محمد مسعود يكتب: الأستاذ بحق.. صلاح أبو سيف ناظر مدرسة الواقعية 3

مقالات الرأي

محمد مسعود
محمد مسعود

عندما سأل المخرج الكبير الفنانة سهير المرشدى: «هتعرفى تغيظى سناء جميل»؟

رشحها لبطولة فيلم «الرجال لا يتزوجون الجميلات» وكاد وجهها يتشوه فصرخ فى الماكيير: «ضيعت مستقبل البنت يا مجنون»

لماذا قالت سعاد حسنى لصلاح أبوسيف» أنت مهتم بسهير كده ليه؟»

لماذا رفض وساطة رأفت الميهى لتعيين مصطفى محرم وكيف أعطاهما دروسًا خصوصية فى كتابة السيناريو

كتب تقريرًا قال فيه إن رباب حسين قدمت نقلة نوعية فى إخراج العروض المسرحية تليفزيونيًا

طلب من أحمد توفيق صبغ شعره للون الأسود لأداء دور «سالم الإخشيدى»


لصلاح أبوسيف أياد بيضاء، على كل من عمل معه، فهو لم يكن مخرجا كبيرا فحسب، بينما كان أستاذا ومُعلما لعدد كبير من المخرجين والمؤلفين، والنجوم، يكفى أن تعلم عزيزى القارئ أن مخرجنا العظيم الراحل هو من علم مخرجا موهوبا فى حجم رأفت الميهى كتابة السيناريو؛ وكذلك اليسناريست الكبير الراحل مصطفى محرم.

مصطفى محرم قبل وفاته وأثناء توثيق بعض أعماله التى نشرت فى كتاب بعنوان «أساطير الدراما»؛ حكى لى كيف كان لصلاح أبوسيف فضل كبير عليه؛ لكن لظروف ضيق المساحة فضلت عدم نشر التفاصيل كونها كانت خارج السياق؛ والآن وقد آن أوان الحديث عن صلاح أبوسيف؛ أخرجت الواقعة من أدراج المكتب.

بدأت العلاقة بالتحديد فى عام ١٩٦٢؛ عندما أصدر صلاح أبوسيف؛ قرارا بتعيين مصطفى محرم فى شركة «فيلمنتاج» إحدى الشركات المنبثقة من مؤسسة السينما التى كان يرأسها المخرج الكبير؛ والواقعة كما رواها لى الكاتب الكبير الراحل بدأت عندما كان مدرسا للمرحلة الثانوية؛ بينما كان زميل الدراسة السابق رأفت الميهى قد تم تعيينه مدرسا للغة الإنجليزية؛ لكن الميهى التحق بمعهد السينما وعمل فيما بعد مع صلاح أبوسيف فى شركة «فيلمنتاج»؛ وطلب محرم من الميهى أن يتوسط له عند صلاح أبوسيف لينضم هو الآخر للعمل بالشركة؛ لكن صلاح أبوسيف قال: «لا وساطة؛ فليأت إلى هنا وبعد المقابلة سأتخذ القرار».

وما أن جلس مصطفى محرم أمام عملاق الإخراج صلاح أبوسيف وجد أنه يتحدث معه بشكل عام فى مناح مختلفة؛ ثم فتح درج مكتبه وأخرج رواية «شمس الخريف» للكاتب الكبير محمد عبدالحليم عبدالله؛ وطلب منه أن يكتب تقريرا عن الرواية؛ وبالفعل كتب مصطفى محرم التقرير فى ٣ صفحات، وعاد إلى صلاح أبوسيف فى اليوم التالى، فقال له: «مبروك يا مصطفى.. أنت معانا».

وفى قسم «القراءة والإعداد» بالشركة وكان وقتها يضم ١١ فردا، ظل مصطفى محرم فى وظيفته ٣ سنوات، قرأ فيها جميع السيناريوهات التى قدمت، علاوة على كل ما نشر فى الأدب المصرى، وكان صلاح أبوسيف يناقش التقارير أسبوعيا، وكانت مواعيد العمل بالشركة تبدأ فى التاسعة صباحا، فطلب من مصطفى محرم أن يأتى يوما بعد يوم فى تمام الثامنة أى قبل موعد العمل بساعة، خصصها صلاح أبوسيف لتعليمه فن كتابة السيناريو، وعندما سألت الراحل «لماذا يوما بعد يوم ؟» أخبرنى أنه كان يخصص يوما له ويوما لرأفت الميهى الذى اشتهر بحرفيته العالية فى كتابة السيناريو، وهى الحرفية التى تعلمها من عبقرى السينما وناظر مدرسة الواقعية صلاح أبوسيف؛ الذى كان يأمرهما بكتابة سيناريوهات لروايات لن يتم إنتاجها؛ ولكن من باب التعلم، وكان يصحح لهما المعالجات الدرامية التى يجب أن تكتب على أسس محددة.

