هل تندلع حرب فى الشرق؟

العدد الأسبوعي

حرب روسيا وأوكرانيا
حرب روسيا وأوكرانيا

بكين تراقب وأمريكا تستعد والعالم يحبس أنفاسه من جديد

احتلال الصين لجزيرتى كينمين وماتسو فى تايوان يعيد للأذهان استيلاء روسيا على القرم

 

عندما أمر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بدخول أول جندى من قواته البالغ عددها ١٩٠ ألف جندى إلى أوكرانيا فى ٢٤ فبراير الماضى، كان للغزو تأثير زلزالى على أوروبا والعالم الغربى، لكن شعرنا بهزات على بعد حوالى ٥٠٠٠ ميل إلى الشرق، وسرعان ما أصبحت تايوان قضية شائكة بدورها، حسب تحليل لمجلة نيوزويك.

لسنوات، كان العالم يتكهن بقلق بشأن متى سيفى الرئيس الصينى شى جين بينج أخيرا بتعهد الحزب الشيوعى الصينى بضم تايوان، وهى جزيرة تقع قبالة الساحل الشرقى لجمهورية الصين الشعبية، وهى شرارة تهدد بإشعال حرب ساخنة بين بكين وواشنطن، أوكرانيا تقدم لبكين نافذة ضبابية على مستقبلها، حيث إن الصعوبات التى تواجهها روسيا فى أوكرانيا، وصراع موسكو للسيطرة على كييف ضد مقاومة شرسة ومسلحة جيدا وذات دوافع عالية، كلها أمور أثارت مخاوف الصين بشأن إمكانية تحركها لضم تايوان.

عندما أذاع الكرملين خطاب بوتين المسجل مسبقًا ومدته ساعة تمهيدًا لغزو أوكرانيا الشامل الذى سيعقب ذلك بثلاثة أيام، قام بتأطير الروس والأوكرانيين على أنهم «شعب واحد»، التشابه قد يبدو مألوفا بشكل مخيف لأولئك فى تايوان.

ولاستخدم القادة فى بكين روايات تاريخية مماثلة لعقود، حيث تشبه الصين سكان الجزيرة البالغ عددهم ٢٣.٥ مليون نسمة بالرهائن السياسيين الذين تعرضوا للتضليل من قبل عصابة صغيرة من الانفصاليين الراديكاليين بدعم من الولايات المتحدة.

تحدث بوتين عن المساعى الروسية حول تحرير الشعب الأوكرانى الذى عانى طويلا من قطاع الطرق والنازيين الجدد، وقيل إن جنوده سيرحبون بالزهور والابتسامات، ويبدو أن هناك صورة مماثلة موجودة داخل ذهن الرئيس الصينى شى جين بينج وأولئك الذين هم فى دائرته الداخلية فيما يتعلق بتايوان.

تعتقد ديدى كيرستن تاتلو، زميلة كبيرة وخبيرة فى الشئون الصينية فى المجلس الألمانى للعلاقات الخارجية فى برلين، أن بوتين ربما استعار الفكرة من شى - مثال على «التعلم الاستبدادى»، على حد قولها- «فى تأطير ومزاعم انتماء أوكرانيا من الناحية التاريخية لروسيا وعلى النحو الذى يحرمها من إقامة دولة أو حتى التمتع بهويتها الخاصة، كما فعلت الصين على مدى عقود مع تايوان».

 

تدرك الصين أن التقدم العسكرى الروسى كان أبطأ مما كان متوقعا، خرجت القوات الغازية عن العقيدة الروسية التى تعتمد على الاستخدام الساحق للمدفعية والنيران بعيدة المدى - الصواريخ والقاذفات- لتخفيف دفاعات الكتيبة التكتيكية التى ستسحق بعد ذلك القوات الآلية الأوكرانية.

إن النصر العسكرى الروسى سيتبعه حتما مقاومة حرب عصابات راسخة وقوية، من المرجح أن يتم تمويلها وتسليحها وتدريبها من قبل الجيوش ووكالات الاستخبارات الغربية، ويبدو أن الصدمة التى لحقت بالنظام الأوروبى قد وحدت الناتو والاتحاد الأوروبى، على الرغم من أن كلا الكتلتين تعرضا لانتقادات من قبل شركائهم الأوكرانيين لعدم قيامهم بما يكفى لإقناع موسكو بالتراجع.

ومع ذلك، فقد أدى العدوان الروسى إلى إعادة اصطفاف الغرب بشكل غير مسبوق، ألمانيا تعيد التسلح، الإعلان عن وفاة خط أنابيب نورد ستريم ٢، السويد وفنلندا تناقشان عضوية الناتو، وسويسرا تفرض عقوبات مالية.

لا شيء من هذ يصب فى المصالح الاستراتيجية طويلة المدى لروسيا، وفى ساحات القتال المستقبلية النظرية، حيث قد تتغير حسابات بكين.

