د. محمود جلال يكتب: تمويل الابتكار وريادة الأعمال في مؤشر الابتكار العالمي (14)

مقالات الرأي

الدكتور محمود جلال
الدكتور محمود جلال

تعزيز الابتكار وريادة الأعمال وإزالة العقبات أمامهما من أهم اهتمامات كلٍّ من الحكومات والشركات لدعم النمو الاقتصادي وبناء مستقبل مستدام وشامل في عصر قائم على المعرفة، وأهم العقبات التي تواجههما هي نقص مصادر التمويل التي تؤدي إلى نقص الاستثمار في الابتكار وعجز الشركات التكنولوجية الناشئة عن تحقيق النمو اللازم لاستمرارها، لذلك استعرضنا في هذه السلسلة آليات التمويل المتاحة عالميًا طبقًا والمراحل الست لدورة حياة الشركات، 

حيث يتوافر التمويل في المرحلتين الأولية والمبكرة من خلال منصات التمويل الجماعي والمستثمرين الممولين وحاضنات ومسرعات  الأعمال، وعندما تصل إلى مرحلتي التوسع واللاحقة يتوافر التمويل من خلال رأس المال الاستثماري، وفي مرحلة النمو توفر صناديق الاستثمار الخاصة والمشتركة وصناديق الثروة السيادية التمويل اللازم، وأخيرًا عند وصول الشركات لمرحلة النضج يتوافر لها مصادر تمويل أخرى من خلال القروض البنكية والحصص الخاصة في رأس المال والطرح العام بالبورصة، أيضا نجد أنه بعد وصول الشركات لمرحلة النضج تحتاج إلى التجديد من نفسها والابتكار حتى تحافظ على تواجدها السوقي القوي لتحقيق ما يسمى بالنمو التوليدي.

كما استعرضنا الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر للابتكار وريادة الأعمال لدفع النمو الاقتصادي، والتغلب على التحديات المجتمعية طويلة الأمد، مثل الصحة والطاقة والبيئة، ومعالجة الأزمات قصيرة المدى.

وكذلك الاستثمارات الابتكارية الخاصة بالشركات وكيف أنها تجاوزت حجم الإنفاق الحكومي في الكثير من البلدان المتقدمة حيث وصلت نسبة إنفاق الشركات على البحوث والتطوير من إجمالي الإنفاق العام على البحوث التطوير بدول مثل الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، إلى نسب تتراوح ما بين 70 إلى 78%.

واستعرضنا أيضا الأطر والسياسات اللازم اتخاذها من الدول النامية لدعم آليات تمويل ريادة الأعمال، ودور مؤسسات التمويل متناهي الصغر وحلول التكنولوجيا المالية في تضييق فجوة تمويل الشركات الناشئة، والدور المأمول من المنظمات غير الهادفة للربح للاستفادة من أموال التبرعات التي تتلقاها في دعم الأنشطة الابتكارية والبحوث والتطوير، والعقبات أمام نمو وانتشار أسواق وتراخيص الملكية الفكرية بأقسامها ترخيص العصا وترخيص الجزرة، ودور الملكية الفكرية في تأمين تمويل الابتكار بالشركات، وفرص التغلب على التحديات التي تواجه استخدام الملكية الفكرية كأصل لتمويل الابتكار، كما سنستعرض في ختام هذه السلسلة الآتي:

الجزء الرابع عشر: الدروس المستفادة والتوصيات الواجب توجيهها لكل من الحكومات والشركات لتعزيز تمويل الابتكار وريادة الأعمال:

الدروس المستفادة:

يمكن أن تتوافر الفرص لاستخدام الملكية الفكرية لتمويل الابتكار في العديد من الشركات، وذلك إذا تم استيعاب أن الملكية الفكرية ليست فقط بوليصة تأمين ولكن أداة فعالة لأغراض التمويل، ولتحقيق النجاح في هذا المسعى لزم على الشركات الدراية الجيدة بأساليب عمل نظم الملكية الفكرية والقيمة المحتملة للأنواع المختلفة من الملكية الفكرية التي تمتلكها، فضلًا عن الإجادة التامة لإدارة الملكية الفكرية بها. هذا ونجد أيضًا أن استخدام الملكية الفكرية في التمويل من خلال تراخيص الجزرة أكثر صعوبة في التنفيذ من تراخيص العصا، وأنه مازالت استخدامات الملكية الفكرية في البيئات التعاونية غير مستغلة.

التوصيات الواجب توجيهها لكل من الحكومات والشركات:

1. تعزيز الشركات لعمليات فحص الملكية الفكرية بها:

يجب على الحكومات تنفيذ وتحسين مخططات الفحص الأولي للملكية الفكرية (IP audits) بالشركات لديها، وتوعيتها بأهمية الملكية الفكرية وجدواها لهم، كما يجب على الشركات الاستفادة من هذه المخططات في عمل التقييم لجميع أصول الملكية الفكرية (IP assets) الخاصة بها.