ولم يكن الميهى ومحرم فقط من تعلما السيناريو على يد أبوسيف، لكنه أيضا علمه لأديب نوبل «نجيب محفوظ» وأقنعه بالكتابة للسينما بشكل مباشر؛ وكانت أولى تجارب نجيب محفوظ المشاركة فى كتابة سيناريو فيلم «مغامرات عنتر وعبلة»، كما جاء بمذكرات صلاح أبوسيف للكاتب الصحفى الكبير الأستاذ «عادل حمودة»، التى أصدرتها دار «ريشة»، للناشر «حسين عثمان».

 

المعروف للجميع أن الفنانة القديرة سهير المرشدى، قدمت مشهدا واحدا فى فيلم «القاهرة ٣٠»، والمعروف أيضا أن صلاح أبوسيف أسند لها دورا أكبر فى فيلمه التالى «الزوجة الثانية»، لكن ما لا يعرفه أحد أن الفنانة الكبيرة سهير المرشدى قبل الفيلمين سالفا الذكر، كانت مرشحة لبطولة فيلم «الرجال لا يتزوجون الجميلات» من إنتاج مؤسسة السينما التى يشرف عليها صلاح أبوسيف لكنها اعتذرت وحلت محلها النجمة شويكار.

الحكاية كما قالتها لى الفنانة القديرة السيدة سهير المرشدى بدأت من الميكرفون (فى هذه المرحلة كان هناك ازدهار فنى، سواء على مستوى المسرح أو على مستوى السينما، كان المناخ الثقافى مزدهرا فى جمهورية جديدة تثبت وجودها سياسيا بعد ثورة ٢٣ يوليو؛ كان يوجد هيئة المسرح، وهيئة السينما وكان رئيسها صلاح أبوسيف، وعندما كنت طالبة بمعهد الفنون المسرحية رأيت الأساتذة صلاح ويوسف شاهين ومحمود ذو الفقار وآخرين، كانوا يذهبون لمشاهدة الطلاب وتدريباتهم، لكننى وجدت الدراسة نظرية، فافتقدت الميكرفون، فله معى علاقة طويلة منذ الإذاعة المدرسية، ومنذ أن كنت أردد النشيد المدرسى والطلاب يرددون من ورائي؛ وكنت أهتف الله أكبر أثناء تحية العلم، ويهتفون ورائى أيضا، بت أبحث عن الميكرفون فلم أجده، فقررت العمل بالإذاعة بالتزامن مع دراستى بالمعهد، وبعد أسابيع قليلة من عملى بالإذاعة قيل لى ما عقد لسانى «الأستاذ صلاح أبوسيف عاوز يشوفك.. اذهبى إليه فى مكتبه بالهيئة»، ذهبت إليه فى الموعد المقرر وعلمت أنه سأل عن صاحبة الصوت فعلم إننى طالبة بمعهد الفنون المسرحية؛ فجاء بى من المعهد).

عندما ذهبت سهير المرشدى لمقابلة صلاح أبوسيف، وجدته لطيفا، لبقا، هادئا متأملا وقليل الكلام (وكانت عيناه فاحصة تجبرك على الانتباه، تخيل كنت عيلة تجلس أمام عملاق، وكان فى مكتبه يومها المخرج توفيق صالح، انتظرت إلى أن بدأ هو بالحديث فقال لى متسائلا: نفسك تبقى أيه؟، فأجبت: «ممثلة»، فقال: «يعنى أيه ممثلة»؟، قلت: «أريد أن أمثل وأسيب علامة لا أريد أن أمر على الفن مرور الكرام، سألنى: «يعنى عايزة تبقى زى مين؟»، ووقتها لم أعرف الإجابة، كنت ألاحظ أنه يسألنى ويرى التعبيرات على وجهى، فكانت تعبيرات وجهى تسبق قدرتى على الكلام فى حضرته، قال لى: «عندك وجه خاص، وعينان معبرتان؛ أحيانا ملامحك توحى بأنك أرستقراط، وأحيانا فلاحة، وأحيانا مجنونة أو بلهاء، وكان الجالسون معنا يؤكدون كلامه»، قلت له «يعنى ده كويس، فقال ده كويس قوى، عرفت أنه قال مجنونة أو بلهاء لأنه رشحنى لدور بطولة فيلم أجسد فيه شخصية فتاة ذات أنف حادة وطويلة، وأحبت أستاذها الذى أجرى لها جراحة تجميل فأصبحت جميلة»).