 

توقع المحللون فى تايبيه وواشنطن منذ فترة طويلة أن هجوما صينيا يمكن أن يبدأ بتقدم محدود فى جزيرتى كينمين وماتسو النائيتين فى تايوان، واللتين تقعان على مسافة قصيرة من البر الرئيسى الصينى.

ومع ذلك، فإن الاستيلاء على تلك الأراضى دون اتخاذ خطوة ضد تايوان نفسها يمكن أن يكون له تأثير مشابه للتأثير الذى شوهد بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم واحتلال دونباس، إنه يخاطر بخسارة دعم القطاعات الصديقة للصين ومن المرجح أن يقوى الهوية الوطنية فى تايوان والاصطفاف مع الغرب.

من المؤكد أن مخططى الدفاع فى تايوان لا يعتقدون أن توغلا بسيطا هو السيناريو الأكثر ترجيحا أيضا، خلال جلسة استماع فى ١٠ مارس فى المجلس التشريعى للجزيرة، توقع وزير الدفاع التايوانى، تشيو كو تشينج، حملة عسكرية واسعة النطاق تكتمل بهجمات على جميع الأراضى بالإضافة إلى هجوم برمائى سريع ومتزامن.

قال لأحد المشرعين: «الهدف من أى غزو من قبل الحزب الشيوعى الصينى هو احتلال تايوان، إنهم قادرون بالفعل على الاستيلاء على كينمن والجزر النائية الأخرى، فلماذا لم يفعلوا ذلك؟ لأنهم بحاجة إلى أن يكونوا واثقين من تحقيق النتائج المستهدفة. يمكنهم القيام بذلك فى محاولة واحدة، وإذا لم يفعلوا ذلك، فسوف ينتهى بهم الأمر فى نفس الموقف الذى تواجهه روسيا فى أوكرانيا.

تتوقع بونى جلاسر، مديرة برنامج آسيا فى صندوق مارشال الألمانى، أن يدرس الجيش الصينى عن كثب العملية الروسية فى أوكرانيا قبل استخلاص دروس واضحة، وقالت: «أحد الدروس المحتملة هو أن الضربة الأولية يجب أن تستخدم مستويات كبيرة من القوة»، «إذا قامت تايوان باستعدادات مهمة للدفاع الإقليمى، فسيتعين على جمهورية الصين الشعبية أن تأخذ ذلك فى الاعتبار فى تخطيطها بطرق ربما لم تفعلها فى الماضى».

مثل أوكرانيا، ستكون القوات المسلحة التايوانية فى وضع غير مؤات عدديا مقارنة بالقوة الغازية، ومع ذلك، فإنهم سيقاتلون أيضا على أرض الوطن بأسلحة ومعدات أمريكية الصنع ومحلية، يتمتع المدافعون ببعض المزايا الجغرافية التى تدعمهم، بدءا من مضيق تايوان الذى يبلغ عرضه ١٠٠ ميل، والذى تشوبه ظروف البحر السيئة فى مواسم معينة وغير مناسب للعبور.

تعتقد كريستينا تشين، الزميلة البحثية المساعدة فى معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطنى فى تايبيه، أن أهمية الأسلحة المضادة للدروع والأسلحة المضادة للطائرات لصد الغزو هى بالفعل درس مهم من الصراع فى أوروبا.

وقالت تشين إن «تدريب الميليشيات وقوات الاحتياط سيكون ضروريا إذا تم استخدام كميات هائلة من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات بشكل فعال»، «كما تمكنت أوكرانيا من الحفاظ على غالبية قوتها القتالية (الدبابات والطائرات) سليمة، والأهم من ذلك كله، أن نظام دفاعها الجوى لم يتعطل كثيرا، ونتيجة لذلك، لا يتمتع الروس بميزة تامة فى الجو، ويمكن للقوات الأوكرانية شن هجمات عند الضرورة، وتظهر التجربة الأوكرانية أن قوة دفاعية صغيرة تعمل على أرض الوطن يمكن أن تكون قوية». لا يمكن معرفة ما إذا كان الجمهور التايوانى سيقاوم غزوا صينيا من خلال شكل من أشكال التمرد أم لا، قلة هم الذين توقعوا مستوى العزيمة بين المدنيين فى أوكرانيا، وتجرى تايوان إصلاحات للاحتفاظ بالتدريب والتعبئة المدنية، وهى خطوات يعتقد الكثيرون أنها لا يتم تنفيذها بإلحاح كاف.

تظهر الاستطلاعات الأخيرة أن رغبة الجمهور فى القتال موجودة، أظهر أحد الاستطلاعات التى أجريت على حوالى ١٣٠٠ تايوانى أجرته مؤسسة تايوان للديمقراطية ومركز دراسات الانتخابات التابع لجامعة تشنغتشو الوطنية فى أواخر عام ٢٠٢١ أن ٧٢.٥ بالمائة كانوا على استعداد للقتال من أجل بلادهم إذا استخدمت الصين القوة ضدها.

