محمد مسعود يكتب: عندما صنع وحيد حامد وعادل إمام وشريف عرفة "ثلاثية للتاريخ"

مقالات الرأي

محمد مسعود
محمد مسعود

كتب مشهد محاولة استمالة على الزناتى لفتحى نوفل فى ٥ صفحات.. ورياض الخولى يبدأ التصوير بالمشهد الأصعب

عامل تحويلة حقيقى يتسبب فى كتابة وحيد حامد وإنتاجه لفيلم «المنسي» وزلزال ١٩٩٢ يضرب مصر أثناء بناء الديكور

قدم ليسرا سيناريو فيلم «الجارحى» على الطائرة أثناء العودة من مهرجان «فالنسيا» وأحد العمال يقترح تغيير الاسم إلى «الإرهاب والكباب»

كمال الشناوى يرفض شخصية وزير الداخلية لصغر المساحة وشريف عرفة قال له: «جرب مش هتخسر حاجة»

وحيد حامد رشح شريف عرفة لـ«اللعب مع الكبار» بعد مشاهدة فيلم «سمع هس»

مشهد «أنا أعلم عنك الكثير» تم تصويره فى حديقة الأورمان فى يومين مختلفين

فاروق الفيشاوى ومصطفى فهمى يعتذران عن «طيور الظلام»


وراء كل عمل عظيم، تفاصيل مهمة، تبدأ عندما يضع المؤلف الخطوط الأولى للسيناريو، وتنتهى عند عرض الفيلم، ولأعمال الكاتب الكبير الراحل وحيد حامد تفاصيل، لا بد من توثيقها، خاصة تلك التجارب التى جمعته بالمخرج الكبير شريف عرفة، كونها كانت سنوات من ذهب. تجربة وحيد حامد وشريف عرفة أسفرت عن ستة أفلام، قدم الزعيم عادل إمام خمسة أفلام منها «اللعب مع الكبار، الإرهاب والكباب، المنسى، طيور الظلام، والنوم فى العسل»، بينما قدم الفنان الكبير الراحل أحمد زكى بطولة فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة»، ومع الفيلم الأخير انتهى التعاون، لكن لم تنته العلاقة، فوحيد حامد وصف شريف عرفة بأنه أكثر من صديق وبمثابة الأخ الأصغر له.

 

لكن كيف بدأت العلاقة من الأساس؟.. هذا السؤال أجاب عنه وحيد حامد شخصيا، أنه تعرف على شريف كمخرج من قبل أن يراه، وبالتحديد عندما كان يشاهد فيلمه «سمع هس»، تأكد أنه أمام مخرج موهوب، وتشاء الظروف بعد ذلك أن يزوره شريف عرفة، ومعه إحدى القصص التى كتبها الأديب الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس، يريد أن يكتب لها وحيد السيناريو والحوار فى فيلم سينمائى، لكن لأسباب تخص وحيد حامد فقد رفض الفكرة، لكنه أكد لشريف عرفة أنهما سيتعاونان، وكان وقتها قد بدأ فى كتابة فيلم «اللعب مع الكبار»، وما أن انتهى من كتابة السيناريو استعان بالفعل بشريف عرفة لإخراجه، وبين أول فيلم «اللعب مع الكبار» ١٩٩١، وآخر تجاربهما «اضحك الصورة تطلع حلوة» ١٩٩٨، جملة واحدة صاغها وحيد حامد فى كل من الفيلمين، قالها محمود الجندى «على الزهار» فى الفيلم الأول، وقالتها الفنانة الكبيرة الراحلة سناء جميل «روحية والدة سيد»، والجملة هى «إحنا صغيرين قوى».

اشترك فيلم «اللعب مع الكبار» فى مهرجان «فالنسيا» السينمائى، وكانت الفنانة يسرا إحدى عضوات لجنة التحكيم، وبعد ختام المهرجان عاد وحيد حامد ويسرا وشريف عرفة على الطائرة نفسها وأثناء الرحلة فوجئت يسرا بوحيد حامد يقدم لها سيناريو فيلمه الجديد بعنوان «الجارحى».

