رامي المتولي يكتب: حفل الأوسكار 94.. الوجه القبيح للصوابية السياسية

مقالات الرأي

رامي المتولي
رامي المتولي

الحفل تحول لما يشبه قاعة الاجتماعات فى الأمم المتحدة.. تضم ممثلين عن المهاجرين من كل بقاع العالم.. وتقدمه ٣ سيدات حتى لا تتهم الأكاديمية بمحاباة الرجال

 

فى السنوات الأخيرة ونتيجة مباشرة لتحركات جماعات الضغط صاحبة المصالح تحول حفل الأوسكار من مناسبة تحتفى بأفضل إنتاجات العام السينمائية وتكريم نجومها إلى منصة للتوجيه الأخلاقى والدفاع قسريًا عن الأقليات والمهمشين، الذين تحولوا بدورهم على مدار سنوات من الكفاح ضد الظلم والتهميش إلى مراكز قوى لا تحتاج إلى الدفاع عن نفسها

 

غطرسة القوة التى اكتسبتها جماعات الضغط من الملونين وأصحاب الميول الجنسية المختلفة والنسويات تحولت إلى وسائل للإرهاب وترويع أى شخص صاحب رأى مخالف وفرض وجودهم بشكل عنيف، كرد فعل على السنوات السابقة من الاضطهاد ليتحول الإنسان الأبيض صاحب الأصول القوقازية والذى كان مسيطرًا تحت دعوى عنصرية بحتة بتفوق سلالته عن باقى السلالات البشرية إلى مضطهد يعانى من العنصرية المضادة التى تكونت نتيجة عقود من الضغط والسيطرة وصلت لمرحلة من التجبر جعلت من الأفرو- أمريكيين ينسبون أى نجاح وتفوق فى الولايات المتحدة الأمريكية إليهم وتخطى الأمر أيضًا لنسب تفوق حضارات سابقة كالحضارة المصرية القديمة إلى أجدادهم من سكان وسط وجنوب قارة إفريقيا بذلك، وشيئا فشيئا تحولوا إلى العرق المتفوق فى اعتقاد معظمهم.

جنى مكاسب هذا التفوق بدأ مع انطلاق هاشتاج Oscar so White H h أو «أوسكار شديد البياض» كتصعيد للحملة الدعائية المضادة لأكاديمية علوم وفنون الصورة الأمريكية المانحة لجوائز الأوسكار واتهامها بشكل صريح بأنها تنحاز للعرق الأبيض، مطالبين بتواجدهم فى الجوائز والترشيحات بنسبة محددة وظهرت على أثر هذا الهاشتاج مطالبات ذات خطاب شعبوى من شخصيات فنية أفرو- أمريكية على رأسهم المخرج سبايك لى، لتتراجع الأكاديمية وتعدل من قوانينها استجابة للضغط الكبير الواقع عليها من كل الجهات سواء عن طريق وسائل الإعلام أو السوشيال ميديا وذلك بالتزامن مع فضح الممارسات الجنسية اللاأخلاقية فى هوليوود، تعالت أصوات جماعة ضغط عنصرية أخرى من النسويات مطالبات بنفس المطالب تقريبًا، مستغلان تردى وضع النساء العاملان فى الحقل الفنى وسيطرة الرجال على معظم أواصل الصناعة، كلتا الجماعتين تعتمدان فى مطالبتهما على قضايا عادلة ومشروعة لكن فى الحقيقة وبعد سنوات من هذه المطالبات يظهر بوضوح أن هذه الحملات ما هى إلا استغلال الوضع المتردى بهدف حصول البعض على مكاسب ولا دليل على ذلك سوى الشهرة الإضافية التى حصلوا عليها والأماكن التى أصبحت متاحة لمتوسطى وعديمى الموهبة منهم فى أكبر المحافل الدولية، غير عابئين بالتحول بدورهم إلى كيانات عنصرية ومتنمرة، وأن هذا فى الحقيقة دمر حفل الأوسكار المناسبة الفنية الأكثر متابعة على الكوكب وأنه سيدمر الصناعة قريبًا لو لم يٌكبح لجام هذه الجماعات بشكل قاطع وتستنكر مطالباتهم اللامنطقية.

