عادل حمودة يكتب: إيلون ماسك قبطان “سفينة نوح” الجديدة إلى المريخ شخصية العام

مقالات الرأي

الكاتب الصحفي عادل
الكاتب الصحفي عادل حمودة

أغنى رجل فى التاريخ بثروة تصل إلى ٣١٨ مليار دولار

اخترع صواريخ ومحطات فضائية رخيصة أعادت ناسا إلى غزو الفضاء

قدرت شركة السيارات الكهربائية التى أسسها بتريليون دولار

أهم اختراعاته: شرائح تحت الجلد لعلاج الشلل والتشنجات العصبية والغباء

 

بينما «الميديا» المصرية مشغولة بعرى نجمات «الجونة» وصلعة المطربة «شيرين» والحرب المعلنة بين «هانى شاكر» و«نجيب ساويرس» تتسابق «الميديا» فى باقى أنحاء العالم فى الحديث عن «إيلون ماسك» الذى اختارته مجلة «تايم» شخصية العام ووصفته مجلة «فوربس» بأنه «أغنى شخص فى التاريخ» باستثناء الملوك.

لكنه لم يتحايل على الضرائب أو تهرب منها بل سدد مؤخرا ٧ مليارات دولار إلى وزارة المالية الأمريكية رغم أنه يدين الحكومة الفيدرالية بنحو ٨.٣ مليار دولار.

إنه واحد من القلة الذين يصفهم شكسبير فى مسرحية «يوليوس قيصر» بأنهم أكبر من الحياة وسيتركون علامة على العالم ناهيك عن الكون.

لا أظن أن كثيرا منا سمعوا عنه أو يتحمسون لمتابعة سيرته الشخصية والمهنية فلا هو لاعب كرة يتحدث عن «المثلية الجنسية» ولا هو شاب مستهتر قتل أربع ضحايا فى حادث سيارة واحد.

كانت «الإمارات» الدولة العربية الوحيدة التى اهتمت به وعرفت قيمته واستضافته إمارة «دبى» فى آخر «قمة عالمية للحكومات الذكية» ليحظى بلقب «الضيف الأكثر إثارة للانتباه».

كانت القاعة ممتلئة على آخرها وحبس كل من فيها أنفاسه مشدودا إلى ما يرويه «ماسك» عن الكائنات الفضائية التى تعيش معنا منذ عشرين عاما وشريحة الذكاء الاصطناعى التى يمكن زرعها فى رأس مرضى يعانون من الشلل والزهايمر والخرف والغباء ونجاحه فى تصنيع صاروخ سيهبط به على سطح المريخ ولا يمانع فى أن يدفن هناك.

لكن الأهم أنه وضع شركات إنتاج السيارات العريقة فى حرج عندما نجح فى عرض سيارة تسير بالكهرباء تتمتع بسرعة عالية وقيادة مطمئنة وبطارية ذكية وسعر يحطم منافسيه إذا لم يتعاونوا معه.

والأكثر أهمية أنه عالج ازدحام الطرق باختراع أطلق عليه «هايبرلوب» يقطع مسافة ألف كيلومتر فى عشر دقائق.

فى نهاية ٢٠٢١ لم يوصف ماسك بأنه نجم العام فقط وإنما وصف أيضا بـأنه أغنى رجل فى العالم وقدرت ثروته بنحو ٣١٨ مليار دولار جمعها من اختراعات تكنولوجية حديثة أفادت البشرية ولم يجمعها بمضاربات فى البورصة أو شراء الشركات الوطنية وإعادة بيعها للأجانب وبالطبع لم يهرب أمواله إلى الخارج بل يمكن القول إنه لم يمتلك بيتا حتى اليوم.

التفاصيل مثيرة لكن علينا أن نعود إلى الوراء نصف قرن إلى الوراء.

