بيع الكتب المزورة والمسيئة للدولة «على عينك يا تاجر»

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

خراب بيوت «الناشرين» فى معارض الكتب المخفضة

ماكينات التزوير تبدأ العمل بتحويل الكتاب إلى نسخ «PDF» بحيث لا يعلم صاحب العمل من أين بدأت الجريمة

 

يعد معرض القاهرة الدولى للكتاب الوجهة المثالية بالنسبة لمحبى القراءة، ينتظر الجماهير هذا الحدث الثقافى الكبير لجمع مقتنيات جديدة من الكتب والروايات فى شتى المجالات، ولكن مع ارتفاع الأسعار بسبب الأزمات المادية التى مرت بها دور النشر على مدار السنوات السابقة بسبب وباء كورونا، لجأ الكثير منهم للبحث عن البديل الأرخص والذى أصبح متمثلًا فى الوقت الحالى فى سور الأزبكية وفى المعارض المخفضة.

ومؤخرًا أصبحت المعارض المخفضة هى المقصد الأفضل بالنسبة للقراء، فبدأت فى منافسة معرض الكتاب من حيث الأسعار والأسبقية فى تقديم المؤلفات الجديدة بأسعار زهيدة، فضلًا عن امتدادها لتشمل مختلف محافظات الجمهورية بما يسهل التنقل على الزوار، ورغم أن هذه المعارض تطلق فعالياتها بشكل قانونى لتعمل تحت إشراف من وزارة الثقافة، إلا أنها تحتوى على عدة مخالفات رصدتها «الفجر».

البداية كانت من خلال شكوى تقدم بها الكاتب سامر الجندى عبر إحدى المجموعات المخصصة لدور النشر على «الفيسبوك» بسبب اكتشافه أن كتابه الجديد «بحر قزوين» يباع داخل معرض للكتب المخفضة أقيم فى منطقة جليم بالإسكندرية خلال أكتوبر الماضى، بالرغم من أنه لا يزال قيد الطباعة ليتم ترويجه داخل معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الجديدة خلال يناير.

وأوضح الكاتب أنه فوجئ بأن كتابه الذى كان من المقرر بيعه بـ ٤٥ جنيها داخل دار النشر المسئولة عن إصداره يباع داخل هذا المعرض بـ ٢٠ جنيهًا فقط، وحينما قام بمواجهة المسئول عن المعرض اتضح أنه مالك مكتبة «ترنيمة» التى يتواجد فرعها الرئيسى فى الشاطبى، والذى أنكر ما يقوله «سامر» وطلب منه تقديم شكوى فى وزارة الثقافة.

على إثر ذلك توجه الكاتب إلى الوزارة والتى قامت بتوجيهه إلى اتحاد الكتاب، وطالب بفرض العقوبة اللازمة على هذه المكتبة والتحقيق فى كيفية حصولهم على محتوى الكتاب وطباعته دون الحصول على حقوق للنشر أو التوزيع سواء من خلاله أو من خلال دار النشر المسئولة بشكل رسمى عن المطبوعة، إلا أن المسئولين فى الاتحاد طالبوه بتوجيه الشكوى إلى اتحاد الناشرين باعتباره المسئول الأول عن ذلك.

مر على الكاتب أكثر من شهرين فى محاولات مستمرة للحصول على حقه إلا أنه لم يجد حلًا سوى تحرير محضر بقسم شرطة محرم بك يحمل رقم ٢٣٥٤ إدارى وبعد التحقيقات تبين أن صاحب المكتبة يشترى نسخ «بى دى إف» من الكتب الجديدة بالتعاون مع المدقق اللغوى مقابل الحصول على نسبة من أرباح بيع كل كتاب فى كل معرض يتم إنشاؤه ولا يزال التحقيق مستمرًا فى البلاغ المُقدم.

ولكن «الجندى» لم يكن الضحية الوحيدة لهذه المعارض، وبعد بحث ورصد لأغلب الكتب التى يتم الترويج لبيعها داخل المعارض المخفضة، عثرنا على ما لا يقل عن ١٠ إصدارات جديدة يتم تسريبها داخل كل معرض، من بينها كتاب «كن ذا أثر» للكاتبة نسمة يحيى، والذى من المقرر أن يتم الترويج له داخل معرض هذا العام، ولكن وجدناه ضمن الكتب المعلن عنها فى معرض المعادى للكتب المخفضة والذى أقيم فى منطقة زهراء المعادى مطلع العام الجارى حيث يباع ضمن كتب فئة الـ ١٠ جنيهات فقط، بينما سعره الأصلى داخل المعرض هو ٣٥ جنيها.

كما عثرنا على رواية «لا يزال القلب ينبض» للكاتبة شيماء يسرى، يباع بقيمة ١٥ جنيهًا داخل معرض الدقى للكتاب المخفض والذى أقيم داخل «مكانى» وهو إحدى مساحات العمل المؤجرة فى المنطقةحيث تقيمها شركة «لازورينا» لتنظيم المعارض والفعاليات الشبابية سنويًا فى نفس الفترة، بالإضافة إلى رواية «رجيمة فى الفندق» للكاتبة رانيا بيومى والتى تباع بـ ٢٥ جنيهًا، بينما يبلغ سعرها فى الدورة الحالية من المعرض ٦٠ جنيهًا.