حفل النسخة الـ٩٤ للأوسكار تحول لما يشبه قاعة الاجتماعات فى الأمم المتحدة التى تضم ممثلين عن المهاجرين إلى الولايات المتحدة من كل بقاع العالم، وعلى خشبة مسرح دولبى يقدم الحفل ٣ سيدات «حتى لا تتهم الأكاديمية بمحاباة الرجال» اثنتان منهن أصحاب بشرة داكنة «حتى لا تتهم الأكاديمية بالمحاباة إلى أصحاب البشرة البيضاء» يلقون مجموعة من النكات ساخرين من كل تفاصيل الصناعة، بعضها جيد ويدخل فى نطاق النقد اللاذع بسخرية كعادة مقدمى حفل الأوسكار على مدار تاريخه، وبعضها يعد تنمرًا وتدخلًا فى حيوات شخصية تصل إلى حد التقليل من الأشخاص وخياراتهم تحت دعاوى الصوابية السياسية والاجتماعية التى تضرب مبدأ الحرية الشخصية فى مقتل.

ظهر ذلك بوضوح من خلال الدعابة التى ألقتها إيمى شومر على ليوناردو دى كابريو ساخرة من نشاطه الخيرى فى الحفاظ على البيئة واختياراته فى علاقاته الشخصية من النساء، فى إشارة إلى كون صديقاته الحميمات أصغر سنًا منه، وهو الأمر الذى يعد تعديًا على الحرية الشخصية ونكتة فى غير موضوعها حيث تربط بين النشاط الخيرى العام والعلاقات الشخصية الخاصة، وتجمع هذان الموضوعان مع موضوع ثالث لا علاقة له بهما وهو الحدث الآنى فى حفل الأوسكار، الذى لم يكن ليوناردو دى كابريو حاضرًا له، حيث جرت العادة أيضًا أن يكون الشخص الذى تُلقى عليه النكات من ضمن الحضور، لتكتمل الدائرة بتفاعل هذا النجم مع النكتة أو رد فعله الذى تلتقطه الكاميرا مع مراعاة أن تكون هذه النكتة لها حدود واضحة لا تتخطاها، لكن ما حدث فى الحفل هو العكس تمامًا حيث أُطلقت العنان لنكات شديدة العنصرية والتنمر، ومن المؤكد أنه عند أى محاولة الرد عليها بأى شكل سيواجه الشخص المعترض بسيل من الهجوم الإلكترونى ومن وسائل الإعلام ستمثل ضغطًا آخر عليه.

وهو ما يقود للواقعة الأهم فى الحفل وهى المشادة التى حدثت بين أحد مقدمى جوائز الحفل وهو كريس تاكر وأحد حضوره وهو ويل سميث، والتى بدأت بنكتة متنمرة شديدة العنصرية تستهدف جيدا زوجة ويل سميث ومرضها، تبعها بأداء جسدى وحركى يؤكد تنمره وتخطيه حدود إلقاء نكتة ويتحول لاستغلال موقعه على المسرح فى استكمال الخلاف المستمر بين كريس روك وويل سميث وعائلته، ومع الاستفزاز المباشر يتحرك ويل لصفعه وسبه بشكل واضح بشكل غير مسبوق فى التليفزيون القومى الأمريكى، ليتلقى كريس الإهانة ويقف عند هذا الحد وينصاع لويل مضطربًا أمام لهجته القاطعة بأن للسخرية حدودً.

لن يتذكر أى شخص أيًا من تفاصيل الحفل، أو حتى لحظات الضحك أو الاحتفال كما هى العادة، لأن التاريخ قد وصم هذا النسخة بالعنصرية المضادة، ووصول الصوابية السياسية للمنابر العامة ووضع مثالا واضحا لما قد يحدث فى حالة تزايد الضغوط أو استفادة بعض الأشخاص المتنمرين من الأساس تصفية حساباتهم الشخصية تحت هذه الدعوى، ومن الممكن أيضًا أن يكون هناك متنمرون من ذوى البشرة الداكنة ويمارسون هذا التنمر أيضًا على من يماثلونهم ومن مجتماعاتهم المنغلقة، حيث تصفى الحسابات بشكل آخر، وأنه لا علاقة بين لون البشرة والتصرفات البشرية الغاضبة التى تحكمها عوامل كثيرة.