محمد مسعود يكتب: الزوجة الثانية.. عندما أبعدت سعاد حسنى دور البطولة عن محمود مرسى وتمسكت بصلاح منصور

مقالات الرأي

محمد مسعود
محمد مسعود

التصوير تم فى «قلما» بالقرب من بنها.. و٣ ميكروباصات يوميا لنقل النجوم والعمال والفنيين من أمام مكتب رمسيس نجيب فى الخامسة صباحا

صلاح أبوسيف يطلب تيمات موسيقية محددة ويصر عليها وفؤاد الظواهرى يوافق

لماذا قال المخرج الكبير لبطلة الفيلم: «سعاد.. نفذى دون نقاش»؟.. ولماذا عنفت سناء جميل صلاح منصور قبل التصوير؟

فريد شوقى المرشح الأول لدور «عتمان» والمنتج رمسيس نجيب يقترح رشدى أباظة وصلاح أبوسيف يرشح محمود مرسى

بناء خيمة لتغيير ملابس الممثلين الثانويين وغرفة واحدة للسندريلا وسناء جميل وأخرى لشكرى سرحان وصلاح منصور

 

هكذا قال المخرج الكبير الراحل صلاح أبوسيف مؤسس مدرسة الواقعية فى السينما المصرية، فى مذكراته التى سجلها وكتبها الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ «عادل حمودة»، وأصدرتها دار «ريشة» - التى يملكها الناشر حسين عثمان- فى كتاب بعنوان «مذكرات صلاح أبوسيف».

وما إن اتخذت القرار بتخصيص حلقات عن مخرجنا العظيم الراحل، كان علىَّ استئذان الأستاذ «عادل حمودة» بالرجوع إلى بعض المعلومات بالمذكرات كونها المرجع الأهم عن حياة مخرجنا الكبير الراحل، إذا احتجت إليها، فكان كريما كعادته وقال على الفور: «خد اللى أنت عاوزه»، بعدها اتفقت مع الماكيير الشهير محمد عشوب عميد فن الماكياج فى الشرق الأوسط على الإدلاء بشهادته عن صلاح أبوسيف، كونه عمل معه فى أفلام عديدة، ولكون الماكيير يشترك فى كل مشاهد العمل، بعكس الممثل الذى يحضر تصوير مشاهده فقط.

وقررت أن تكون الحلقة الأولى عن ملحمته السينمائية العظيمة «الزوجة الثانية»، قصة «أحمد رشدى صالح» وسيناريو وحوار «محمد مصطفى سامى، سعد الدين وهبة، وصلاح أبوسيف»، وإنتاج «رمسيس نجيب»، وكان محمد عشوب، ماكييرا مساعدا بهذا الفيلم مع الماكيير الكبير الراحل سيد محمد.

 

كان الفنان الكبير الراحل فريد شوقى، هو المرشح الأول لدور العمدة «عتمان»، لكن فى نفس العام كان مرتبطا بتصوير ثلاثة أفلام أخرى، ووسط هذا الانشغال لم يستطع الحضور إلى مقر تصوير فيلم «الزوجة الثانية»، وتكرر الأمر لثلاث مرات متتالية، وفى النهاية اضطر المنتج رمسيس نجيب لاستبداله بفنان آخر، وعقد اجتماعًا دعا إليه المخرج صلاح أبوسيف، وبطلة الفيلم السندريلا سعاد حسنى، وكان هناك أكثر من رأى فيمن سيحل بديلا للملك المعتذر، تم اقتراح اسم «رشدى أباظة»، واسم «محمود مرسى»، وهنا طلبت سعاد التحدث، كما أخبرنى محمد عشوب.

«علمت بهذه الواقعة من الفنانة سعاد حسنى نفسها ومن مديرى إدارة الإنتاج بالفيلم إدوارد نجيب، ومحسن علم الدين، قالت سعاد لو إن «فاطمة» وجدت أن العمدة هو «رشدى أباظة أو محمود مرسى»، فهى حتما ستترك أبوالعلا «شكرى سرحان» صاحب دور الفلاح المغلوب على أمره، بخلاف أن سواء فريد شوقى أو رشدى أباظة أو محمود مرسى، فمن الصعب أن يصدق الجمهور أن أحدهم سيبدو ضعيف الشخصية أمام سناء جميل «حفيظة»، لذا فمن الأفضل الاستعانة بـ»صلاح منصور»، قيل لها لكن «عتمان» هو بطل الفيلم، فردت بل بطلا الفيلم «فاطمة وأبوالعلا»، ووافق المنتج رمسيس نجيب والمخرج صلاح أبوسيف، على طرح سعاد حسنى، واتصلوا بالفنان صلاح منصور ليحضر إلى مكتب رمسيس نجيب، وما إن حضر أخبره الأستاذ رمسيس أن هناك فيلما من إنتاجه وإخراج صلاح أبوسيف وبطولة سعاد حسنى وشكرى سرحان، وسنعطيك السيناريو لتقرأه، فرفض صلاح منصور قراءة السيناريو وطلب أن يوقع على بياض لثقته فى العمالقة صناع وأبطال الفيلم، وبالفعل وقع صلاح منصور على بياض دون أن يعرف الأجر الذى سيتقاضاه نظير المشاركة فى البطولة، وعلى الفور حصلوا على مقاسات الملابس لتفصيلها بدلا من الملابس التى كانت أعدت للفنان الكبير الملك فريد شوقى».

