عائشة نصار تكتب: حياة بومدين وأميدى كوليبالى.. من البكينى إلى الكلاشينكوف

مقالات الرأي

عائشة نصار
عائشة نصار

«أصبحتُ متدينة بتأثير الحب».. العبارة الصريحة والمباشرة كانت إجابة «حياة بومدين» على استجوابات الشرطة الفرنسية عام ٢٠١٠، لخصت بها سر تحولها من فتاة باريسية ترتدى البكينى مع حبيبها وتنغمس فى الحفلات الصاخبة، إلى أخرى مغايرة تحمل الكلاشينكوف وتظهر فيديوهات داعش الدعائية.

 

كما كشفت بها أيضًا عن مدى تأثير قصة العشق المتبادلة والملتهبة، بينها وبين أميدى كوليبالى، أحد أشهر الإرهابيين على المستوى الدولى خلال السنوات الأخيرة.

 

ولدت الفتاة الفرنسية، من أصول جزائرية، لأب اتخذ قرار الهجرة من مسقط رأسه المغاربى، إلى فرنسا، فى بداية السبعينيات، لكنه لم ينجح فى تحقيق أى من أحلامه التى أجهضتها جميعًا، صخرة الواقع فى البلد الأوروبى الكبير، فكان أقصى ما نجح فى تحقيقه، هو العمل لعدة سنوات كعامل لـ «الدليفرى».

ثم تعقدت الأحوال أكثر عام ١٩٩٤، بوفاة زوجة بومدين التى تقتسم معه رعاية أسرتهما كبيرة العدد، فأصبحت رعاية الأطفال مهمة أكثر صعوبة.

وما كان منه فى النهاية، إلا أنه اضطر إلى وضع أبنائه السبعة، بمن فيهم «حياة» التى لم تتجاوز السنوات الست من عمرها، فى مؤسسة اجتماعية لرعاية الأطفال.

نشأت «حياة» وفقًا للأوضاع الجديدة طفلة هادئة تميل إلى العزلة، ثم كمراهقة وشابة أوروبية كاملة، بكل القيم الغربية، ترتدى البكينى، وتنغمس فى الحياة المفتوحة، وتصادق الأطفال من الجنسين.

ثم تأتى اللحظة الفارقة فى عام ٢٠٠٧، بلقائها بأميدى كوليبالى.. اللقاء الذى سيحول حياتها ويقلبها رأسًا على عقب إلى الأبد.

 

تعرفت بومدين على كوليبالى عبر أصدقائهما المشتركين، فكان صديقًا لحبيب زميلة سابقة لها فى الدراسة، (وفقًا للوقائع التى أوردها، كتاب «النساء والإرهاب.. دراسة جندرية»، لآمال القرامى ومنية العرفاوى).

ومنذ اللحظة الأولى، جمعتها بـ«دوللى» كما يطلق عليه أصدقاؤه، أزمة الهوية، وظروف النشأة المشتركة.

فرنسيًا هو الآخر من أصول مالية، يحتل الترتيب السابع بين عشرة أشقاء، حيث تسكن العائلة فى واحد من أكثر أحياء باريس فقرًا.

وهى النشأة التى قادت كوليبالى بعد ذلك إلى جرائم السرقة والسطو المسلح، وبيع المخدرات فى بعض الأحيان، منذ سن صغيرة، وأدت إلى دخوله السجن للمرة الأولى، وهو لا يزال قاصر فى الـ١٦ عامًا من عمره، ثم توالت مرات دخوله السجن بعد ذلك.

 

لكن المجرم الشاب الذى أحبته حياة بومدين، خرج من السجن هذه المرة إرهابيًا كامل الإعداد والتجهيز، حيث جرى تجنيده فى السجن، والتقى بصديقيه المقربين شريف وسعيد كواشى اللذين سيقدمان على تنفيذ مذبحة شارلى إبدو الدامية بعد ذلك، وتحول إلى سجين متشدد لايخالط إلا زملاءه من السلفيين فقط.

أيضًا وبعد الإفراج عنه، وكما بدأ كوليبالى فى تغيير زيه إلى ارتداء الجلباب أغلب الأحيان، وتزوج حبيبته حياة بومدين زواجًا شرعيًا عام ٢٠٠٩، تغير مظهر «حياة» أيضًا من الفتاة الأوروبية، إلى أخرى قررت الاستقالة من وظيفتها كأمينة صندوق بأحد المتاجر، ثم بدأت فى تغيير ملابسها وارتداء النقاب.

