د. نصار عبدالله يكتب: معركة الكرامة

مقالات الرأي

د. نصار عبدالله
د. نصار عبدالله

مازالت ذكرى ذلك اليوم ماثلة فى ذاكرتى حتى يومنا هذا.. ٢١مارس ١٩٦٨، كنت ما زلت فى مركز التدريب العسكرى أقضى مرحلة الأساس بعد أن تم تجنيدى فى القوات المسلحة فى ٦يناير ١٩٦٨، وقد كنت ـ شأنى فى ذلك شأن سائر رفاقى المجندين، بل وسائر المصريين والعرب، كنت لا أزال أشعر بالغصة والمرارة نتيجة للهزيمة الساحقة التى حلت بنا فى عام ١٩٦٧، والتى كانت سببا مباشرا فى تجنيدى بعد أن اتجه صناع القرار إلى استراتيجبة التوسع فى تجنيد حملة المؤهلات العليا حتى يكون الجندى المصرى قادرا على استيعاب الأسلحة التى تعتمد على التكنولوجيا العسكرية المتطورة، ورغم كوننا ما زلنا فى مركز التدريب، فإننا مع ذلك لم نتوقف قط عن متابعة ما يحدث فى الخارج عن طريق أجهزة الراديو الترانزستور التى كانت ممنوعة رسميا، لكن المسئولين كانوا يغضون النظر عن استخدامنا إياها، ما دام أن هذا كان يتم فى غير أوقات التدريب، وبشرط أن يقتصر على سماع الأخبار والبيانات العسكرية وخطابات السيدالرئيس!!، وأعود إلى يوم ٢١ مارس حين استمعنا إلى خبر خلاصته أن معركة كبرى تجرى حاليا فى قرية الكرامة الأردنية بين الفدائيين الفلسطينيين وإلى جانبهم القوات الأردنية من ناحية وبين القوات الإسرائيلية من ناحية أخرى، وأن الإسرائيليين يتكبدون خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات، رحنا نتتبع الأخبار فى محطات الإذاعة المختلفة التى كانت كلها تؤكد هذه الحقيقة وإن يكن هذا التأكيد بدرجات مختلفة تبعا لتوجه كل إذاعة وطبيعتها، لكن هذا فى مجمله كان يملأ نفوسنا بالحماس والنشوة التى كنا قد أحسسنا بطعمها لأول مرة منذ هزيمة ٦٧، عندما تابعنا أخبار معركة رأس العش التى دارت رحاها فى أول يوليو ١٩٦٧ والتى استطاعت فيها سرية صاعقة مصرية أن توقف تقدم القوات الإسرائيلية التى كانت تحاول الاستيلاء على موقع رأس العش القريب من بور فؤاد وأن تنزل بها خسائر فادحة !!ـ وها هى ذات النشوة تتكرر بعد تسعة أشهر تقريبا ونحن نتابع أخبار معركة الكرامة والغريب أن الرتب الأعلى سواء من ضباط الصف أوحتى من الضباط أنفسهم، كانوا يشتركون لأول مرة فى الإنصات إلى أجهزة الراديو التى كانت بحوزة بعض المجندين!، ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن كل واحد منا أيا ما كانت رتبته كان يشعر يومذاك أنه هو شخصيا المنتصر، ورغم أنى لم تتح لى يومها معرفة التفاصيل الدقيقة لمعركة الكرامة إلا أن ما عرفته كان كافيا لأن يسمح لطعم مختلف غير طعم المرارة أن يجد طريقه إلى الحلق، وهو نفس الطعم الذى شعرت به لأول مرة بعد النكسة عندما تابعت أخبار رأس العش فى أول يوليو ١٩٦٧كما سلفت الإشارة، فيما بعد عرفت التفاصيل الكاملة والدقيقة لمعركة الكرامة والتى نجملها فى أن إسرائيل ـ بعد أن تكررت عمليات الفدائيين الفلسطينيين المنطلقة من الأردن ـ قررت أن توجه ضربة ساحقة تقضى فيها نهائيا على قوات فتح التى يقودها ياسر عرفات، وفى نفس الوقت على قوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التى يقودها جورج حبش، ولكى تحقق هذه المهمة قامت بحشد قوات ضخمة تتمثل فى ثلاثة ألوية هى اللواء ٦٠ مدرع واللواء ٣٥ مظليين ومعه عشرون طائرة هليكوبتر لنقل المظليين واللواء ٨٠ مشاة، كما قامت أيضا بحشد خمس كتائب مدفعية مختلفة العيارات، وذلك كله بالإضافة إلى قواته الأصلية التى كانت فى وضع تماس مع القوات الأردنية بالإضافة إلى قواته الجوية التى كانت تسيطر على سماء المعركة، حيث بدأت المعركة عندما قامت إسرائيل بعبور نهر الأردن فى تمام الخامسة والنصف صباحا، من خلال ثلاثة محاور للعبور وشرعت فى احتلال منطقة الغور التى تقع فيها قرية الكرامة الأردنية، غير أنها فوجئت بما لم يكن فى حسبانها، حيث التحمت قوات جيش البادية الأردنى مع القوات الفلسطينية فى صد العدوان الإسرائيلى، واستمر القتال الضاري بين الطرفين، حيث سقط عدد كبير من القتلى والجرحى من الجانبين كما فقدت إسرائيل عددًا كبيرًا من المدرعات إلى حد أنها اضطرت فى الحادية عشرة والنصف صباحا لطلب وقف إطلاق النار، لكن الجانب الأردنى رفض الطلب واستمر القتال لمدة ست عشرة ساعة كاملة، حيث بلغت الخسائر الإسرائيلية مائتين وخمسين قتيلا بينما بلغت الخسائر الأردنية والفلسطينية ٨٨ شهيدا أما بالنسبة للمعدات فقد فقدت إسرائيل سبع طائرات و٨٨ آلية منها ٤٧دبابة و١٨ناقلة جنود وقد قامت المملكة الأردنية بعرض تلك المعدات فى الساحة الهاشمية.