ولاء الدين بدوي مدير عام قصر المنيل يكتب.. "عصمة الدين والدنيا شجر الدر"

أخبار مصر

الدكتور ولاء الدين
الدكتور ولاء الدين بدوي يكتب عن شجر الدر

اعتبر معظم المؤرخون وعلى رأسهم المقريزي صاحب السلوك لمعرفة دول الملوك أن شجر الدر أولى سلاطين دولة المماليك البحرية في مصر، جيء بها كجارية مملوكة فصارت محظية الملك الصالح أيوب -وإن كان على الأرجح- أنها ليست من المماليك، وهذا ما ذهب إليه عصام شبارو في كتابه السلاطين في المشرق العربي، أنها مملوكة من أصل أرمني وليس تركيًا.

إذًا فهي ليست مملوكة تمامًا، وهي قريبة من المماليك من ناحية النشأة، وإن كان المماليك البحرية الصالحية يأتمرون بأمرها، ويخضعون لها كونها واحدة من أهم نساء الملك الصالح نجم الدين أيوب، هذا فضلًا عن كونها والدة ولده الخليل الذي مات وهو طفل صغير.

فيما اعتبر ابن إياس صاحب بدائع الزهور، شجر الدر آخر سلاطين بني أيوب زوجة نجم الدين أيوب، والد تورانشاه وأم ولده خليل الذي توفي في حياة أبيه.

دورها الجهادي 

كان للدور الذي لعبته شجر الدر بعد وفاة زوجها نجم الدين أيوب، وتصرفها حيال الصليبيين وأسر الملك لويس التاسع، أبلغ الأثر لدى المماليك بعد ما شاهدوا ما تتصف به من حماس سياسي، وحنكة ومهارة في تصريف أمور الدولة في ذلك الوقت العصيب، فلقد عملت على تحرير دمياط من الصليبيين، لما أخفت موت نجم الدين أيوب عن الجيش المصري الذي كان يُقاتل الغزاة؛ لذا كان الدور الجهادي لشجر الدر مؤهلًا لها للتربع على كرسي السلطنة بعد مقتل تورانشاه..

صيغة الدعاء لها  

وكان الدعاء لشجر بين الناس "اللهم احفظ الجهة الصالحة ملكة المسلمين، عصمة الدين والدنيا أم خليل أمير المؤمنين، المستعصمة، صاحبة السلطان الملك الصالح"، أو قول الخطباء الذين كانوا يخطبون باسمها على منابر مصر، فيقولون من بعد الدعاء لأمير المؤمنين الخليفة العباسي: "اللهم احفظ الجهة الصلاحية، ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين ذات الحجاب الجليل، والستر الجميل، والدة المرحوم خليل".

وفي رواية أن الخطبة التي كان يُخطب بها لشجر الدر على المنابر، لما بويعت بالحكم من بعد الدعاء للخليفة العباسي هي التالية: "ربنااحفظ ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين، الجهة الصالحة، أم خليل المستعصمة، صاحبة السلطان الملك الصالح.

معارضة جلوسها على العرش 

اضطربت الأمور على المستوى الشعبي العام، وعارض الفقهاء والمتعلمون جلوس شجر الدر على عرش السلطنة، وأدركت السلطانة وزعماء المماليك أنهم يسبحون ضد تيار عارم سيغرقهم في موجاته، وبعد ثمانين يومًا من الحكم قامت شجر الدر بالتنازل لواحد من أمراء المماليك اختارته بعناية وهو عز الدين أيبك التركماني الصالحي، الذي اشتهر بعزوفه عن الصراع حتى ظن الجميع أنه ضعيف، وقَبِل أمراء المماليك زواجه من شجر الدر وجلوسه على عرش السلطنة، بل إن بعضهم قال "متى أردنا صرفه أمكننا ذلك؛ لعدم شوكته"، وكان هذا التنازل في أواخر جمادى الثانية سنة 648 هـ. 

السلطان عز الدين أيبك

تولى عرش مصر السلطان أيبك التركماني، وتلقب باللقب السلطاني "الملك المعز"، ولم يكن أيبك في الواقع أكبر أمراء المماليك سنًا، أوأقدمهم خدمة، أو أقواهم مكانةً ونفوذًا، إذ يوجد من أهم أكبر وأقدم، وأقدر منه مثل فارس الدين أقطاي، والظاهر بيبرس

وقد واجهته عدة مشاكل عدة بعد توليه أولها كان الخطر الأيوبي الصليبي، وثانيها معركة العباسية بين المماليك والأيوبيين 10 ذي القعدة 648 هـ / 3 فبراير 1251م، ثم التحالف المملوكي الصليبي، ثم تمرد القبائل العربية ضد المماليك، وخطر زملائه المماليك ومقتل فارس الدين أقطاي. 

توتر العلاقات بين أيبك وشجر الدر 

ثم توترت العلاقات بين عز الدين أيبك وشجر الدر، فعزم على الزواج من غيرها، وأرسل سنة 1256م إلى بدر الدين لؤلؤ الأتابكي صاحب الموصل يطلب إليه حلفًا زواجيًا، لم يُعلم عنه إلا ما تداولته المراجع من خِطبة أيبك لابنة بدر الدين، وقد كانت هذه المسألة بداية الخاتمة لأيبك؛ فقد تزعمت شجر الدر المعارضة ضد زوجها في الداخل والخارج، واستطاعت بدهائها أنْ تجعله يوافق على الحضور إلى القصر السلطاني بالقلعة، حيث أعدت له شجر الدر خمسة من الغلمان الأشداء لاغتياله، منهم محسن الجوجري، ونصر العزيزي، وسنجر وكان آخرهم من مماليك أقطاي، وبالفعل قتلوه في الحمام في أبريل 1257م / 655 هـ. 

محاولات شجر الدر الفرار بالجريمة 

حاولت شجر الدر إخفاء واقعة القتل، وأمرت بتجهيز جثمان أيبك بملابس لائقة ووضعه على فراشه، والادعاء بأنه قد سقط من فوق جواده أثناء عدوه، وتسبب ذلك في إصابات أنهت حياته، إلا أن هذا السبب لم يقتنع به أمراء المماليك؛ بسبب ما كان معروف عن أيبك من فروسية وتمكن من ركوب الخيل، فاعترفت شجر الدر بقتلها له انتقامًا منه.

صمم المماليك المعزية، وعلى رأسهم سيف الدين قطز، على أن يُقيموا على العرش الذي بات شاغرًا بمصرع أيبك صبيًا في الخامسة عشر من عمره هو "نور الدين علي" ابن سيدهم المعز أيبك، وتم ذلك في ربيع الأول 655 هـ / 1257م، ولقبوه الملك المنصور علي، وقد رفض المماليك الاعتراف بالسلطان الصبي، وتجسد رفضهم في عدة اضطرابات عاصفة، واستنجدت بعض الفئات المتنازعة بمماليك بني أيوب في بلاد الشام، وحاول المغيث عمر صاحب إمارة الكرك - في الأردن حاليًا - غزو مصر مرتين، لكن الفشل كان من نصيبه، وقد كانت هذه فرصة لظهور نجم سيف الدين قطز من جديد