نائب رئيس مجلس الدولة: الجماعات الإرهابية لا تؤمن بالدولة الحديثة

حوادث

المستشار
المستشار

قدم المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصرى، في دراسته الحديثة أمام المؤتمر الدولى الثانى والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان: "عقد المواطنة وأثره فى تحقيق السلام المجتمعى والعالمي"، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، أمام الوفود الأجنبية الشكر للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على استجماعه علماء الدين والفقه والفكر والثقافة من جميع أنحاء العالم ليسطروا سلاما عالميا جديدا على أرض المحبة السلام مصر الكنانة فى دراسته بعنوان " مفهوم الدولة وتطورها،  واستغلال الجماعات الإرهابية للخلافة لهدم استقلال الدول".

وقال المفكر المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى فى الجزء الأول من دراسته أن الجماعات الإرهابية لا تؤمن بالدول التى نشأت وتطورت عبر القرون حتى وصلت لمفهوم الدولة الحديثة وأن الحروب الدينية استمرت فى أوروبا ثلاثين عامًا وانتهت عام 1648 بتوقيع اتفاقية وستفاليا، كمفهوم لنشأة الدولة الحديثة وهى إحدى الحقائق الدولية للحياة السياسية المعاصرة.

وأضاف أن الدولة فكرة مرنة نشأت وتطورت عبر القرون حتى وصلت لمفهوم الدولة الحديثة ويمكن اجمالها فى خمس مراحل على النحو التالى: المرحلة الأولى الامبراطوريات الشرقية القديمة: ممارسة السلطة على أساس دينى فالدولة الفرعونية كان الملك الفرعونى هو الإله أو إبن الإله: إن مفهوم الدولة لم يتشكل بين عشية وضحاها، بل هو ثمرة لتاريخ طويل لتطور المجتمعات الإنسانية، وكانت الإرهاصات الأولى لمفهوم الدولة فى العصور القديمة مرورًا بالعصور الوسطى واتخذت عدة مسميات مختلفة مثل الإمبراطورية، والسلطنة، والممالك. وكانت تحكم  باسم الدين، ففى الدولة الفرعونية كان الملك الفرعونى هو الإله أو إبن الإله، حتى أن الزواج كان يتم بين الأخ وأخته للحفاظ على نقاء الدم الملكى ليظل الملك من أبناء الاَلهة  .لذا لم تعرف مصر نظام الفصل بين السلطات بل عرفت نظام تجميع السلطات بيد الملك على أساس دينى فهو المشرع الأول والقاضى الأول وقائد الجيش، المرحلة الثانية  نظام دولة المدينة فى اليونان القديم عن طريق تجمع العشائر القبلية التى اتخذت مساحة جغرافية للعيش فيها وظهرت فكرة الوطنية الإقليمية: ثم تطور الأمر فى ظل نظام دولة المدينة فى اليونان القديم عن طريق العشائر القبلية التى اتخذت مساحة جغرافية للعيش فيها، لكل قبيلة منها رئيسًا يدير شئونها مع استشارة شيوخها للزود عن أمن القبيلة، ثم تجمعت هذه القبائل فى ظل مسحة جغرافية أكبر اُطلق عليها " نظام دولة المدينة " حيث يجمعها عادات وتقاليد من أصل مشترك وظهرت فكرة الوطنية الإقليمية عن طريق اطلاق اسم طبقة "المواطنون الأحرار " وهم الذين ولدوا ونشأوا فى دولة أثينا.


