عبدالحفيظ سعد يكتب: محنة السودان

مقالات الرأي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يواجه السودان أزمة عاصفة تهدد استقراره، وسط استمرار موجة الاحتجاجات على السلطة القائمة التى يقودها مجلس السيادة بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان. ويزيد من الأزمة الفراغ السياسى الذى خلفه استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وعدم التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة تقود البلاد خلال تلك الفترة الحرجة من عمر السودان.

ونجد أن الأوضاع الحالية فى السودان تنذر بكارثة ما لم تتوافق الأطراف والفرقاء السودانيين على مسار للخروج من الأزمة الحالية، والتى تفجرت عقب إطاحة مجلس السيادة ومن ورائه الجيش السودانى بحكومة عبدالله حمدوك فى ٢٥ أكتوبر الماضى، وهو ما أدى إلى تفجر الاحتجاجات على الإجراءات التى اتخذها مجلس السيادة من حينها واستمرت حتى الآن.

ورغم التوافق الذى حدث بين رئيس مجلس السيادة البرهان ورئيس الوزراء حمدوك فى نوفمبر الماضى، لكن استمرت الاحتجاجات فى السودان من بعض القوى المدنية التى ترفض الشراكة، باستمرار الجيش السودانى فى الحكم. ونتيجة لذلك أقدم عبدالله حمدوك على تقديم استقالته مطلع العام الجارى.

واعتقد البعض أن استقالة حمدوك ممكن أن تعمل على تهدئة الأوضاع فى السودان، مع تعهد مجلس السيادة بتشكيل حكومة تكنوقراط تراعى توزيع الأقاليم السودانية.

ولكن لم تهدأ الأوضاع فى السودان واستمرت الاحتجاجات الدامية التى سقط فيها أكثر من ٧٥ قتيلا ومئات الإصابات منذ أكتوبر وحتى الآن، طبقا للجنة الأطباء السودانيين.

ومن هنا نجد أن الأزمة فى السودان تنذر بالاستمرار، بل يمكن أن تتطور الأمور على ما لا يحمد عقابه فى الفترة المقبلة، خاصة إذا فشلت الجهود الأممية والإفريقية والعربية للعمل على حلحلة الأزمة بين المكون المدنى والعسكرى والعمل إلى إيجاد حل وسط يرضى أو يطمئن الأطراف المختلفة بالوصول لصيغة تضمن انتقالا سلسا للحكم، ومحاولة الوصول إلى تشكيل مؤسسات سودانية منتخبة، تمتلك الشرعية الدستورية لحكم البلاد.

ولذلك يخشى من فشل الجهود الحالية لمحاولة توفيق المكونات السودانية من تفجر الأوضاع أكثر خاصة فى ذلك ارتفاع ضحايا المواجهات والتى حصدت يوم الاثنين الماضى فقط، سبعة قتلى بعضهم من قوات الأمن، وهو ما يدق ناقوس خطر تصعيد حركة الحرية والتغيير ودعواتها لعصيان مدنى.

ويتزامن تصعيد الاحتجاجات والمواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين من المعارضة مع عودة حالة التمرد فى منطقة دارفور بغرب السودان، وكذلك مناطق شرق السودان التى تهدد بشكل مستمر بقطع طرق الإمداد من سواحل البحر الأحمر فى اتجاه العاصمة السودان، وهو ما يعقد الوضع أكثر بالنسبة للجيش السودانى سواء فى التعامل مع حركة الاحتجاجات أو الحركات المتمردة.

ويضاف إلى تعقد الموقف أكثر، أن بقايا نظام عمر البشير الإخوانى تتحرك فى الخفاء، بخاصة أنها متغلغلة فى جميع المؤسسات السودانية بما فيها الجيش السودانى والقوى الأمنية، لأنها انفردت بحكم السودان لمدة وصلت إلى ٣٠ عاما.

ودون شك أن فلول نظام البشير من الإخوان، تعمل بشكل أو بآخر من أجل عرقلة أو نسف المرحلة الانتقالية، لاستمرار الأوضاع المتفجرة، على أمل أن يتيح لها ذلك فرصة للعودة للمشهد مرة أخرى، خاصة فى ظل عدم وجود توافق بين القوى المدنية الأخرى مع قيادة الجيش السودانى.

ويزيد من ضغط الأزمة تدهور الأحوال الاقتصادية بشكل كبير وارتفاع التضخم والأسعار فى السودان بشكل ضخم، مع شبه انهيار قيمة العملة السودانية، ووصولها لمستويات غير مسبوقة.

ومن هنا نجد أن جميع المؤشرات تشعل الإشارات، لتنبه لخطورة الوضع فى السودان بصورة غير مسبوقة، ربما تدفع الوضع للانزلاق إلى أبعد من ذلك، تصل فيه الأمور إلى نقطة لا يمكن الرجوع عنها مستقبلا فى ظل تعقد المشهد السياسى والاقتصادى، والأمنى ووجود قوى وميلشيات مسلحة على الأرض، ومن هنا على الأطراف السودانية على ضبط النفس والاستجابة للمبادرات التى تعمل على لم شمل السودانيين، ومحاولة القبول بالصيغ الوسطى التى تحافظ على وحدة البلاد، وتقى السودان من مخاطر لا يقبله شعبه الطيب المحب للحياة.