العامل النفسي "كلمة السر".. هل نجحت روشتة “أردوغان” لوقف نزيف خسائر الليرة؟

الاقتصاد

بوابة الفجر

 

شهدت أسعار صرف الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية تحسنًا ملحوظًا، بعد خطاب ألقاه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مساء الاثنين 20 من ديسمبر الجاري، جاء هذا التحسن بعدما جاوز سعر الصرف حاجز 18 ليرة للدولار الواحد أمس الاثنين.

وفي مؤتمر صحفي عقده الرئيس التركي، قال إن بلاده ستطلق أداة مالية جديدة تتيح تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة.

وأضاف أردوغان أن بلاده ستوفر بديلًا ماليًا جديدًا للمواطنين الراغبين بتبديد مخاوفهم الناجمة عن ارتفاع أسعار الصرف، موضحًا عدم وجود الحاجة لتحويل المدخرات من الليرة التركية إلى العملات الأجنبية خوفًا من ارتفاع أسعار الصرف.

وعقب المؤتمر، أعلن رئيس “جمعية البنوك التركية”، ألباسلان شاكار، عن صرف البنوك نحو مليار دولار إلى الليرة التركية، موضحًا أن الرقم في ازدياد بعد طمأنة أردوغان للمواطنين بعدم تعرضهم للخسارة في حال حفظ مدخراتهم بالليرة التركية.

وهنا يأتي التساؤل ماذا فعلت الحكومة التركية لنقاذ اللليرة من نزيف الخسائر الذي تعيشه منذ فترة وما الثمن الذي اضطرت لدفعه في مقابل هذا الارتفاع المفاجئ.

مبادلة العملة

كانت البداية هي محاولات تركيا التوصل لاتفاق لمبادلة العملة مع عدد من الدول، حيث استمرت  مساعي تركيا لإقناع بعض الدول بفتح خطوط لمقايضة العملات، في محاولة لوقف الانهيار المتواصل لليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وفي مقدمتها الدولار.

في هذا السياق أجرت تركيا محادثات لتأمين اتفاقات لمبادلة العملة مع 4 دول، وتقترب حاليا من إبرام صفقة مع اثنتين منها، دون الكشف هذه الدول، حسب ما ذكره، محافظ البنك المركزى التركي.

وقال محافظ البنك المركزي التركي شهاب قوجي أوغلو، إن البنك قد يوقع صفقتين لمبادلة العملات في غضون أسبوعين.

كانت رويترز قد ذكرت يوم الخميس أن محادثات بين البنك المركزي التركي ونظيريه في أذربيجان والإمارات بشأن اتفاق محتمل لمبادلة العملات أوشكت على الانتهاء.

تملت الخطوة الثانية في بيع العملات الأجنبية، حيث شهد شهر ديسمبر الجاري تدخلا من جانب البنك المركزي لبيع العملات الأجنبية 5 مرات، وتمت عملية البيع الأولى بعد 7 سنوات، وكان حجم التدخل الأول للنقد الأجنبي الذي تم بيعه 844 مليون دولار في الأول من ديسمبر.

أما الخطوة الثالثة فكانت البورصة، حيث تم تداول 340 مليون دولار في بورصة إسطنبول، وبذلك بلغ حجم الاستجابة الأولى 1.18 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يعلن البنك المركزي، الذي تدخل في السوق ببيع العملات الأجنبية في 3 و10 و13 و17 ديسمبر، مقدار التدخل في هذه المواعيد في الأيام المقبلة، حيث تصل الفترة الرسمية للإعلان إلى 15 يومًا من التدخل.

العامل النفسي ساعد في حل الأزمة

يعتبر باحثون اقتصاديون أن التدهور الحاصل في قيمة الليرة التركية خلال الفترة الماضية، لم يكن بمجمله ناتجًا عن تخفيض سعر الفائدة، مؤكدين وجود سببين إضافيين عالجتهما الحكومة التركية لتعاود قيمة الليرة للارتفاع اليوم.

