منال لاشين تكتب: هل نحن شعب غنى أم فقير؟

مقالات الرأي

منال لاشين
منال لاشين

 المصريون اشتروا شهادات بـ١٤٥ مليار جنيه فى ٧ أيام

دون تغيير العملة ستظل ثروات المصريين السرية بعيدة عن العيون

الطبقة المتوسطة بكل فئاتها تدفع ثمنًا مضاعفًا للضرائب وارتفاع الأسعار


 

كان أحد زملائى يتابع بقلق بالغ قيمة الشهادات الجديدة التى أطلقها بنكا الأهلى ومصر بفائدة ١٨٪، لم أفهم قلقه أو حتى علاقته بالموضوع، فشرح لى أن ارتفاع قيمة المبلغ الذى سيدفعه المصريون فى هذه الشهادات سوف يؤثر عليه سلبا (خراب بيوت) ليه يا عمنا.. قال: دلوقتى الحكومة ستقول دا شعب معاه فلوس كثيرة وتحملنا حاجات وضرائب جديدة.

الحقيقة أن هذا التفكير يراود كل الحكومات المصرية منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى، ولعل البعض لا يزال يتذكر أن وزير التموين الدكتور.. كان يبحث منذ أكثر من ١٥ عاما عن تحديد للفقراء وأعدادهم فى مصر حين تولى الوزير وزارة التضامن قبل ثورة ٢٥ يناير، ولا يزال عدد لا بأس به من الاقتصاديين والخبراء يغرقون فى بحث الإجابة عن السؤال الكبير هل الشعب المصرى شعب غنى أم شعب فقير؟ بل إن هذا السؤال يكاد يطارد كل المصريين فى شهر رمضان الكريم؟، حيث يحبس الناس بين طرفى مطرقة من إعلانات الفيللات الفاخرة جدا والغالية جدا جدا، وإعلانات التبرع للفقراء والمحتاجين فى كل المجالات من غذاء وعلاج ومياه وتعليم.

 

فى إحدى سنوات ما قبل ثورة ٢٥ يناير استطاعت محافظة أسيوط أن تتقدم على محافظة سوهاج فى الفقر، أو بالأحرى فى لقب أكثر محافظات الصعيد فقرا، وبدا التقرير الأممى صادمًا للحكومة والكثير من الخبراء، لأن أسيوط هى المحافظة الأعلى من حيث سعر أراضى البناء والشقق، وهى تتفوق فى سعر المتر على المناطق الراقية فى مصر مثل الزمالك أو المنتجعات الفاخرة.

مرة أخرى صدم المجتمع حينما طرحت الحكومة شركة قطاع عام فى البورصة فتمت تغطية القيمة المالية للأسهم بنحو أربعة أضعاف، كما أن أخبار النصابين والمرتاحين كانت تتوالى بضياع أكثر من مليار جنيه من مواطنين دفعوها عن طيب خاطر للنصابين من أجل الاستثمار.

وبعد ثورة ٣٠ يونيو والاقتصاد المصرى فى ذروة أزمته، والعشوائيات تمثل أزمة حاسمة ونسب الفقر تزيد بعد عام حكم الإخوان، بين كل هذه المظاهر الفقيرة فاجأ المصريون العالم كله حينما دفعوا فى ٨ أيام عمل للبنوك ٦٤ مليار جنيه فى شهادات قناة السويس الجديدة.

ويمكن أن تمنحنا أرقام الاستيراد والمبيعات لبعض سلع الرفاهية مثل المجوهرات والحلويات والأجبان وأطعمة القطط والكلاب أدلة دامغة على أننا شعب غنى جدا، ومرتاح جدا جدا. فى المقابل فإن الفئات المتوسطة من الطبقة المتوسطة تقدم لنا صورًا من المعاناة والضغوط التى تعيشها، وفى ظل ارتفاع صوت هذه الطبقة بالشكوى من الضغوط وهرولة الحكومة لإجراءات تخفيف هذا الضغط، اصطف المصريون فى طوابير طويلة لشراء أجهزة آيفون أتاحتها شركة بالتقسيط.

ومن هنا ظلت إجابة السؤال هل نحن شعب غنى أم فقير مفتوحة أمام معظم الحكومات والخبراء؟.

 

فى العالم كله يوجد معيار لتحديد الفقراء ويعتمد على الدخل السنوى مقوما بالدولار، فإذا كان دخل الفرد أقل من هذا الرقم العالمى يعد من الفقراء، أما إذا زاد عن هذا الرقم خرج من دائرة الفقر، ومعدل الفقر فى هذا العالم هو ١٫٩ دولار فى اليوم ويترجم فى مصر بدخل شهرى نحو ١٠٥٠ جنيهًا، وهناك حد آخر للفقر فى الدول متوسطة النمو ويبلغ ٣.٢ دولار فى اليوم، وبذلك يكون الدخل الشهرى لحد الفقر فى مصر دخلًا قدره نحو ١٨٠٠ جنيه.

ولكن المشكلة الكبرى فى مصر أنه لا يمكن معرفة الدخل السنوى أو الشهرى أو ثروات الكثير من المصريين لأسباب متعددة منها ارتفاع هائل فى حجم الاقتصاد غير الرسمى أو رفض النسبة الأكبر من المصريين التعامل مع البنوك، وعدم تسجيل العقارات والأراضى كأحد مصادر الثروة وأخيرا التجارة غير المشروعة بجميع أنواعها، ولذلك لم تستطع أى حكومة معرفة الدخول الحقيقية لمعظم المصريين، ولم تستطع بالمثل معرفة ثروات المصريين وتوزيعها. وظل ملايين من المصريين يحتفظون بسرية تامة بأموالهم وثرواتهم فى شكل ذهب أو عقارات أو دولار، وبمعزل تام عن الرقابة أو الضرائب بما فى ذلك شريحة لا يستهان بها من المهنيين خاصة الأطباء والمعلمين والمحامين.

 

هناك فئة من المجتمع المصرى شديدة الثراء، الفلوس عندهم زى الرز، ولا يمكن لأى حكومة أو بالأدق مصلحة ضرائب حصر ثرواتهم أو دخلهم، وهم السلفيون فى مصر أو بالأحرى أثريائهم، ويكفى للتدليل على صحة هذه المعلومة ما فعله بعض كبار شيوخ السلفية بعد ما وصل الإخوان والسلفيون للحكم. أراد السلفيون إطلاق بنك إسلامى يعمل وفق تصوراتهم الشرعية، فذهب وفد منهم إلى محافظ البنك المركزى فى ذلك الوقت الدكتور فاروق العقدة، وفوجئ كل من بالبنك المركزى بأنهم يحملون حقائب سفر من الحجم الكبير جدا، ولكن المفاجأة الأكبر كانت أن هذه الحقائب مملوءة بنحو ٣٠٠ مليون جنيه على الأقل، وكان الشيوخ وبينهم قيادات من حزب النور يتصورون أنه من الممكن دفع رأسمال البنك كاش، وعرضوا على العقدة أن يدفعوا مليار جنيه لو وافق، ولكن المحافظ شرح لهم أن البنك المركزى لايمكن أن يوافق على إنشاء بنك بهذه الطريقة، وأن هذا المال غير معلوم المصدر، وأن هناك قواعد قانونية لإنشاء البنوك فى مصر، وتأتى مصادر أموال السلفيين من الخارج والداخل، وباستثناء ما يتم تحويله إلى جمعيات مشهرة فى مصر، فإن معظم الأموال أو التبرعات لا يتم الإعلان عنها أو معرفة حجم هذه التبرعات، ولا يكتفى الشيوخ بذلك بل إن فتاويهم بتحريم عمل البنوك تحرم الحكومة من معرفة دخل الأسر السلفية فى مصر وبالتالى التهرب أيضا من الضرائب.

 

أما الفئة الوحيدة التى تعد الفريسة السهلة للضرائب لمعرفة دخلها وتحمل أى أعباء جديدة فهى فئة الموظفين من جميع الأنواع داخل وخارج الحكومة، ويعرف هؤلاء أيضا باسم أصحاب الدخل الثابت، هذه الفئة تدخل الضرائب والشرفاء منهم تستطيع الحكومة تحديد دخلهم بدقة، بالإضافة إلى ذلك فإن كل التجار والمهنيين يستطيعون نقل أعباء ارتفاع الأسعار عنهم، وذلك من خلال زيادة أسعار سلعهم أو خدماتهم مرة أخرى.

 

أعتقد أن استمرار جهلنا جميعا بإجابة سؤال هل نحن شعب غنى أو فقير؟، أو بالأحرى معرفة الأثرياء السريين يعد فضيحة بحثية، وعبئًا اقتصاديًا ضخمًا وإهدارًا لأموال الضرائب وبعض أنواع الدعم مثل البنزين وأخواته أو التموين.

وحتى الآن لم يعرف العالم سوى حل فريد ووحيد وناجح وناجز وقد جربته فى أكثر من دولة مشابهة لظروف المجتمع المصرى مثل الهند. هذا الحل هو تغيير العملة الوطنية أو بالأحرى شكل فئات العملة، ولأن هذا التغيير يجبر كل المواطنين على تسليم أموالهم إلى البنوك لاستبدالها بالفئات الجديدة للعملة، ومن خلال هذه العملية سوف تتعرف الحكومة على ثروات الشعب المصرى المالية كاملة وبالأحرى معرفة الأثرياء السريين والإمساك بهم، وبالتالى زيادة حجم الضرائب وتعديل هيكل الدعم دون المساس بالفقراء والطبقة المتوسطة، وهذا الحل ليس جديدا على مصر فقد قامت به مصر بعد ثورة ٢٣ يوليو عام ٥٢ حينما أصدر مجلس قيادة الثورة قراره بتعديل العملة المصرية، وقد تصور البعض أن الهدف من القرار هو مجرد إنهاء شعار الملكية وصورة الملك، ولكن الحقيقة أعمق من ذلك فالسبب الأول والأخير هو إجبار الأثرياء على كشف أموالهم التى يخزنونها فى خزائنهم، وقد نجحت الفكرة تماما، وكانت الترع تشهد بعد القرار الأوراق المالية القديمة تطفو عليها، وهى الأموال التى لم يقم بعض الأثرياء بتغييرها لأنهم لم يصدقوا جدية القرار.

أرجوكم فكروا وادرسوا جيدا حل تغيير العملة حتى نعرف الغنى من الفقير.