 

فى جلسة استماع للجنة المخابرات بمجلس النواب يوم ٨ مارس، قدرت مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية أفريل هينز أن الصين كانت بالفعل أكثر ترددا فى غزو تايوان مما كانت عليه قبل عدة أشهر فقط.

وفى الجلسة نفسها، قال مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إن بكين «فوجئت» بمقاومة أوكرانيا وقوة رد الفعل الغربى، لكن كليهما قالا إن تصميم القيادة الصينية واستعدادها لاستخدام القوة العسكرية لا ينبغى تجاهلهما.

ربما كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو استجابة القطاع الخاص لحرب بوتين، حيث انسحبت أكثر من ٣٠٠ شركة من روسيا، بما فى ذلك عمالقة الطاقة BP وShell وExxonMobil، وفقا لقائمة متزايدة جمعتها كلية ييل للإدارة.

رد فعل مماثل على هجوم على تايوان ليس مؤكدا على الإطلاق، على الرغم من العواقب الهائلة التى يمكن أن تحدثه على سلاسل التوريد العالمية والاقتصادات الكبرى، يمكن أن يكون افتقار تايوان للعلاقات الدبلوماسية الرسمية مع معظم دول العالم أحد العوامل، وقد يكون غياب تمثيلها داخل منظومة الأمم المتحدة أمرا آخر، لكن الاعتبار الرئيسى سيكون مركزية السوق الصينية للاقتصاد العالمى، كما يقول الخبراء.

وقالت جلاسر: «من المرجح أن تتفاجأ بكين بدرجة الوحدة فى المجتمع الدولى الذى يدين الغزو - ١٤١ دولة فى الأمم المتحدة - خاصة الدعم الواسع للعقوبات»، «ومع ذلك، من غير المؤكد إلى أى درجة ستكون البلدان مستعدة لفرض مثل هذه العقوبات القاسية على الصين، التى تعد ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وأكبر شريك تجارى لأكثر من ١٠٠ دولة، وأضافت: « فى رأيى، إذا قررت جمهورية الصين الشعبية أنه من الضرورى استخدام القوة ضد تايوان، فالظروف ستكون رهيبة للغاية، وستكون القيادة الصينية قد قررت أنها مستعدة لدفع تكلفة باهظة». قد يكون المحللون الاقتصاديون فى بكين قد بدأوا بالفعل فى تحليل الأرقام لتحديد التأثير المالى للعقوبات الغربية على بعض القطاعات الحيوية، لمعرفة ما إذا كانت الصين - أو متى - قد تمتلك الإمكانيات اللازمة لمواجهة عاصفة مماثلة.

 

بالنسبة للصين، أن احتمال تلقى تايوان دعما عسكريا أجنبيا يعد المتغير الأكبر فى صراع افتراضى عبر المضيق ضمن عدد آخر من المتغيرات التى تفكر فيها بالفعل، حيث يرى معظم المحللين بالفعل أن المخططين العسكريين فى بكين يأخذون تدخل الولايات المتحدة فى الاعتبار كحد أدنى، فى المقابل سوف تهدف بكين إلى ردع واشنطن من خلال استهداف القواعد الأمريكية فى اليابان وغوام وهاواى.

قبل عدة أشهر من الغزو الروسى، عندما أوضح الرئيس جو بايدن أن القوات الأمريكية لن تقاتل فى أوكرانيا، اعتُبرت خطوة حكيمة يمكن أن تقلل إلى حد كبير من احتمال حدوث صدام نووى مع بوتين، إذا تعلق الأمر بالدفاع عن تايوان، فستواجه الولايات المتحدة قرارا صعبا مماثلا عندما يواجهها خصم يمكن القول إنه أكثر قدرة وسرعة فى التحديث فى الصين.

ومع ذلك، لا يزال موقف واشنطن بشأن هذه المسألة غامضا بشكل مقصود - فهى لن تلتزم أو تستبعد علانية إمكانية الدفاع عن تايوان عسكريا، فى جلسة استماع للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب فى ٩ مارس، أخبر إيلى راتنر، مساعد وزير الدفاع للشئون الأمنية فى المحيطين الهندى والهادئ، المشرعين أن رد أمريكا سيكون مختلفا. وقال «أنا واثق من أن بعض أقرب شركائنا سيكونون معنا فى حالة حدوث طوارئ فى تايوان». يبقى السؤال، هل من الممكن أن تندلع حرب جديدة فى الشرق، وكيف يمكن أن يتأثر اقتصاد العالم الذى يعانى بالفعل من أزمة كارثية؟ قد تتوقف إجابة هذا السؤال على نتائج الحرب فى أوكرانيا ومدى نجاح روسيا فى تحقيق أهدافها.