 

عندما عرض الأستاذ المخرج الكبير الراحل صلاح أبوسيف دور البطولة على الفنانة القديرة سهير المرشدى شعرت بسعادة كبيرة (لكن كنت متخوفة، قلت له فى البداية يجب أن أحصل على أذن من عميد معهد الفنون المسرحية الأستاذ سعيد خطاب، فقال لى مالكيش دعوة بسعيد أنا سأتفاهم معه، واحتفل بى زملائى بالمعهد لأننى نلت إعجاب وثقة مخرج كبير فى حجم صلاح أبوسيف، وكان عليَ أن أذهب إلى أستوديو مصر لعمل مقاس للماسك الذى سأرتديه، وكان ذلك فى حضور الأستاذ صلاح أبوسيف، ودخلت إلى غرفة الماكياج فوجئت أنه يجب وضع طبقة من الجبس على وجهى للحصول على المقاس، وقبل وضع طبقة الجبس لا بد من وجود عازل بين البشرة وبين الجبس، لكن القائم بالأمر لم يضع العازل كما ينبغى قبل وضع طبقة الجبس التى لصقت بوجهى، وأثناء نزعها بقوة خرج معها شعر الحواجب والرموش، أصبحت بلا حواجب أو رموش!!، علاوة على تقرحات وإحمرار بالوجه، صرخت بقوة والأستاذ صلاح ينهر القائم بالعمل «الله يخرب بيتك ضيعت مستقبل البنت، أنت شيفانى يا سهير، وقضيت شهرًا كاملًا أعالج وجهى الذى كاد أن يتشوه تماما واعتذرت عن الفيلم قلت له «أنا خايفة»، وتقبل رفضى لكنه كان متعاطفا معى ويشعر بالخجل والأسف والمسئولية لما حدث لى، أسرتى غضبت ولامونى بشدة قلت لهم خلاص أنا علاقتى به اتقطعت، واستعانوا بالفنانة شويكار للعب دور البطولة).

الفيلم الذى تحدثت عنه الفنانة القديرة سهير المرشدى إنتاج مؤسسة السينما التى كان يرأسها حينها الأستاذ صلاح أبوسيف، لكن الفيلم من إخراج أحمد فاروق بعنوان «الرجال لا يتزوجون الجميلات»، وكان من المفترض أن يلعب بطولته الفنان الكبير فؤاد المهندس لكنه اعتذر قبل التصوير أيضا.

ضاعت البطولة باعتذار الفنانة سهير المرشدى لكن لم تنقطع العلاقة بالمخرج العملاق صلاح أبو سيف (جاء بعدها للمعهد وجلس مع العميد سعيد خطاب وشاهدنا أثناء الدراسة وشاهدنى أمثل لأول مرة، كان كمخرج يبحث عن أدواته، ويتمير جدا بدقته، والفن بالنسبة له هو بمثابة البحث العلمى، قال لى إنه سيخرج فيلم «القاهرة ٣٠»، وسيسند لى مشهد غادة الكاميليا، قلت له إننى أديته بالفعل فى المعهد، شرح لى أهمية المشهد والرمز وكيف ستشاهد إحسان شحاتة أو سعاد حسنى المشهد، وفى يوم التصوير كنت فى غرفة الماكياج فى حضور الفنانة سعاد حسنى، كان الأستاذ يداعب الكوافير قائلا: «أوعى تحرق شعرها»، كان مهتما بى لدرجة أن سعاد سألته: «أنت ليه مهتم بسهير قوى كده؟»، فحكى لها ما حدث لى فى الواقعة سالفة الذكر، وبعد علمها وجدت تعاطفًا غير عادى منها تجاهى، حسيت إن ليا مكانة وجعلونى أحب الفن والفنانين، شعرت أنهم احتضنونى، فالفن عامة مساحة من الحب فى هذا العالم الكبير، ووقتها أدركت أننى لن أكون مجرد عابرة على جسر الفن»).