 

كتب وحيد حامد قصة وسيناريو وحوار فيلم «الإرهاب والكباب» باسم مبدئى هو «الجارحى»، الاسم وقتها لم يهضمه المخرج شريف عرفة، لكنه كان يعلم من البداية أن هناك إمكانية لتغييره، وعندما قرأت يسرا السيناريو وجدت أن شخصية «هند» فتاة المجمع المحبوسة على ذمة قضية آداب بالدور الـ١٣، ليس لها دور تقريبا، فتركت السيناريو لحين محادثتها من قبل وحيد حامد أو شريف عرفة، وبعد مرور أسابيع زارت الفنانة يسرا الكاتب الكبير وحيد حامد، وكان بصحبة المخرج الكبير شريف عرفة الذى قال لها «أنت مرديتيش على وحيد ليه فى السيناريو اللى قدمهولك»، فقالت له إنها نسيت أمر الفيلم خاصة أنها لم تتلق منهما اتصالا بشأنه فيما بعد، فقال شريف عرفة «أنا عايز أشتغل معاكى، أنت عايزة تشتغلى معايا وللا لأ»، فقالت إنها تريد العمل معه، وتم توثيق اللقاء عن طريق توقيع الثلاثة على ورقة من فئة العشرة جنيهات.

قبل تصوير الفيلم استقر وحيد حامد وشريف عرفة على أن يلعب الفنان الكبير كمال الشناوى شخصية وزير الداخلية، وتم إرسال السيناريو بالفعل للفنان الكبير الذى اتصل بالمخرج بمجرد الانتهاء من القراءة، مؤكدا أن دور حسين فهمى «ضابط أمن الدولة» فى فيلم «اللعب مع الكبار»، أكبر من حيث المساحة من دور وزير الداخلية فى «الإرهاب والكباب» وكان متخوفا من خوض التجربة، لكن المخرج شريف عرفه أقنعه بالموافقة والانسحاب أو الاستمرار بعد أن يصور عددا من المشاهد، وبالفعل استقر كمال الشناوى على لعب الدور بعد حضوره يوم التصوير الأول.

بدأ تصوير الفيلم فى مجمع التحرير، وهو ما أرهق المخرج شريف عرفة بشدة، كونه ومساعدوه لم يستطع أى منهما السيطرة على أصوات المجندين داخل المبنى، ما تسبب فى إعادات كثيرة، علاوة على أن الفيلم كان يتم تصويره فى شهر رمضان المبارك، وكان التصوير يبدأ من بعد الإفطار مباشرة وحتى أذان الفجر، وفى أكثر من مرة كان السحور عبارة عن وجبة كباب وكفتة!

وبعد تصوير المشهد الذى يهتف فيه الرهائن خلف «أحمد» عادل إمام «الكباب الكباب يا نخلى عيشتكوا هباب»، اقترح أحد العاملين على المخرج شريف عرفة أن يتحول اسم الفيلم من «الجارحى» إلى «الإرهاب والكباب»، لكن شريف عرفة لم يوافق على الفور، لكن بعد أيام من التفكير عرض الاسم على وحيد حامد وعادل إمام فوافق الزعيم ورفض الكاتب الكبير، لكنهما أقنعاه فوافق على مضض.

وكان الإرهاق الشديد الذى تعرض له المخرج الكبير شريف عرفة سببًا فى دخوله المستشفى وإجراء جراحة لاستئصال المرارة.

 

بعد النجاح الكبير لفيلمى «اللعب مع الكبار»، و«الإرهاب والكباب»، استمر التعاون بين وحيد حامد وشريف عرفة فى تجربتهما الثالثة «المنسى»، تلك القصة التى شغلت الكاتب الكبير وحيد حامد لأسابيع طويلة قبل البدء فى كتابتها، وكان وحيد حامد يستقل قطار الصعيد للمرة الأولى عائدا من سوهاج، بعد دعوته لإحدى الندوات بالجامعة، وتصادف وقوف القطار لمدة ١٥ دقيقة فى منطقة نائية، وعندما نظر وحيد حامد من شباك القطار وجد الكشك الخاص بـ«المحولجى».

كان رجلا يجلس وحيدا فى ذلك الكشك، وهنا قفزت الأسئلة إلى ذهن الكاتب الكبير، كيف يصل هذا الرجل يوميا إلى محل عمله؟.. وماذا يفعل طوال النهار وفى وردية الليل؟.. من يزوره؟.. وهنا كان لا بد من زيارات أخرى إلى المكان نفسه، فكان يستأجر سيارة من الجيزة إلى حيث يوجد الكشك فى المنطقة النائية، ليراقب ويفكر إلى أن اتخذ قرارا بكتابة سيناريو الفيلم، وإنتاجه.