ولد ماسك فى جنوب إفريقيا (بريتوريا) يوم ٢٨ يونيو ١٩٧١ (الأم عارضة أزياء والأب طيار وبحار) وما أن فك ماسك الحروف حتى قرأ بنهم كل ما وقع تحت يديه من كتب علمية وأدبية وروائية ودون مساعدة من أحد تعرف وهو فى العاشرة على الكومبيوتر وطوره وبرمجه وبعد عامين ابتكر لعبة إلكترونية (اسمها بلاستار) باعها بخمسمائة دولار.

تأثر بالكيميائى والروائى الأمريكى (الروسى الأصل) إسحق عظيموف وحفظ عنه جملة خالدة: «عليك أن تساهم فى نمو الحضارة وإبعادها عن كل ما يعيدها إلى عصور الظلام».

فى صغره لوحظ أن ماسك كثير الشرود واعتبره الأطباء مصابا بمتلازمة «أسبرجر» التى اكتشفت عام ١٩٤٤ وتعد حالة مخففة من «التوحد» بدت أنها وراء سر عبقريته.

لكن أعراض «اسبرجر» التى جعلت من الصعب عليه التفاعل الاجتماعى مع الآخرين أجبرت أسرته على الانتقال به إلى كندا رفضا للنظام العنصرى ومنها إلى الولايات المتحدة ليعالج وهناك درس الفيزياء والاقتصاد والفلسفة.

يقول أنطونيو جراسياس أقرب أصدقاء ماسك إليه: «إن ماسك نشأ فى بيئة قاسية وولد بعقل خاص جدا لاينجو غالبية الناس منه إلا أنه وظفه فى اتخاذ قرارات عظيمة تحت ضغط غير عادى لتغيير مسار الإنسانية».

ماسك نفسه وصف أباه بأنه كان رجلا شريرا عذبه نفسيا بطرق لا يزال ماسك يتألم بشدة عند تذكرها. أما هو كان طفلا خجولا منطويا تعرض للتنمر ونقل إلى المستشفى بعد أن ألقى به زملاؤه فى المدرسة الإعدادية من أعلى السلم فانزوى بعيدا يفكر فى اختراعاته.

أسس شركة تو زد «لبرمجة المواقع باعها ــ مقابل ٣٤٠ مليون دولار ــ ليؤسس شركة «إكس دوت كوم» للخدمات المصرفية عبر الإنترنت وما أن اندمجت فى شركة أخرى حتى اشتراها موقع «إيباى» مقابل ١.٥ مليار دولار.

بدأ يلعب بالمليارات ولكن المؤكد أن المال لم يقض على الملل الذى يصاحبه ولا يخفف من خياله العلمى ويهبط به إلى أرض الواقع وإنما يزيد منه وكأنه حمى يصعب الخلاص منها حسب ما سمعت منه فى ندوة دبى.

فكر فى الفضاء لكنه لم ينظر إلى القمر الذى هجرت الدول الكبرى الاهتمام به ــ منذ سبعينيات القرن العشرين ــ رغم ما به من ذهب وبلاتين وهوليوم.

«ليكن المريخ» أو «الكوكب الأحمر» الجار الخارجى للأرض وربع مساحتها سأذهب لزراعة واحات النباتات التى تنمو هناك لتعمير الفضاء لبدء العيش فيه.

هكذا حدث إيلون نفسه وهو يؤسس شركة «سبيس أكس» لتصنيع المركبات الفضائية ولكنه احتاج صواريخ لإطلاقها وسافر إلى موسكو عارضا ٢٠ مليون دولار لشراء ثلاثة صواريخ بالستية ولكنهم سخروا منه واعتبروه مبتدئا ساذجا.

لم يهتز ولم يتراجع عن حلمه وبحسبة بسيطة اكتشف أن المواد المكونة للصاروخ (الحديد والنيكل والوصلات الكهربائية) لا تزيد تكلفتها على ثلاثة فى المائة من ثمنه فلم لا يصنع بنفسه الصاروخ؟.

فى عام ٢٠٠٥ أطلق أول صاروخ من تصنيعه ولكنه سقط قبل أن يصل إلى الفضاء الخارجى وكرر التجربة أكثر من مرة طوال ثلاث سنوات دون بادرة أمل فى النجاح وفقد ثقة زبائنه وعلى رأسهم وكالة «ناسا» التى مولته بنحو ٣٢٠ مليون دولار.