فنجد أن العديد من البلدان قد مولت بالفعل تنفيذ عمليات فحص أولي للملكية الفكرية بالشركات وحققت درجات متفاوتة من النجاح، ومن هذه المخططات على سبيل المثال، “IP Audits Plus” بالمملكة المتحدة، و“IP Prediagnosis” بفرنسا، و“discover IP” بالنمسا.

وتقوم هذه المخططات بعمل تحليل كامل لوضع الملكية الفكرية بالشركات والتعرف على أصول الملكية الفكرية بها ذات القيمة المحتملة، ولنجاح هذه المخططات يجب أن يكون القائمون على تنفيذها مدربين جيدًا بحيث يمكنهم ربط المعرفة الفنية والقانونية والإدارية والتجارية في عمليات الفحص، ويكونون قادرين على تطوير فهم استراتيجي مشترك للملكية الفكرية مع مسئولي الشركات الجاري فحصها. 

أيضا يجب تدريب هذه الشركات على الملكية الفكرية لضمان التنفيذ السليم للتوصيات، وتقييم مدى وعيها بالملكية الفكرية من خلال أداة "ip Awareness Assessment web tool" التي يقوم بتوفيرها مكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية USPTO)) أو الاستبيان "IP Healthcheck questionnaire" الخاص بمكتب الملكية الفكرية في المملكة المتحدة أو أي وسيلة أخرى مشابهة. 

2. تحسين معرفة الشركات بإدارة حقوق الملكية الفكرية في البيئات التعاونية:

ينبغي على الحكومات زيادة الوعي والدراية الجيدة بإدارة حقوق الملكية الفكرية في البيئات التعاونية للشركات التي تعمل في القطاعات المنتشر بها التعاون في مجال البحوث والتطوير، خاصة مع الانتشار المتزايد لتمويل اتحادات البحوث والتطوير، ونهج الابتكار المفتوح. 

فبينما يتوافر الكثير من المواد المتاحة الخاصة بأساسيات الملكية الفكرية، مثل كيفية تسجيل براءة اختراع أو علامة تجارية، فإن المواد المتاحة مازالت ضئيلة عن استخدام الملكية الفكرية في البيئات التعاونية، لذلك هناك حاجة إلى دعم الشركات فيما يخص نصائح التفاوض، وشروط الترخيص، وصياغة اتفاقية الترخيص،

وبالفعل نجحت بعض البلدان في تطوير عقود ترخيص نموذجية مثل، مجموعة أدوات لامبرتس (Lamberts Toolkit) في المملكة المتحدة، ودليل اتفاقية الملكية الفكرية النمساوي (IPAG)، ونماذج اتفاقيات نقل المعرفة في أيرلندا KTI))، ونماذج اتفاقيات BMWi الألمانية للتعاون في مجال البحوث والتطوير، ومعظم هذه النماذج الناجحة كانت بدايتها من ترخيص نقل التكنولوجيا بين الجامعة والصناعة، 

وأيضا مطلوب التوافق مع متطلبات الأعمال بين الشركات وبعضها، والاسترشاد بالنماذج الناجحة في البلدان الأخرى والتعاون الدولي وتبادل الخبرات بخصوص هذا الشأن.

3. تحسين خبرة جهات التمويل ووسطائها فيما يخص الملكية الفكرية:

تحتاج جهات التمويل مثل البنوك، والجهات الأخرى مثل جمعيات المستثمرين، ووكالات دعم البحوث والتطوير والابتكار، والهيئات بمجموعات العلوم والتكنولوجيا إلى تحسين معرفتها بالملكية الفكرية وإعداد برامج تدريبية لهم حول كيفية تقييم الملكية الفكرية.

4. تعزيز أسواق الملكية الفكرية:

يتعين على الحكومات اتخاذ العديد من التدابير لتعزيز أسواق تمويل الملكية الفكرية وإيجاد الحلول الفعالة لتحديات التمويل والتراخيص:

ومنها إنشاء أسواق إلكترونية للملكية الفكرية واتخاذ طواقم متخصصة كبيرة لمواجهة الطابع غير النمطي للملكية الفكرية ومشاكل عمليات التقييم لضمان تحقيقها النجاح المطلوب.

وتمويل البحوث والتطوير التي ينتج منها براءات اختراع وملكية فكرية ذات منفعة تجارية ويوجد لها طلب بالسوق، الأمر الذي سيعزز في ذات الوقت دفع عجلة نقل التكنولوجيا من الجامعة إلى الصناعة. 

5. إنشاء استراتيجيات ومنهجيات للملكية الفكرية توائم متطلبات السوق: 

يجب على الشركات التي تعمل في الصناعات التي تستخدم الملكية الفكرية، وضع استراتيجيات للملكية الفكرية بها تتناسب مع التحديات المرتبطة بظروف السوق وبيئة العمل، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستراتيجية العامة للشركة وتخدم أهدافها المالية، وذلك نظرًا لأن الأنواع المختلفة من قطاعات وأدوات سوق تمويل الملكية الفكرية تحتاج إلى معاملة مختلفة وتستلزم اتباع منهجيات متباينة توائم متطلباتها لتحقيق النجاح في الحصول على التمويل المطلوب.

وإلى اللقاء في سلسلة قادمة،