أحمد أبو رحيل يكتب: "المثقف العضوى...ضرورة حتمية"

ركن القراء

بوابة الفجر

 

المثقف العضوي، تعبير استخدمه لأول مرة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي حيث رأى من خلال تعريفه أن ما يميز المثقف أنه بما يمتلكه من علم ومعرفة يمثل حالة متقدمة في الوعي ضمن المجتمع الذي يعيش فيه؛ وإن وعيه المتقدم على أفراد مجتمعه يحمله باستمرار مسؤولية تاريخية تتمثل في الإسهام في تجديد الفكر بما يخدم مشروع التقدم والنهضة في بلاده؛ ذلك يعني أن دور المثقف هو عدم الإنكفاء والتشرنق بالأبراج العالية بعيدًا عن مجتمعه وآماله وتطلعاته، وأيضًا عن موروث هذا المجتمع والتقاليد والأعراف التي صنعت تاريخه.
وفي سياق هذا التعريف، نجد أنفسنا أمام معادلة دقيقة، هي أن على المثقف باعتباره ضمير وطنه، أن يتقدم على المجتمع الذي هو جزء من مكوناته، وفي نفس الوقت، يبقي التواصل والجسور مفتوحة بينه وبين هذا المجتمع وثقافاته. وإذا لم يوفق المثقف في تحقيق هذه المعادلة، فإن النتيجة هي عزلته، وعندها يكون كمن يخاطب نفسه، ولا يحقق أي فعل، أو حتى صدى، فيما يطرحه من أفكار.
إن غرامشي لا يكتفي بهذه الدعوة للمثقف العضوي، وإنما يطلب منه أيضًا التواضع، وعدم المنة، وألا يعتقد أن تقدمه في الوعي يمنحه أفضلية في المكاسب أو المغانم؛ ولذلك يحذر بشكل صريح من بعض ما يطلق عليه شرائح الانتلجنسيا، التي تنظر دون ية وريبة، لبقية أفراد المجتمع، ويحذر من مخاطر تسلمها لمهام قيادية في الحزب الذي يقوده؛ ومن وجهة النظر هذه فإن أي ثقافة خارج دائرة الالتزام بهموم الناس وقضاياهم، هي ترف فكري محض، والمثقف، هو نتاج المجتمع الذي يعيش فيه. وفي الغالب لا يوجد فينا فرد ليس لديه انحياز لمجتمع أو فكرة أو موقف، لكن دور المثقف هو أكبر من أن ينحاز إلى المواقف الضيقة. المهم أن يعي الثوابت الوطنية، التي يشكل خدشها إضرارًا بالمجتمع، واهتزازًا لاستقراره، وإن على المثقف أن يكون قريبًا باستمرار من الرأي العام، لكن ليس لدرجة التسليم بالخيالات والأوهام، التي تعشعش في كثير من المجتمعات، التي لا تزال في طور التطور والنهوض، والمثقف إن تخلى عن دوره في أخذ المجتمع إلى الحالة المتقدمة في الوعي، التي تمكن من حيازتها يفقد وظيفته كمثقف؛ وبذلك تتحقق عزلته عن مجتمعه، وعندها لا تساوي كتاباته قيمة الحبر المسكوب فيها، وفي كل الأحوال، فإن نجاح المثقف رهن بقبول الآخرين، لأفكاره. فهو في المبتدأ والخبر، لا يكتب لنفسه، وإنما يكتب للآخرين. ويدخل في هذا التصنيف، كل مجالات الأنشطة الإبداعية، من فكر وثقافات وفنون، وما إلى ذلك من أنشطة.
وهو بذلك يعارض وجهة نظر أفلاطون حيث حول أفلاطون البحث النظرى من الشارع إلى الأكاديمية ولهذا أعزله عن الحياة الاجتماعية وجعله مغرورًا  يتعالى على الناس وأصبح طلاب العلم شامخين بأنفسهم يظنون أن العلم يجب أن يسموا عن دراسة الهموم التى تشغل بال الجمهور ويؤكد وجهة نظر أرسطو الذى كان يجول فى الشوارع والطرقات ليتعرف على أمور وأحوال الناس ويضعها محل الدراسة للتوصل إلى حلول بشأنها.
ومقابل الشكل الأول من المثقفين، أي المثقفين العضويين المرتبطين بطبقة اجتماعية والذين يعملون علي اعطائها التجانس الأيديولوجي، يقيم غرامشي مفهوما آخر للمثقفين يعتمد على أساس الرؤية التاريخية لتكونهم. وهو ما أسماه بالمثقف التقليدي، أي المثقف الذي ينتمي إلى طبقات اجتماعية زائلة أو في طريقها إلى الزوال. يقول غرامشي محددا مفهومه هذا “ولكن كل مجموعة اجتماعية بنشوئها في تاريخ البنية الاقتصادية السابقة لها وكتعبير عن تطور تلك البنية وجدت علي الأقل في التاريخ المعروف حتى الأن، فئات مثقفين موجودة قبلا، بل وكانت هذه الفئات تبدو كممثلة لاستمراية التاريخ غير المنقطعة وحتى من قبل التحولات الأكثر تعقيدا وجذرية للأشكال السياسية والاجتماعية”.ويعتبر غارمشي رجال الدين  احتكروا لزمن طويل بعض الخدمات الهامة، مثل الأيديولوجيا الدينية، والفلسفة والعلوم في ذلك العصر، ويعتبر هؤلاء نموذج عن المثقف التقليدي.
ويرى غرامشي أن قدرة أي طبقة اجتماعية علي الصعود وتحقيق الهيمنة على المجتمع تكمن في قدرتها على تكوين مثقفين عضويين مرتبطين بها وكذلك في قدرة هذه الطبقة على استيعاب المثقفين التقليديين المنحدرين من فترات تاريخية سابقة.
واخيرا يُعد العلم والثقافة شعلة الأمم والمجتمعات ونورها المضيء، فهو يصنع حياة كريمة وراقية للمجتمع. العلم يُساعد الأمم والمجتمعات على النهوض وتحضر شعوبها وبالعلم والثقافة فقط يستطيع المجتمع القضاء على الأمية المتفشية والمنتشرة في العالم ويستطيع الفرد بعلمه التخلص من الفقر والجهل.
وفى النهاية يجب ان نشير على إنه يجب على مؤسساتنا العلمية والبحثية أن تخلق جيلًا بل وأجيالًا من المثقفين العضويين الفاعلين فى أمور مجتمعهم  الذين يقودون حركة التنوير والحضارة بل هم الذين يبتكروا وينشئوا فيه لخدمة وطنهم فهدف العلم هو خدمة المجتمع وإذا لم يصلح العلم ماتم افساده فى المجتمع فلا فائده منه ولا منفعة. 
حفظ الله مصر... حفظ الله المصريين الشرفاء