 

اتصل المخرج الكبير الأستاذ صلاح أبوسيف بوالد الفنانة سهير المرشدى وأكد له أن ابنته سيصبح لها مستقبل وشأن كبير فى الفن وأنه سيتبناها فنيا (بعد مشهدى فى فيلم القاهرة ٣٠ داعبنى المخرج الكبير بأننى قبلت مشهدًا ورفضت بطولة، فقلت له إننى أريد أن أصعد السلم درجة درجة، وأدخل قلوب الناس بالتدريج، فقال لى «أنت بتجيبى الكلام الكبير ده منين؟» قلت له إنها فلسفة جدتى لأمى كانت توصينا عند الصعود أن نصعد الدرج ببطء وثبات، وكان بجوار بيتها جامع كنت أرى الإمام يصعد للمنبر ببطء وثبات، وهكذا قررت أن أصعد سلم الفن ببطء وثبات أيضا، وفى العام الثانى أرسل لى فذهبت إليه أخبرنى أنه سيخرج فيلم «الزوجة الثانية»، وهناك عدد من الأدوار قائلا «تختارى وللا اختارلك» هو كان قد اختار الدور سلفا لكنه كان يريد أن يرى اختيارى، قال أنت تحبين سعاد، وسعاد البطلة، وتحبين سناء وسناء بطلة أيضا، لكن الأهم «هتعرفى تغيظى سناء جميل؟»، وأعطانى السيناريو وقال لى «هقولك زمن كل مشهد عايزة فى قد أيه»، وأثناء التصوير كان يقول « قولى دى فى خمس ثوانى فقط ويمسك الأستوب ووتش، وآخر يقول «ده عايزه فى دقيقة»، وأثناء مشهد «خض اللبن» كان ينبهنى ويشرح طريقة الجلوس ويقول قولى سمعينى هتقوليها إزاى.. لم يعطنى أداء، بل كان يقول فرجينى، ثم يصفر بصفارة معه لبدء التصوير، كان من العباقرة وكان عندى حظ إنى أشوفه وأشتغل معاه»).

 

قالت لى المخرجة القديرة رباب حسين، إنه أثناء مشاركة الفنان والمخرج الكبير أحمد توفيق فى فيلم «القاهرة ٣٠»، كانت وقتها بالصف الثانى بمعهد الفنون المسرحية، لم تكن قد تزوجت من المخرج الكبير، لكنها علمت فيما بعد أن الأستاذ صلاح أبوسيف شاهد أداء أحمد توفيق فى امتحانات المعهد، واستعان به قبل القاهرة ٣٠.

(أحمد حصل على جائزة عن دوره فى القاهرة ٣٠ من جامعة الدول العربية، وكانت المرة الأولى التى تقدم فيها الجامعة العربية جوائز لفنانين، لكن قبل مشاركته فى القاهرة ٣٠، شارك مع المخرج الكبير صلاح أبوسيف فى فيلم «لا وقت للحب» كان دورا كبيرا ومهما، لكن كانت صورة الملك فاروق فى أغلب المشاهد، فحذفتها الرقابة، ولم يعد هناك دورأما عن الجائزة التى حصل عليها فى القاهرة ٣٠ فهى مستحقة تماما، نظرا لأن الدور لم يكن به مساحة تمثيل كبيرة بعكس دورى حمدى أحمد وعبدالعزيز مكيوى، لكن أحمد توفيق نجح من خلاله فى خلق أبعاد للشخصية وللعلم أحمد لون شعره الأصلى أصفر لكنه صبغه أثناء الفيلم ليصبح لونه أسود، وبعد مشاهدته للفيلم رأى أنه كان ممتلئ الوزن فقرر عمل ريجيم قاس جدا للوصول للوزن المثالى، وعندما أرسل له صلاح أبوسيف سيناريو فيلم فجر الإسلام لم يتردد لثقته الكبيرة فى اسم صلاح أبوسيف).

أما عن العلاقة المباشرة التى جمعتها بالمخرج صلاح أبوسيف، فبدأت عندما نقلت المخرجة الكبيرة رباب حسين عرضا مسرحيا للتليفزيون (العرض كان اسمه «الدخان» وكان بطولة الفنان صلاح السعدنى وأخرجه مسرحيا المخرج مراد منير، وبعد أن نقلت العرض تليفزيونيا كتب صلاح أبوسيف تقريرا عن مستوى الإخراج قال فيه «رباب حسين نجحت فى عمل نقلة فى الإخراج المسرحى بإخراجها التليفزيونى فقد نجحت فى أن تجعلنا نعيش المسرحية من شاشة التليفزيون وكأننا نشاهدها من المسرح).