كادت الشركة أن تفلس بل إنها أفلست بالفعل بعد ست سنوات من التجارب الفاشلة لكن لم تكن الثروة تعنيه فليعش فى شقة صغيرة وليتنقل بالمواصلات العامة وليكتفى بتناول الخبز والجبن والخس وليقتصر على ملابس الجينز وأحذية «أديدس».

سقطت الشركة لكن أحلامه لم تسقط.

فى عام ٢٠٠٨ سجل أول إطلاق صاروخ (فالكون) لشركة خاصة (غير حكومية) وتصاعد النجاح إلى حد تصنيع صاروخ يعود بعد إطلاقه إلى الأرض وفى عام ٢٠١٠ أرسلت الشركة رائدى فضاء لم يتكلفا أكثر من ١٠٠ ألف دولار وشهد الرئيس الأمريكى أوباما التجربة بنفسه ودفعت ناسا للشركة ١.٦ مليار دولار لتمويل ١٢ رحلة فى الفضاء تستعيد بها علاقتها بالقمر.

بما وصل إليه حقق ماسك شعاره الذهبى: الجودة العالية والتكلفة الرخيصة.

بالتقدم التكنولوجى غير المسبوق فى تكنولوجيا الفضاء انخفضت تكلفة السفر إلى الفضاء إلى واحد فى المائة من ثمنها الحالى وخلال ١٠ ــ ٢٠ عاما سيهبط البشر على سطح المريخ لتبدأ مستعمرة هناك يأتى أهل الأرض إليها بـ «سفينة نوح جديدة» حتى يصل عدد سكانها إلى ٨٠ ألف نسمة فى عام ٢٠٤٠.

حسب روبرت زوبرين مؤسس جمعية المريخ فإن ماسك جشع فى المجد ولكنه يحصل عليها من خلال أعمال عظيمة تفيد البشرية والمال بالنسبة إليه وسيلة وليست غاية إننا نقيم توماس أديسون اليوم باختراعاته وليس بالأرباح التى حققها».

لم يكتف ماسك بالنظر إلى الفضاء وإنما امتد بصره إلى الأرض لتحسين الحياة فيها.

فى مواجهة مشكلة «المناخ» أسس ماسك شركة «تيسلا موتورز» لإنتاج السيارات الكهربائية وبالفعل توصل فى عام ٢٠٠٨ إلى سيارة رياضية بيع منها ٢٥٠٠ سيارة إلى ٣١ بلدًا لا يزيد سعرها على ٣٠ ألف دولار.

أكثر من ذلك أنتج أنظمة توليد الطاقة الكهربائية وباعها إلى شركة مرسيدس لتستخدمها فى سيارتها الكهربائية وسارعت شركة تويوتا للتعامل معه.

لكنه مهدد بفقد نصف ما ينتج من السيارات الكهربائية بعد أن ألغت الصين ملكية الأجانب للمصانع على أرضها ومنحها ذلك سوقا أكبر لسياراتها الكهربائية وإن لم تستطع منافسة تيسيلا التى تعاقدت مع شركة هاينز لتاجير السيارات على ١٠٠ ألف سيارة.

مثل ستيف جوبز (نجم آبل) لم يزد مرتب ماسك السنوى عن دولار واحد فقط أما الباقى فيحصل عليه فى شكل أسهم وعلاوات وصلت فى عام ٢٠١٨ إلى ٢.٦ مليار دولار بعد أن ارتفعت القيمة السوقية لشركة تيسلا إلى ٦٥٠ مليار دولار.

قبل أن يكتمل نجاح السيارات الكهربائية وضع نصف رأسماله فى شركة «سولار سيتى» لأنظمة الطاقة الشمسية وفى أقل من سبع سنوات أصبحت ثانى أكبر شركة أمريكية فى مجالها.

