في ظل تدهور الاقنصاد وأزمة الانتخابات.. هل تتطور الأمور في لبنان؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

يستذكر لبنان اليوم ذكرى وفاة أحد أهم رجاله الشهيد الرئيس رفيق الحريري وتطغوا حالة الحسرة والحزن على الحنين إلى وجود مثل هذه الشخصيات على أرض لبنان لما كان للحريري من دور بالغ الأهمية والوضوح في الإعمار والبنيان والإرتقاء بالدولة اللبنانية مع الوفاء بالمبادئ الوطنية الأمر الذي على العكس تمامًا الآن حيث تسود لبنان حالة بالغة الصعوبة من التدهور نتيجة الفشل السياسي والإنهيار المالي والإقتصادي والكذب الذي أصبح ركنًا رئيسًا من أركان سياسة الدولة.. في ضوء ذلك تعرض "الفجر" ملامح الحياة في عهد الحريري مقارنةً بالوضع الحالي.

 

وزار مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبد اللطيف دريان، الأحد، ضريح رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، في وسط بيروت على رأس وفد كبير من العلماء لإحياء ذكرى رحيله، وكان مما قاله المفتي، خرج رفيق الحريري من تحت ركام وأنقاض بلد متلاش وحمل على كتفيه إعادة بناءه وتعميره إلى أن أرداه التفجير الغادر فارتقى شهيدًا حيًا عند ربه.

 

وأضاف المفتي دريان، "واليوم يدخل لبنان الوطن مرة جديدة في التلاشي وكأن القائمين على شؤونه لم يتعلموا من التجارب السابقة التي دفع اللبنانيون ثمنها غاليًا جدًا من أرواحهم وممتلكاتهم ".

 

لبنان مدة حكم رفيق الحريري (١٩٩٢_ ٢٠٠٤ ) 

ويبدو أن خطاب المفتي دريان أشار سريعًا إلى الوضع اللبناني في حال مدة حكم الحريري. ويُجمع سياسيو لبنان غير المتطرفين أن الحريري امتلك شخصية دبلوماسية وسياسية قوية ظهرت مكنته من إعادة هيكلة المشهد اللبناني حيث تولى الحريري منصب رئيس الوزراء في أعقاب الحرب الأهلية التي عاشت فيها لبنان فترة عصيبة منذ ١٩٧٥ وحتى ١٩٩٠ليأتي الحريري ويعيد صياغة اتفاق الطائف سنة ١٩٩٠، اتفاق الطائف هو الإسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي هي المرجعية الأولى التي يستند إليها اللبنانيون كمرجع نهائي يستمدون منه وفاقهم الوطني وسلمهم الأهلي بعد الحرب الأهلية التي استمرت قرابة ١٥ سنة، فكان بإعادته لهذه الصياغة العامل الرئيسي في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية ليصبح في سنة ١٩٩٢ أول رئيس للحكومة اللبنانية بعد الحرب الأهلية 
وتمكنت لبنان في السنوات الأولى من عهده من إقرار السندات الأوروبية التي ساعدتها في اقتراض الأموال اللازمة لإعادة الإعمار الأمر الذي حافظ على قيمة العملة اللبنانية وأعاد لبنان إلى الخارطة الإقتصادية،
وشكلت لبنان في عهده مناخًا استثماريًا مغريًا للقطاع الأجنبي نتيجة قيامه بتقديم هيكل ضربي مبسط وكذلك الإعفاءات الضريبية والقروض منخفضة الفائدة التي كان يقترضها لبنان خلال فترة الحرب الأهلية،
وتطور المشهد اللبناني بالكامل وخصوصًا في العاصمة بيروت  من خلال تقديم الحريري مشروع هوريزن ألفين ذلك المشروع التجديدي الذي بموجبه أسس الحريري وحدة سوليدير للمقاولات شارك فيها مستثمرون أجانب وعرب.

 

وفاة رفيق الحريري

وتستمر إنجازات رفيق الحريري وتنتعش معها الدولة اللبنانية إلى أن يتم اغتياله، في الرابع عشر من فبراير  سنة ٢٠٠٥، أثناء مرور موكبه بجانب فندق السان جورج في بيروت،ولا تزال محكمة الخاصة الدولية بلبنان تتولى أمر التحقيق في مقتله حتى اليوم.

 

لبنان الآن.. توترات وتعسر وتدهور

وأما عن الوضع اللبناني الحالي قال محمد الرز، المحلل السياسي اللبناني، نشر عدد من القنوات والصحف والمواقع اللبنانية لافتات في عدد من المدن كتب عليها « كليتي للبيع » الأمر الذي يختصر حجم معاناة السواد الأعظم من اللبنانيين حينما يعلن بعضهم عن استعدادهم لبيع إحدى كليتيه كي يؤمن سبل عيش أبنائه.

