جزء بسيط من الضربات.

تم إنشاء الخليتين فى عام ٢٠١٤ عندما اجتاح تنظيم داعش أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، مع تصاعد الضربات الجوية التى تشنها الوحدة فى عام ٢٠١٧، أعربت مجموعة واسعة من العاملين مع الخلية عن رفضهم لتكتيكاتها التى أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وبحسب ما ورد حرص أعضاء الخلية على تصنيف جميع الضربات تقريبا على أنها دفاعية من أجل تجنب عملية التدقيق الصارمة المفروضة على الضربات الهجومية بل وتجنبوا تشغيل كاميرات الطائرات دون طيار بعد الإطلاق من أجل إخفاء الأدلة على مقتل المدنيين.

يكشف هذا التحقيق الذى أجرته صحيفة نيويورك تايمز عن فصل جديد من مسلسل الجرائم الأمريكية فى الشرق الأوسط، ويدفع بالكثير من التساؤلات حول حقيقة النشاط العسكرى الأمريكى فى المنطقة والضوابط التى تحكم هذا العمل.