وأضاف الاقتصاديون، أن سبب تحسن سعر الصرف المفاجئ يعود لمعالجة الحكومة التركية لهذين السببين، إذ عالج أردوغان العامل النفسي، بتصريحه أمس، وتعهده بدعم حكومته للمودعين بالليرة التركية، وتعويض خسائرهم في حال حصولها، ومن جهة أخرى بدا أن الحكومة نجحت في التعامل مع كبار المضاربين والحد من تأثيرهم.

سياسة نقدية غير التقليدية

رغم ما يشهده الاقتصاد التري خلال الفترة الحالية، إلا أنه كان هناك إصرار غير مبرر من القيادة السياسية في تركيا على استمرار خفض أسعار الفائدة،على الرغم من موجة التضخم التي تضرب اقتصاد العالم والتراجع المستمر والغيرمسبوق لعملتها، إلا أن اردوغان يري أن رفع الفائدة ما هو إلا كارثة اقتصادية من شأنها أن تزيد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء.

ولهذا السبب اتبع أردوغان سياسته الاقتصادية غير التقليدية المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة لتعزيز النمو الاقتصادي في تركيا وإمكانات التصدير بعملة تنافسية، وفي سبيل ذلك تمت الإطاحة بـ 4 محافظين للبنك المركزى التركي خلال الفترة القليلة الماضية.

وبناءً على رغبة أردوغان تم تخفيض أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية واحدة خمس مرات منذ سبتمبرل الماضي وخلال تلك الفترة انخفضت قيمة الليرة التركية إلى النصف مقابل الدولار وارتفع التضخم إلى 21 في المئة حسب البيانات الرسمية، أي أكثر من أربعة أضعاف الهدف الرسمي البالغ 5 في المئة.

 وأعلن المصرف المركزي التركي أيضا في 16 من ديسمبرالحالي، عن خفض سعر الفائدة على عمليات إعادة الشراء (الريبو) لأجل أسبوع 100 نقطة أساس لتصبح 14%، تبعه انخفاض في سعر صرف الليرة تجاوز 18 ليرة تركية.

ومنذ سبتمبر الماضي، خفّض المركزي التركي أسعار الفائدة 500 نقطة أساس بعد أن كانت 19%، ما أدى إلى انخفاض الليرة التركية إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.

تأثير السياسة النقدية على المواطن

هذا التراجع المتسارع في قيمة الليرة التركية انعكس سلبا على الأوضاع المعيشية للموطنين الأتراك الذين تأكلت مدخراتهم بفعل التضخم الذي بلغ 20 في المئة حسب البيانات الرسمية بينما يرجح العديد من الخبراء ان نسبتها الفعلية تتجاوز 50 في المئة حيث تغير المحلات التجارية أسعار المواد الغذائية الاساسية يوميا تقريبًا.

ورغم أن الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن عن رفع الحد الأدنى لراتب موظف الدولة بنسبة 50 في المئة العام المقبل ليبلغ 4250 ليرة تركية شهريًا ( 275 دولارا) لكن هذا الراتب هو فعليًا أقل مما كان قبل عام ( 380 دولارًا). وستؤدي الزيادة التي تشمل نحو ستة ملايين من موظفي الدولة إلى مزيد من التضخم وبالتالي تراجع الليرة التركية أكثر.

يشار إلى أن انهيار الليرة التركية بدأ منذ عام 2016 حيث كان سعرها في بداية العام 2.92 مقابل الدولار وفقدت خلال ذلك العام 17 بالمئة من قيمتها لتبلغ في نهاية العام 3.53 ليرة مقابل الدولار وتراجعت أكثر في أوئل عام 2017 لتصل إلى 3.779 ليرة مقابل الدولار. واستمر تدهورها خلال الاعوام التالية لتصل يوم 17 ديسمبر الحالي إلى 17 ليرة مقابل الدولار وعادت واستقرت عند 16.3 ليرة.