وأضاف الرز في تصريحات خاصة " للفجر"، هذا النموذج لم نكن نسمع به في لبنان على امتداد تاريخه كما أن لبنان لم يشهد هذا الانهيار في كل مؤسساته ولا هذا التجويع الذي يصيب أبنائه إلا مرة واحدة بداية الحرب العالمية الأولى قبل ١٠٨ سنوات، والسبب الفعلي والواضح لحدوثه اليوم هو الطبقة السياسية الحاكمة منذ ٣٠ عاما ومن دخل إليها بالتسويات المصلحية والحزبية الضيقة مما شكل انقلابا على الدستور المنبثق عن اتفاق الطائف عام ١٩٨٩ وإنشاء منظومة خاصة بهذه الطبقة التي تقاسمت الوزارات والمؤسسات والمالية العامة ومدخرات اللبنانيين في المصارف المتواطئة مع أطراف الطبقة الحاكمة.

وعلل المحلل السياسي، كل ذلك أنتج تدهورا بنسبة ٩٠ بالمئة للعملة الوطنية وشللا عاما لكافة المؤسسات ومتاجرة بالعصبيات الطائفية واستخدام السلاح المفترض لمقاومة اعتداءات إسرائيل في المعادلة السياسية الداخلية مما أسفر عن موازين قوى على قاعدة اسكتوا عن سلاحنا نسكت عن فسادكم، وتنكرت هذه المنظومة لعروبة لبنان الثابتة في أول بند من دستوره الوطني وتولت التمييع وقطع الطريق على المبادرات العربية الممتالية لإنقاذ الوضع اللبناني وأبرزها المبادرة المصرية ومن بعدها المبادرة الخليجية أما لأنها من خارج الصفقات التي اعتادت عليها الطبقة الحاكمة دائما أو بسبب الالتزام بأجندات إقليمية إيرانية أو تركية، كما تولت هذه المنظومة أضعاف القضاء وتحويله إلى جهاز تابع لها كما أنها استهدفت مركز رئاسة مجلس الوزراء.

وأردف، وسط كل هذه الاسقاطات يأتي إقرار الموازنة العامة ليشهد تطويقا من أطراف المنظومة العامة بالتنكر له وكأن المطلوب من الحكومة صاحبة الحق الوحيد في وضع الموازنة ان تأخذ أذنا من أمراء الطوائف والميليشيات وطبقة المنتفعين قبل إصدار هذه الموازنة وهذا دليل على الاسقاط المقصود لمبدأ الفصل بين السلطات، وقد نشهد المزيد من الشد والجذب السياسي حول موضوع الموازنة في اجتماع الحكومة الثلاثاء المقبل. اما موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الاسرائيلي فإن مصالح الطبقة الحاكمة متعددة الرؤوس والغايات قد تدخلت فيه أيضا، وبعدما قرر المفاوض اللبناني العسكري أن خط ٢٩ الحدودي وما يحتويه من آبار نفط وغاز هو لبناني وارفقه بالوثائق الرسمية والخرائط المعتمدة وجدنا أن رئيس الجمهورية ميشال عون رفض إصدار هذا القرار بمرسوم رسمي ثم عاد وأبلغ الموفد الأممي والمبعوث الأميركي هوكشتاين بأنه مستعد للتفاوض على أساس الخط ٢٣ الذي طالبت به إسرائيل مما يضيع على لبنان ١٨٠٠ كيلومترا مربعا من حدوده المثبتة منذ استقلاله عام ١٩٤٣.

وتابع، ومن المرجح أن يدفع هذا الأمر أيضا إلى إحداث مواجهات سياسية وارباكات لعملية التفاوض في الوقت الذي يعيش فيه لبنان وسط استحقاق الانتخابات النيابية في ١٥ مايو المقبل على أساس قانون انتخابي وضعته الطبقة الحاكمة ويعتريه الكثير من الثغرات المناقضة للدستور ومع ذلك فإن هناك شكوك حول إجراء هذه الانتخابات خاصة بعد الدعوات المختلفة لتاجيلها مدة عام واحد، وهو ما أثار اعتراضات لبنانية لأن تأجيل هذه الانتخابات سوف يفسح المجال لتمديد ولاية رئيس الجمهورية الأمر الذي يلقى رفضا كاملا من قطاعات لبنانية واسعة لأنه سيطيل عمر الأزمة وبالتالي سوف يزيد المعاناة على كاهل اللبنانيين المتطلعين إلى إحداث تغيير ولو نسبي يخترق المنظومة الحاكمة ويفتح الطريق أمام التغيير المطلوب.