«كان المخرج الكبير الراحل صلاح أبوسيف، سافر إلى قرية بجوار بنها، لتحديد موقع التصوير، ووقع اختياره بالفعل على «قلما»، وحدد أماكن التصوير، بيت العمدة عتمان، ومنزل شقيقه المجاور، وعند التصوير تم فرش البيتين كما ظهر بالفيلم، وتم عمل خيمة مجاورة للبيتين كانت مخصصة لوضع الملابس، على أن يستخدمها الممثلون الثانويون فى استبدال ملابسهم، فيما تم تخصيص غرفتين داخل بيت العمدة، إحداهما للفنانة سعاد حسنى والفنانة سناء جميل، والثانية للفنان شكرى سرحان والفنان صلاح منصور، واستغل أبوسيف البلد أفضل استغلال حتى مشاهد الطاحونة التى يملكها العمدة ويعمل بها «أبوالعلا» صورها فى الطاحونة الحقيقية».

 

أثناء وضع «فاطمة» لمولودها، كان من المفترض تصوير مشهد لرد فعل «حفيظة»، وفى هذا المشهد قال الأستاذ صلاح أبوسيف للفنانة سناء جميل « سناء ركزى معايا، أنت هتقفى عند السرير وتمسكى العمود وأول ما أصفق بيدى أريد منك إحساس الفزع وتهزى السرير بقوة من فزعك»، قال لى محمد عشوب ذلك وهو يصف شرح المخرج للممثلة «لم يكن جميع الموجودين بالاستوديو يفهمون سر هذه اللقطة وإحساس الفزع، لكن علمنا عند عرض الفيلم أن تصفيقه كان دلالة على صوت المولود الذى وضعته فاطمة أو سعاد حسنى، وكان صوته يعلن بداية الخراب، أو نذير لزلزال سيهز الأرض من تحت أقدامهما، كان الفيلم كله يدور فى رأسه كصورة حتى من قبل تصويره، وللعلم كان يتدخل فى كل شيء، حتى أنه جلس مع الموسيقار فؤاد الظواهرى وطلب منه تيمات معينة للموسيقى وأصر عليها».

ما قاله فنان الماكياج الكبير محمد عشوب، تؤكده مذكرات صلاح أبوسيف للكاتب الكبير «عادل حمودة»، فجاء فى المذكرات على لسان صلاح أبوسيف « كنت أعرف إنه لا يمكن أن أصبح مخرجا دون أن أفهم باقى الفنون، وأفهم حدود كل منها، والفروق بينها، فلا أتصور وجود مخرج لا يحس الموسيقى، أو لا يجيد توظيف الإضاءة، أو لا يقرأ الأدب، أو لا يستوعب متاعب الناس فى الصحافة، أو لا يلتقط ومضات الفن التشكيلى، السينما تحتاج كل الفنون، وتفرض اللجوء إلى كل الثقافات، حتى ولو لم تظهر ذلك بصورة مباشرة».

