د. رشا سمير تكتب: ريهام ومدحت..عنوان الزمن الجميل

مقالات الرأي

بوابة الفجر

                            

لم تكن تلك المرة الأولى التي أحضر فيها هذا الحفل الساحر، فقد سبق وحضرته منذ شهور، حفل بعنوان (صوت السينما) في حديقة قصر عابدين وعشت ساعتين من الروعة والإبداع مع صوتين هما بلا جدال صوت مصر الخلاب..ريهام عبد الحكيم ومدحت صالح.

منذ أيام قامت الشركة المنظمة لهذا الحفل بإعادته مرة أخرى نظرا لنجاحه المبهر وبناء على طلب الجماهير على مسرح دار الأوبرا المصرية بمناسبة عيد الحب.

الغريب حقا أن هذا الحفل يدخلك في حالة متفردة..حالة من الطرب والسعادة والسلطنة والدفئ لم يعد يتسنى لنا أن نعيشها بسهولة.

دون شك أن التراث الغنائي والثقافي لأي دولة هو تاريخها وعنوان إرتقائها ومن هنا أصبح التراث المصري هو عنوان مصر، وأصبح الحفاظ عليه مسئولية كل جهة ومؤسسة في مصر..

هنا يجب أن أتقدم بالشكر لشركة “RMC” للاستشارات والتسويق التي تعاونت مع مجموعة قنوات MBC لإطلاق هذا المشروع الفني الراقي الذي يخاطب الوجدان والوعي المصري.

تغنى الفنان مدحت صالح والرائعة ريهام عبد الحكيم بمجموعة أغنيات من زمن العمالقة بالإشتراك مع أوركيسترا القاهرة السيمفوني بقيادة المايسترو ناير ناجي الذي أبدع مع فرقته من في تقديم الموسيقى التصويرية لأفلام (دعاء الكروان) و(رد قلبي) وغيرهما وسط تصفيق الجمهور الذي لا ينقطع. 

أغاني من زمن كانت فيه الكلمة هي معشوقة حسين السيد ومحمد حمزة وأحمد شفيق كامل..واللحن هو عبقرية محمد الموجي وكمال الطويل ومحمد عبد الوهاب..والغناء هو ملحمة محمد فوزي وعبد الحليم حافظ ووردة وشادية وليلى مراد وفايزة أحمد وغيرهما.

لا يفوتني هنا أن أعبر عن إعجابي بالنشاط الثري الذي تقوم به دار الأوبرا المصرية تحت قيادة الفنان الدكتور مجدي صابر الذي يعي قيمة الفن ويقدمه لجمهور الأوبرا على مدار العام، هذا الجمهور الذي لازال متشبثا بالعراقة التي وبكل أسف باتت مهددة بالإنقراض بعد التدني الفكري والثقافي الذي أصاب كل شئ.

هذا الحفل لم يكن سوى ناقوس يدق في توقيت يكاد فيه النفيس أن ينقرض ويتوارى في زحام البخس من الأشياء، وهو دليل قاطع لأن الجملة الشهيرة التي تعتبر تبرير معتاد لتقديم الإسفاف والإلتفاف حوله، وهي جملة (الجمهور عايز كدة)! هي جملة كاذبة ليست إلا ستار لتشويه صورة الفن وتاريخه في مصر، مصر التي قدمت للعالم الغناء والسينما والأدب يجب ألا تنزلق إلى هاوية ما يطلبه المستمعون، فقط يجب أن يكون العنوان الصحيح هو (ما يجب أن نقدمه للمستمعون)..

لست ضد فرض القيود على نوع معين من الغناء، لأن في وجود عبد الحليم حافظ كان هناك عدوية، ولولا إختلاف الأذواق لبارت الأغنيات.

التحية واجبة للفنان مدحت صالح صانع البهجة في الحفلات الذي صنع فيها لنفسه مشوار فني يُحترم، وقاد جيلا من المطربين كانت لهم بصمة فنية رائعة.

هنا لا يسعني فقط أن أشيد بالفنانة ريهام عبد الحكيم الذي أعتبرها وبكل صدق ثروة قومية، لأنها صوت مصر الساحر، صاحبة حنجرة ذهبية..يكفيها أنها تغنت بالأغنية التي أصبحت عنوان مصر (فيها حاجة حلوة)..والأهم من هذا وذاك هي فنانة لم تبحث عن الطريق السريع للشهرة، طريق الحفلات الخاصة والطائرات الخاصة..

فنانة إعتلت منبر النجاح بأغاني صعبة لأم كلثوم وليلى مراد وروائع الغناء العربي..لم تبحث عن حفلات قد تمنحها رصيد في البنوك، ولم تقف على المسرح لتهلوس وتخرج من فمها كلمات لم تمر على عقلها..بل تريثت وشقت الطريق الوعر، وبكل إصرار حققت المعادلة الصعبة، وهو طريق الشهرة والكرامة وعزة النفس.

ريهام هي أم كلثوم جيلها..هي فنانة مصرية تستحق التقدير والتكريم، وتستحق أن تصبح مطربة مصر الأولى بلا منازع..فنانة إحترمت نفسها فاحترمها الجمهور.

أدعو وزارة الثقافة ودار الأوبرا المصرية بعمل محاولة جادة لوصول هذا الحفل وغيره من الحفلات التي تقدم فنا راقيا إلى الطبقات البسيطة من المجتمع المصري، ووصولا بالقرى والمدن النائية، بمبلغ بسيط يطيقونه في محاولة للإرتقاء بالوجدان المصري.

شكرا لكل من منحونا ساعتين من السعادة والرُقي، تسللت فيهما إلينا وسكنتنا رائحة الزمان الجميل.

                                              [email protected]