السفير أحمد أبوالمجد يكتب: "الفيلم الأخضر 3"

مقالات الرأي


حدث زخم في مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام انتقل سريعًا إلى ساحة البرلمان، بعد بث فيلم " أصحاب ولا أعز" من إنتاج شركة بث رقمي شهيرة، وشغلني كثيرًا غضب غالبية المشاهدين وسيطرة اسم الفيلم على "التريند"، الأمر الذي دفعني لمشاهدة الفيلم وصدمني محتوى العمل الفني، وفكرت فيما سيؤول إليه المجتمع بعد سنوات إذا تقبلنا تفاصيل معينة بالفيلم، ومدئ قابلية تحول هذة المشاهد والتفاصيل الحياتية إلى عادات قد توثر سلبًا على القيم الأخلاقية والمجتمعية.

الأفلام السينمائية جميعها تَنبِض بالحياة من الناحية النفسية، وتتفجَّر بالدراما الإنسانية؛ دراما يمكن رؤيتها من زوايا عديدة مختلفة، في الأفلام ذاتها، وفيمَن يصنعونها، وفيمَن يشاهدونها.

في رأيي فإن "علم النفس” أحد أهم العناصر التي تلعب دورًا محوريًا في الأعمال السينمائية، خاصة في رسم شخصيات العمل وردود فعلها وتصرفاتها بناءً على خلفياتها الاجتماعية وظروفها المادية ومحيطها وثقافتها الحياتية والتركيبة النفسية للمخرجين والقائمين على العمل.

تحدثنا من قبل في مقالتين عن "الفيلم الأخضر" وتأثير الصناعة الفنية على المجتمع، ونتناول هنا تحليل مضمون الأعمال الفنية على السلوكيات البشرية، الذي يشمل شرح الرموز المرسلة داخل الفيلم وتأثيرها العميق على الجمهور، وأيضًا العلاقة الوثيقة بين المحتوى وأهداف التنمية ورؤية مصر ٢٠٣٠ التي تتمثل في توفير حياة لائقة وكريمة ونشر سلوكيات إيجابية من خلال مسيرة تنموية واضحة لوطن متقدم ومزدهر.

تشير التغيرات التي فرضتها جائحة كورونا في عالم صناعة السينما، إلى أن منصات البث الرقمي تعيد تشكيل وجهة هذه الصناعة بما لها من إيجابيات وسلبيات، وقد توغلت المنصات الرقمية في عدد كبير من الموضوعات السلوكية ظهر في الأفلام؛ مثل الجنس، والعنف، والسياسة، والنوع، والتدخين، وتعاطي الخمور، والجريمة، والفقر، والعنف الأسري، والعلاج النفسي، إلى آخره.

ورسم صورة نمطية للمواقف والأشخاص، والأدوار، وقد تكون الصورة مثالية غير واقعية أو فيها تضخيم لأحداث، أو تقليل من شأنها، في حين أنه يوجد عدد لا نهائي من السلوكيات البشرية التي يمكن تجسيدها في الحبْكات والشخصيات والأفلام لا تتطلب نظريات معقدة لفهمها.

تلك السلوكيات دفعتني للتفكير في سؤال آخر مهم، هل تشكل المنصات الرقمية خطرًا على الأسرة وعادات المشاهد العربي؟ ربما، لاختلافها عن التليفزيون والسينما وأن لكل فرد الحرية في مشاهدة ما يريده حسب هواه. وجاء في ذهني سؤال آخر، هل الأعمال الفنية المغايرة لثقافتنا تتطلب مزيدًا من الانتباه والمتابعة لمنع الأفكار والطاقات السلبية التي قد تقودنا إلى مرحلة خطيرة من السلوك المنحرف والتي قد يصعب تعديلها فيما بعد؟

في خضم الانتشار الكبير للمنصات الرقمية، يتبين أن هناك خطورة على الإدراك في واقعية المضمون المقدم في الأعمال الفنية على المنصات الرقمية، لأن ذلك من شأنه زيادة احتمالات التقليد والمحاكاة للمواقف والتصرفات باعتبارها تماثل الواقع الفعلي.

واتضح أن نسبة القيم الإيجابية المقدمة في تلك الأعمال قليلة جدًا بالمقارنة بنسبة القيم السلبية التي وللأسف وافق عليها الأغلبية في إطار "الحرية الشخصية"، وتقبلها الآخر كما هو دون انتقاد، رغم إقرارهم بعدم تبني هذه القيم السلبية بشكل شخصي، إلا أن مجرد القبول يحوى ضمنًا خطر المحاكاة والتقليد فيما بعد مع تغير الظروف.

للسينما ووسائلها دورًا كبيرًا في توجيه المجتمع نحو السلوكيات الرشيدة والعادات الحسنة وتنفره من السلوكيات الخاطئة، وأيضًا تثقيف الأفراد وتجاوز تأثير اختلاف الثقافات الفرعية التي ينتمون إليها، كما تساهم بعض ما تتيحه من أفكار ومفاهيم في توفير بؤرة ثقافية مشتركة يمكنها أن تساهم في ضبط سلوكيات الأفراد وتوجيهها نحو تحقيق أهداف المجتمع التنموية في المجال الاجتماعي والاقتصادي والبيئي وتحقيق رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.

واعتقد أن الأعمال الفنية تؤثر على أهداف التنمية المستدامة، وضبط ذلك التأثير يكون من خلال الرقابة، ولا أقصد هنا كبح أو منع حرية الأبداع، لكني أطمح في رقابة مجتمعية تعمل على تحقيق انسجام الإنسان مع ما يُحيط به؛ فإن العملية التربوية مستمرة مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت.