مصر من 50 سنة

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

السادات طلب من بليغ حمدى التلحين للنقشبندى فصنعوا رائعة «مولاى»

قراء مصر يطيرون لإحياء رمضان فى ٣٥ دولة.. وإمساكية رمضان بالفرنسية للجاليات الإسلامية

القوات المسلحة ترسل الجنود لأداء عمرة رمضان.. والدولة تلغى نظام الأفواج

 

يمثل شهر رمضان قيمة كبيرة فى نفوس المصريين وينتظرون قدومه ويستقبلونه بحفاوة على مر العصور، فعلى مر التاريخ نجد احتفالات المصريين بشهر رمضان لها طابع خاص، مهما اختلفت الأحداث والظروف نرى الشوارع بزينتها البراقة والأطفال بفوانيسهم المضيئة فى كل أنحاء الجمهورية، ولكل عصر احتفالاته الدينية الخاصة التى ترتبط بالأحداث، إلا أننا فى النهاية نجتمع فى كل العصور على شعور بـ«السعادة» بالشهر الكريم، وأبرز ما نراه هو احتفال المسلمين والمسيحيين به كل عام.

ولذلك حرصت «الفجر» على قراءة التاريخ المصرى للتعرف على أجواء شهر رمضان الكريم منذ خمسين عامًا، وكيف كان تأثير الدين على المصريين وقتها، وخاصة أنه منذ ٥٠ عامًا وتحديدًا فى عام ١٩٧٢، كانت تمر مصر بظروف أشد قسوة من وقتنا وهو عام التمهيد لحرب أكتوبر ١٩٧٣.

 

كانت الصوفية هى المذهب الأبرز عند المصريين، فاعتلى شيوخها المنابر، وامتلأت صفحات الجرائد بالمتحدثين عنها وقتها، حيث كان يهتم بها الفئة الأكبر من المجتمع، وتقيم الندوات والاحتفالات بالشهر الكريم، ورغم أنه فى تلك الفترة كان يتم رفض دمج الموسيقى بالدين إلا أن ابتهال مولاى مثّل نقلة كبيرة فى قبول الصوفية بفن الموسيقى بشكل عام.

وهز ابتهال «مولاى إنى ببابك» وجدان المصريين عندما أطلقه النقشبندى عام ١٩٧٢، وأصبح علامة مميزة لشهر رمضان على مدار الخمسين عامًا الماضية حتى الآن، ولا يزال يقدم عبر المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية العربية خلال شهر رمضان المبارك، وفى المناسبات الدينية الأخرى، حيث التقى الرئيس الراحل محمد أنور السادات خلال احتفاله بخطبة إحدى بناته، مع الشيخ سيد النقشبندى والموسيقار بليغ حمدى والإذاعى وجدى الحكيم، فطلب من بليغ حمدى أن يلحن للنقشبندى، وصنعوا ابتهال «مولاى» الذى عاش فى قلوب الملايين.

 

كان الأزهر فى عام ١٩٧٢ منارة العالم التى ترسل شيوخها لإحياء ليالى رمضان وقراءة القرآن فى مساجد الدول العربية والأجنبية، فأرسلت مصر ٧٠ قارئًا إلى ٣٥ دولة منهم الشيخ مصطفى إسماعيل لليبيا والشيخ عبدالباسط عبدالصمد إلى الكويت والشيخ خليل الحصرى إلى أبو ظبى، والشيخ أبوالعنين شعيشع إلى فرنسا، وغيرهم إلى دول أخرى.

 

أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى هذه الفترة ربع مليون إمساكية تم طباعتها باللغة الفرنسية بتوقيت فرنسا، وذلك لتوزيعها على الجاليات الإسلامية هناك والتى بلغ عددها فى هذا الوقت ٣ ملايين مسلم للتهنئة بحلول رمضان.