سألت الفنان محمد عشوب عن المخرج صلاح أبوسيف داخل حيز البلاتوه، وكيف يتعامل مع المحيطين سواء من النجوم أو الفنانين فأخبرنى أن الأستاذ كان يحب الهدوء فى الاستوديو تماما «أولا هذه الملحمة العظيمة تمت صناعتها بأقل عدد من الأفراد حوالى ٣٠ فردا فقط، المخرج و٣ مساعدين، ومدير التصوير ومساعد وفنى، و٣ عمال للكاميرا أسطى وفنيان، وكذلك الإضاءة أسطى ومساعدان، والماكياج ٤ الأستاذ سيد محمد وعبدالحكيم وحسن طه وأنا، وسيدة واحدة لملابس النساء ومثلها لملابس الرجال، وكوافير وعامل ديكور ونقاش ونجار، علاوة على عامل إكسسوار، الآن تجد فى الفيلم نحو ١٥٠ شخصا خلف الكاميرا، أما عن تعامل الأستاذ صلاح أبوسيف مع الآخرين، فكان هادئا جدا، من الصعب أن يخرج عن شعوره وفى حال غضبه كان ياخذ جنبًا، ولم أشاهده أبدا يمسك بسيناريو الفيلم أثناء التصوير، كان يذاكر المشاهد فى منزله ويأتى إلى التصوير وكل مشهد قد جرى تقطيعه بالفعل وعمل الميزانسين أو حركة الممثلين أمام الكاميرا، ولكل مشهد ورقته الخاصة، وكان إنسانا بمعنى الكلمة، ففى فيلم الزوجة الثانية كنا نصور فى الشتاء، وكان الجو قارس البرودة، كان يرى عامل ملابسه خفيفه، فيأمر المسئول عن الملابس بإعطائه أى شىء ليرتديه ويتدفئ به، كان يشرح للممثل المشهد بالتفصيل ويطلب منه الإحساس، ويقوم بعمل بروفة قبل التصوير، حتى عندما كان يعطى تعليماته كان يعطيها للنجوم بمنتهى الهدوء، ففى اليوم الأول لتصوير الفيلم، قرر أن يبدأ التصوير بمشهد لفاطمة أو سعاد حسنى وهى جالسة تغسل الحلة على حافة الترعة، وبعد وضع الكاميرا لمح أن سعاد حسنى تضع الرموش، وكنت أنا من وضعتها لها ولهذه الرموش قصة حدثت فى فيلم «شىء من العذاب» – سنذكرها فى حلقات قادمة- فسألها إيه اللى فى عينك ده، فقالت له «رموش» فقال: وهل فاطمة الفلاحة التى تغسل حلتها فى الترعة تضع رموشًا، ونادى «ماكياج» فذهبت إليه جريا، فقال لى: «تانى يا محمد.. رموش تانى.. شيلها فورا»، فقالت سعاد: «لكنها خفيفة جدا»، فقال لها «شيلى الرموش دون نقاش يا سعاد لو سمحتى»، فانصاعت لأوامره على الفور، والحقيقة كان العمل خاليا من أية مشكلات وكان مليئا بالحب».

 

قال لى الفنان محمد عشوب إن أسرة الفيلم كانت تسافر يوميا إلى قرية «قلما» بالقرب من مدينة بنها، كان التجمع فى الخامسة صباحا أمام مكتب المنتج رمسيس نجيب، وكان هناك ٢ ميكروباص يحملون ثلاثة أفواج ذهابًا وعودة، الفوج الأول يتجمع فى الخامسة صباحا يضم الماكياج والملابس والإكسسوار ويتم وضع معدات الإضاءة على الشبكة الخاصة باحدى السيارتين، والفوج الثانى خاص بجميع الفنانين فلم يذهب أحد بسيارته، والفوج الثالث خاص بالمخرج ومدير التصوير، والمؤكد أن رحلات الذهاب والعودة والتصوير نفسه لم يخل من المشاهد الطريفة التى ذكرها لى عشوب.

«مرة وإحنا بنصور لقينا صلاح منصور وقع من طوله، أغمى عليه نتيجة ارتفاع كبير فى ضغط الدم، وبعد أن ذهبنا به إلى المستشفى وعدنا، سأله المخرج صلاح أبوسيف عن سر ارتفاع الضغط بهذا الشكل المفاجئ، فأخبره بأنه لا يعلم، فقلت للأستاذ صلاح أبوسيف لكننى أعلم، صلاح منصور نزل غيط قرنبيط بجوار موقع التصوير وأخد قرنبيطة وأكلها نيئة، هو كان يحب أكل القرنبيط، ولكونه صابح وطازج فأكلها كلها، فارتفع ضغط دمه كثيرا».

أما الموقف الذى لم ينسه عشوب، فأثناء العودة بالميكروباص إلى القاهرة كانت تقف فتيات وسيدات تبيعن سلطانيات من الفخار بها قشدة ولبن، وزبادى، كنا نشترى منهن مساء ونعيد الفخارة الفارغة فى صباح اليوم التالى، واشترى الفنان حسن البارودى سلطانية مليئة بالقشدة الفلاحى، وفى صباح اليوم التالى جاء وتحرك مع فوج الممثلين بسلطانية القشدة ومازالت مليئة كما هى، وأثناء ميل السيارة وقع نصفها على فخذ الفنان صلاح منصور الذى قال لها: «إيه ده يا عم حسن.. أنت رايح بيها مليانة ليه»، فقال له: «معلش أصلى اشتريتها على أنها قشدة.. وطلعت زبادى.

سناء جميل عنفت صلاح منصور بسبب مداعباته داخل حيز التصوير وطالبت منه الالتزام بالهدوء أكثر من مرة بسبب أفشاته التى تخرجها عن تركيزها ومع ذلك لم يكف صلاح منصور عن المداعبة.