الفنان كرم مطاوع رفض لعب دور «أسعد ياقوت»، ومشاركة الفنان عادل إمام فى بطولة الفيلم، لأنه لا يحب أدوار الشر، لكن بعد عدة جلسات جمعته بمؤلف الفيلم ومنتجه وافق ووقع العقد بالفعل بفندق الميريديان القديم، حيث كان يجلس الكاتب الكبير الراحل بشكل دائم، أما الفنان أحمد راتب فقد اعتذر هو الآخر عن دور «فرغلى» عامل التحويلة، كان يرى أن الدور صغير وليس هناك مساحة تمثيل، لكن المخرج شريف عرفة أقنعه، وتم إضافة مشهد النهاية «هما طلعوا لك يا منسي»، وتم تصويره بعد أسبوع من الإعلان عن نهاية تصوير الفيلم.

المفارقة أن أثناء بناء ديكورات الفيلم ببلاتوه ٢ باستوديو مصر حدث زلزال أكتوبر ١٩٩٢، بعدها بدأت عملية التصوير بمنطقة «المرازيقى» بطريق حلوان.

يعد فيلم «طيور الظلام من أهم أعمال الكاتب الكبير وحيد حامد على الإطلاق، الفيلم تم تصويره فى استوديو الأهرام «ديكور فتحى نوفل المحامى»، واستوديو مصر، ومنطقة ناهيا، ونزلة السمان.

بدأ المخرج ترشيحات النجوم بعد موافقة عادل إمام ويسرا، وكان الدور الأصعب فى الترشيح لشخصية «على الزناتي» المحامى الإخوانى، وتم ترشيح الفنان فاروق الفيشاوى الذى اعتذر عن الدور، وكذلك الفنان مصطفى فهمى، كلاهما رفض خوفا من بطش الجماعة الإرهابية، ففى ذلك الوقت كان بطل الفيلم ومؤلفه تصطحبهما الحراسة فى كل مكان.

بعد اعتذار النجمين، فوجئ الفنان الكبير رياض الخولى باتصال من المؤلف الكبير وحيد حامد، طلب منه أن يذهب إليه فى التاسعة من صباح اليوم التالى فى المريديان القديم، وذهب رياض الخولى فى الموعد المحدد، تناول فنجانا من القهوة مع المؤلف ثم حصل على نسخة من السيناريو، طلب منه وحيد أن ينتقل على الطاولة المجاورة ويقرأه، وما إن انتهى منه وإعلان موافقته، طلب منه الكاتب الكبير التوجه إلى استوديو الأهرام حيث يوجد المنتج الفنى الكبير الراحل محمد زين بصحبة المخرج شريف عرفة وكانا وقتها يضعان اللمسات الأخيرة لتجهيز الاستوديو بديكور شقة المحامى فتحى نوفل بالأرياف، قبل ٤٨ ساعة فقط من انطلاق التصوير.

عرض محمد زين أجرا زهيدا على رياض الخولى الذى قال له «شكرا مش هشتغل»، فرد عليه «ده دور البطولة قدام عادل إمام»، فأصر رياض الخولى على موقفه وانصرف، واتصل بعدها بالكاتب وحيد حامد الذى قال له «اشتغل ومالكش دعوة بمحمد زين».

بدأ المخرج شريف عرفة تصوير أحداث الفيلم بمشهد يجمع الزعيم عادل إمام مع الفنان رياض الخولى وهو مشهد يجمعهما بشقة الأول بعد حصول الأخير على البراءة لـ»سميرة» يسرا فى قضية الآداب، كان المشهد مكونا من خمس صفحات حوار، عرض فيها «على الزناتي» على «فتحى نوفل» الانضمام إلى الجماعة الإرهابية، وخرج المشهد الصعب فى أفضل صورة رغم أنه طويل واستلزم تقطيعات وزوايا كثيرة.

بخلاف براعة شريف عرفة فى إخراج المشهد، كان لعادل إمام دور كبير فى مساندة رياض الخولى، حرص على كسر حاجز الرهبة لديه، من خلال سهرة جمعتهما قبل تصوير المشهد بيوم واحد، لكن ذلك لم يزل الخوف من نفس رياض الخولى.

 

لا يعلم الكثيرون أن مشهد مواجهة «فتحى نوفل وعلى الزناتي»، تم تصويره فى يومين مختلفين بفارق زمنى سبعة أيام كاملة، بدأ تصوير المشهد بحديقة الأورمان، وكان التصوير فى أحد أيام الثلاثاء، لكنه لم ينته فى اليوم نفسه، فقرر شريف عرفة استكماله فى يوم آخر، ونظرا لارتباط عادل إمام بالمسرح فقد تم استكماله فى يوم الثلاثاء التالى، ليخرج مشهد من أفضل المشاهد التى كتبها البارع وحيد حامد على الإطلاق.