أما معرض المنصورة للكتب المخفضة، انتشر قسم تحت عنوان «النوادر» وحينما سألنا مسئول التنظيم أخبرنا أن هذا القسم يحتوى على كتب نادرة يصعب العثور عليها فى المكتبات أو المعارض المخصصة للكتب إلا بالطلب.

سألنا عن نوعية هذه الكتب لنختار من بينها، طلب منا زيارة المعرض أو طلب خدمة التوصيل مدفوع الأجر فى حال كنا من محافظة أخرى، وأرسل لنا مجموعة من الكتب عثرنا من بينها على كتاب «هل مصر فقيرة؟» للكاتب عبد الخالق فاروق والذى منع عرضه عام ٢٠١٨م بسبب إساءته للدولة ورئيسها فى محتواه، بالإضافة إلى سلسلة كتب «شمس المعارف» المحظور تداولها لما تشكله من خطورة على قارئها بسبب الطلاسم الحقيقية الموجودة ضمن محتواها.

لم نكتف بما رصدناه من إعلانات ترويجية، وتوجهنا إلى معرض مدينة نصر للكتب المخفضة والذى يعد ضمن أشهر المعارض التى تقام على فترتين قبل معرض الكتاب بأيام قليلة، الأولى من نهاية ديسمبر وحتى مطلع يناير، والثانية من منتصف يناير وحتى ٢٠ يناير على مدار ٤ أيام تقريبًا.

عثرنا فيه على ٥ كتب جديدة ضمن قسم الـ ٢٥ جنيهًا من بينها كتاب «استراحة بين الكتب» للكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد وذلك بالرغم من إعلان إطلاق النسخ الأولى منه فى معرض الكتاب القادم، ورواية «فوق الخيال» للكاتبة ليلى شاهد، وكتاب «أصل الإنسان» للكاتب محمد الشيمى، فضلًا عن الجزء الثانى من كتاب «صنايعية مصر» للكاتب عمر طاهر وهو أحدث إصداراته عن دار الكرمة للنشر والتوزيع.

ولكن بالرغم من أن هذه الكتب حديثة الإصدار، إلا أننا لاحظنا أن الورق المطبوع عليه المحتوى قديم بينما يفتقر إلى الدقة اللغوية فى الكثير من سطوره، وهو ما لا يعد منطقيًا لا سيما بالنسبة للأسماء الكبيرة من بين الكُتاب، فأبدينا تعجبنا للبائع الذى كان يرافقنا لاقتراح الكتب علينا، ليجيب بأنه ليس من المنطقى أن يحصل من يشترى الكتاب بهذا الثمن على نفس الجودة التى يباع الكتاب فيها بـ ٥٠ و١٠٠ جنيه، ليكون هذا اعترافًا منه بأن هذه الكتب مقلدة وتم تزويرها.

تعقيبًا على ذلك، قال أشرف عبد الستار، عضو اتحاد الناشرين، إن الكتب المُباعة فى المعارض المخفضة تكون مسربة بنسبة ٩٠٪ من بائعى دور النشر مقابل حصولهم على مبالغ مالية أو نسبة من المبيعات قد تصل فى كثير من الأحيان إلى ١٠٪ من هامش الربح.

وأوضح «عبدالستار» أن هذه المعارض تخضع لرقابة وزارة الثقافة، ولكن إطلاقها بشكل كبير فى مناطق متفرقة بصورة عشوائية تسبب فى غياب الدور الإشرافى عليها، وبالتالى استطاعت أن تحصل على مساحة حرية أكبر من المعارض الكبيرة مثل معرض القاهرة الدولى للكتاب، بما يسمح لها بعرض كافة المحتويات دون وضع المخالفات فى عين الاعتبار.

وأشار إلى أنه أصبحت هناك مكاتب متخصصة فقط فى إقامة هذه المعارض المخفضة شهريًا، لسهولتها وانجذاب الشباب من محبى القراءة لها بشكل كبير، وبالتالى تتمكن من تحقيق أرباح قد تزيد بنسبة ٥٠٪ عن أرباح دور النشر فى معرض الكتاب الدولى، مضيفًا أن المعرض المخفض يحقق ربحا قد يصل إلى ٢٠ ألف جنيه فى الفعالية الواحدة التى يقيمها بعد تغطية تكاليف إيجار المكان وتجهيزه.

فيما لفت إلى أن وزارة الثقافة لا تستطيع السيطرة على معرض الكتاب الرسمى بنسبة ١٠٠٪ وبالتالى من الطبيعى أن يصعب عليها السيطرة على هذه المعارض الصغيرة طوال الوقت، مطالبًا بضرورة تحديد لجنة من قبل اتحادات الكتاب والناشرين لتصبح متخصصة فى الإشراف على هذه المعارض والفعاليات الثقافية بما يضمن حقوق الناشرين والكتاب، ويحقق توازنًا يمنع عزوف الجمهور عن المعرض الكبير.