 

حرصت القوات المسلحة المصرية فى ذلك الوقت على رفع الروح المعنوية لجنودها فأرسلت ٨٠٠ مقاتل من الجبهة لأداء عمرة رمضان على نفقتها الخاصة وأرسلت ١٦٨ من أسر شهداء يونيو ١٩٦٧ أيضًا.  وفى هذا العام تحديدًا تم إلغاء سفر الأفواج تسهيلًا على المصريين للسفر إلى العمرة كأفراد دون الارتباط بفوج محدد وساهم هذا القرار فى زيادة الإقبال على عمرة رمضان لهذا العام.

وحرصت الدولة على استمرار رحلات العمرة بالرغم من تفشى وباء الكوليرا خلال هذه الفترة بسوريا وبدء انتشاره فى لبنان، مشترطة الحصول على شهادة تطعيم دولية مجانية للسماح بالسفر، بالإضافة إلى توفير أدوية للعائدين من العمرة ضد الجدرى والكوليرا، وكان المعتمرين فى هذا الوقت يحصلون على بدل نقدى تم زيادته إلى مبلغ تتراوح قيمته بين ٣٠ إلى ٥٠ جنيهًا.

 

كانت مصر تمر بظروف سياسية قاسية تمهيدًا لحرب أكتوبر، فكانت عناوين الصفحات الدينية فى رمضان أغلبها عن الجهاد والدفاع عن الوطن، وخصصت الجرائد مساحات كبيرة للمقالات الدينية للحديث عن الجهاد.

وكان للاتحاد الاشتراكى دور كبير فى احتفالات رمضان وتنظيم برامج ثقافية ومعونات للفقراء ووصلت الندوات الدينية إلى ٢٠ ألف ندوة بمكاتب الاتحاد والمساجد خلال رمضان. وبالنسبة لوزارة الثقافة، فحرصت على توفير القوافل الدينية لزيارة المحافظات النائية خلال رمضان، وعقدت من خلالها ٢٥٠ ندوة دينية لربط المعركة بالدين، بجانب السهرات التى عقدت فى ٦٠ قصرا ثقافيا خلال الشهر الكريم للحديث عن البطولات الإسلامية والوحدة العربية.

 

حرصت الصحف المصرية آنذاك على نشر أبرز الفتاوى التى تشغل المصريين خلال رمضان وكانت أبرز الفتاوى منذ ٥٠ عامًا حول «التدخين»، حيث أقرت الإفتاء أن التدخين حرام شرعًا واحتلت تلك الفتوى عناوين الصحف، وأيضًا فتوى الصيام عن المتوفى وأكدت الإفتاء أنه لا يجوز صيام رمضان أو الصلاة عن المتوفى وأن إخراج الصدقات أولى والدعاء له.

 

فى هذه الفترة أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المصحف المجود بمناسبة رمضان، محمل على ١٢٠ أسطوانة للشيوخ «مصطفى إسماعيل، محمود خليل الحصرى، عبدالباسط عبدالصمد، محمود على البنا» وكان سعره ٦٤ قرشًا للأسطوانة.

وأصدر مجمع البحوث الإسلامية المصحف المفسر بالألوان على الهامش لأول مرة فى العالم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، بينما أهدى مجلس الشئون الإسلامية مجموعتين من المصحف المجود والمرتل، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية إلى الجالية الإسلامية فى فنلندا بواسطة السفير جمال بركات.

 

وكان الكتّاب والمثقفون يحرصون مع حلول شهر رمضان المبارك على إصدار كتب دينية جديدة، فطرحت دار المعارف مجموعة من الإصدارات الدينية التى وصل عددها إلى ١٥ كتابًا أبرزها؛ تفسير الطبرى، والأديان فى القرأن، والتفسير العلمى للآيات الكونية، والتفسير البيانى للقرآن الكريم لبنت الشاطئ، فيما أصدر الكاتب أحمد بهجت كتاب اسمه «الصائمون والله أعلم» والذى تناول فيه صور ساخرة من حياة الناس والمجتمع فى الشهر الفضيل والعادات والتقاليد عند المصريين فى هذه الفترة.