وتعهد ماسك بزيادة حجم إنتاج الطاقة الشمسية إلى ثلاثة أضعاف فى الولايات المتحدة ببناء محطة لتوليدها ستكون الأكبر فى العالم.

إن مثل هذه الاختراعات لا توفر للبشر مستقبلًا أفضل فقط وإنما تقلل من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى وتعيد المناخ الغاضب المتوتر المتهور إلى طبيعته.

وذات يوم كان ماسك على موعد مع أحد حكام العالم عندما وجد من الصعب احترامه بسبب توقف حركة المرور بسبب انقلاب سيارة.

فى صيف ٢٠١٣ كشف ماسك النقاب عن اختراعه الجديد الذى أطلق عليه «الهيبرلوب».

كبسولات بها وسائل راحة وأمان للركوب تندفع بسرعة هائلة (كيلومتر فى الدقيقة) داخل أنبوب أو نفق تحت الأرض يمتد من مدينة إلى أخرى.

وبدأ ماسك تنفيذ فكرته بين لوس أنجلوس وخليج سان فرانسسيكو.

ووافقت مدينة نيويورك على بناء هيبرلوب بينها وبين واشنطن.

وتعاقدت الإمارات على خط ثالث يربط بين دبى وأبوظبى (١٢٠ كيلو تقطع فى ١٢ دقيقة).

وفى شتاء ٢٠١٥ أعلن ماسك عن تأسيس شركة بحثية (غير هادفة للربح) للذكاء الاصطناعى تهدف إلى تطويره بطريقة مفيدة وآمنة.

أراد ماسك كسر الشركات التى تهدف إلى أرباح خيالية من وراء الذكاء الاصطناعى إلى جانب سوء استخدامه من قبل بعض الحكومات لقمع مواطنيها.

تقع الشركة فى سان فرانسيسكو وبلغت ميزانيتها فى عام تأسيسها إلى ما يقرب من المليار دولار.

وفى يناير الماضى أعلن ماسك عن جائزة لدعم المناخ قيمتها ١٠٠ مليون دولار وفى الوقت نفسه ساعد كثيرًا من مختبرات التخصيب ماليا على تخفيض تكاليف إنجاب الأطفال واعتبر ذلك أفضل ما فعل؟.

كان ماسك قد التقى زوجته الأولى الكاتبة الكندية جوستين ويلسون وهما فى جامعة كوينز وتزوجا عام ٢٠٠٠ ولكنهما بعد عامين عاشا مأساة بعد أن توقف ابنها البالغ من العمر ١١ شهرا عن التنفس وبعدها بدأ الزوجان التردد على مختبرات التخصيب وأنجبت جوستين فيما بعد تؤأمين وثلاثة توأم وجميعهم من الأولاد.

عانت جوستين من الاكتئاب فى قصر ماسك (لوس أنجلوس) الذى وصفته بالقصر الذهبى وبعد ثمانى سنوات من الزواج طلب ماسك الطلاق ولم تمر سوى ستة أسابيع حتى أعلن خطوبته على الممثلة البريطانية تالولا رايلى لكن زواجهما لم يستمر وتزوج ماسك وانفصل للمرة الثالثة.

بعد عامين من الوحدة بدأ ماسك فى مواعدة المغنية كلير باوتشر (واسمها المسرحى جرايموس) وما أن أنجب منها ابنا حتى تزوجا وسرعان ما طلقا.

ومؤخرا غنت جرايموس: «حتى الحب لا يمكن أن يبقيك فى مكانك لكن ألا تحبنى هكذا».

هذا هو إيلون أورل ماسك رجل العام وأغنى أغنياء العالم الذى نال شهرته وثروته وصنع مجده عن جدارة فهل نستوعب ما فعل؟ هل ندرس تفاصيل حياته؟ هل ننشر سيرته فى كتب الأطفال حتى يحلموا بأن يكونوا مثله؟ أم نتباهى بدعم ملياردير مثل ساويرس لحمو بيكا وحسن شاكوش وأبو ليلة وفيلو وموزة وطيخة وريشا كوستا وشواحة ولن ننسى بالطبع كزبرة.