واستكمل المرحلة الثالثة  ظهور المفكرين والفلاسفة فى اليونان القديم ( أفلاطون تحدث فى محاورته الأولى " الدولة المثالية " عن تقسيم الوظائف بينما تحدث تلميذه أرسطو عن توزيع السلطات على ثلاث هيئات وأرسى مبدأ الفصل بين السلطات ): ثم ظهر فى اليونان القديم مفكرين وفلاسفة منهم الفيلسوف أفلاطون حيث تحدث فى محاورته الأولى " الدولة المثالية " عن تقسيم الوظائف وقسمها إلى وظيفة الحكم والأمور السياسية وهى أخطر طبقة يتم اختيارهم من الطبقة الثانية التى تتولى الدفاع عن الدولة، ووظيفة الدفاع عن الدولة التى تقوم بها طبقة المحاربين، ووظيفة الانتاج التى يقوم بها طبقة العمال وأصحاب الحرف، أما تلميذه الفيلسوف أرسطو (384- 322 قبل الميلاد ) – وقد تتلمذ على يد أستاذه أفلاطون فى معهد اللوقيون بأثينا قرابة العشرين عامًا - فيرجع إليه الفضل فى إرساء مبدأ الفصل بين السلطات حيث يرى توزيعها على ثلاث هيئات أو سلطات هى الجمعية العمومية أو السلطة التشريعية، وهيئة الحكام أو السلطة التنفيذية ووالهيئة القضائية، والفرق بين فكر أفلاطون وفكر أرسطو أن أفلاطون كان ينشد مثالية الدولة من الناحية النظرية المجردة لأنه كان من أسرة أرستقراطية، بينما تلميذه أرسطو كان أكثر واقعية لأنه كان ينحدر من أسرة متوسطة وكان يعمل ووالده من قبل فى خدمة بيت الملك المقدونى وكان يحتك بجميع طبقات المواطنين.
وأشار المرحلة الرابعة روما القديمة بعصورها الثلاثة ومفاهيم مستجدة عن هيئات نظم الحكم: وفى تطور لاحق ننتقل إلى روما القديمة التى كانت على ثلاثة عصور هى العصر الملكى لروما القديمة والعصر الجمهورى لروما القديمة وعصر الإمبراطورية الرومانية وظهرت على مسرح الحياة السياسية توزيع السلطات على عدة أجهزة فى كل عصر من العصور الثلاثة، ففى العصر الملكى لروما القديمة كان السلطة تتوزع بين الملك ومجلس الشيوخ ومجلس الشعب، وفى العصر الجمهورى لروما القديمة كانت السلطات تتوزع على الحكام الجمهوريين ومجلس الشيوخ والمجالس الشعبية، وتفرع عن الحكام الجمهوريين عدة مناصب منها الحاكم القضائى أو البريوتر الذى كان يمارس السلطة القضائية ثم حكام الأسواق الذى يمارس بعض مظاهر السلطة التنفيذية فى الحفاظ على الأمن والنظام وتوفير السكينة للمدينة ثم المحققين الذين يعهد إليهم بممارسة مهام وزارة المالية وجهاز مالى رقابى  ثم حاكم الإحصاء الذى كان يقوم بمهام وزارة السكان وحفظ الأمن العام والأداب العامة وإعداد القوائم الانتخابية للمجالس الشعبية.

 

ثم الدكتاتور الذى يمارس سلطاته فقط فى ظل الظروف الاستئنائية وحالة الضرورة، ثم القنصلين الذين حلوا محل الملك فى ممارسة السلطة.وأخيرا ساد عصر الامبراطورية الرومانية – الامبراطورية العليا والامبراطورية السفلى – حيث استولى الامبراطور على جميع السلطات ولجأ إلى تقليد النموذج الشرقى القديم للسلطة واتخذ من الديانة المسيحية تبريرًا للحكم المطلق للامبراطور.

 


وأخيرا المرحلة الخامسة سادت أوروبا سلطة الكنيسة وكان لها أثر سلبي في التحكم بالدولة وسياستها، فانتشرت الحروب الدينية لمدة ثلاثين عامًا وانتهت في عام 1648 بتوقيع اتفاقية وستفاليا، كمفهوم لنشأة الدولة الحديثة وهى إحدى الحقائق الدولية للحياة السياسية المعاصرة: وفى تطور عبر  الزمن سادت أوروبا سلطة الكنيسة وكان لها أثر سلبي في التحكم بالدولة وسياستها، وسلطتها في عزل الملوك والأمراء عن طريق سحب الثقة منهم وفصلهم من الكنيسة، ومؤداه إفتقادهم لثقة وطاعة الشعب الذي يثق بالكنيسة التى كانت تعبيرا عن تطبيق إرادة الرب، فانتشرت الحروب الدينية لمدة ثلاثين عامًا وانتهت في عام 1648 بتوقيع اتفاقية وستفاليا في أوروبا؛ واضعة حدًا فاصلًا للحرب الدينية وسلطة الكنيسة على الحكم؛ بإنشاء نظام جديد لأصول الدولة في أوروبا الذى عُرف باسم الدولة الحديثة، ثم اتخذت كافة أنحاء وأركان العالم  ذلك المفهوم الدولى الجديدة عن شكل الدولة ومكوناتها المستجدة. وبهذه المثابة يعتبر مفهوم نشأة الدولة الحديثة في أعقاب مؤتمر وستفاليا، إحدى الحقائق الدولية للحياة السياسية المعاصرة التي شكلت اللبنة الأولى في بنيان النظام الدولي الحالى. وهكذا رأينا أن الجماعات الإرهابية لا تؤمن بوجود فكرة الدولة وهى فكرة مرنة نشأت وتطورت عبر القرون حتى وصلت لمفهوم الدولة الحديث.