وبعد خروجه من السجن سعت السلطات الفرنسية إلى مساعدة كوليبالى فى الحصول على فرصة عمل جديدة وسهلت له التعاقد أكثر من مرة مع شركة كوكاكولا.

أما المفارقة الأكبر فكانت فى اختياره ضمن ١٠ من الشباب المفرج عنهم للقاء الرئيس الفرنسى الأسبق ساركوزى فى قصر الإليزيه عام ٢٠٠٩.

أى قبل عام واحد من القبض على أميدى كوليبالى، ولكن بتهمة إرهابية هذه المرة، وهى محاولة تهريب الداعية الجزائرى المتشدد إسماعيل آيت على بلقاسم العضو السابق فى الجماعة الإسلامية المسلحة فى الجزائر، عام ٢٠١٠.

وهو التاريخ الذى تعرف فيه الرأى العام الفرنسى لأول مرة على الثنائى بومدين وكوليبالى، حيث جرى إذاعة فيديو لهما أثناء التدريب على رياضة الرماية بسلاح القوس الإلكترونى فى منطقة كانتال جنوبًا، فى مكان مملوك للإرهابى جمال بغال، المتهم بالتخطيط لتفجير السفارة الأمريكية فى باريس فى ٢٠٠١، حيث أصبح الزوجان بالفعل، حلقة أساسية من شبكة إرهابية نامية فى باريس باتت تشكل خطورة مرعبة.

بعد القبض على كوليبالى، تعرضت بومدين للاستجواب من قبل الشرطة الفرنسية، التى أطلقت سراحها بعد فترة، بينما صدر حكم بالسجن لمدة ٥ سنوات، قبل أن يفرج عنه عام ٢٠١٤.

وبعد الإفراج عنه انتقل كوليبالى للإقامة فى المنزل الذى تقطن فيه حياة، فى ضواحى «أوت- دي- سان»

ليبدءا فصلًا جديدًا، أكثر دموية وتطرفًا وتكلفة فى مسيرتهما مع التطرف.

 

كانت قد مرت ٤٨ ساعة على ارتكاب الأخوين سعيد وشريف كواشى، مذبحة صحيفة شارلى إبدو التى أسقطا فيها ١٢ ضحية بإطلاق النار عليهم، قبل أن يلوذا بالفرار، كما كانت الشرطة الفرنسية لا تزال تطاردهما قبل أن يختبئا فى مطبعة على بُعد ٤٠ كيلو مترًا من باريس، عندما قرر شريكهما الثالث أميدى كوليبالى الانضمام إلى المشهد الإرهابى.

وبعد أن قتل كوليبالى شرطية فرنسية فى حى مونروج، بدأ عمليته فى احتجاز الرهائن فى المتجر اليهودى فى حى فانسان الباريسى، وبادر بإطلاق النار على ٤ من الضحايا، الذين لقوا مصرعهم بعد ذلك.

كان هدف أميدى كوليبالى من العملية الإرهابية هو مساومة السلطات الفرنسية لعدم ملاحقة شريكيه فى المخطط الإرهابى، أو مطاردتهما.

كما سجل كوليبالى مبايعته لتنظيم «الدولة الإسلامية/داعش»، وأنه أقدم على تنفيذ هجومه الإرهابى، ردًا على التواجد العسكرى فى مالى، وعلى القصف الغربى المستمر لدولة «الخلافة الإسلامية».

وهو ما تأكد بظهور فيديو لكوليبالى بعد أن نجحت الشرطة الفرنسية فى تصفيته وإطلاق سراح الرهائن فى النهاية، يبايع فيه التنظيم الإرهابى وزعيمه آنذاك أبو بكر البغدادى.

ليتضح بعد ذلك أن أميدى كوليبالى (أحمدى كوليبالى) البالغ من العمر ٣٢ عامًا، كان قد أدرج بالفعل على اللائحة الموسعة للإرهابيين والتى تضم حوالى مليون اسم.

 

بعد انتهاء عملية احتجاز الرهائن فى المتجر اليهودى، أصبحت حياة كوليبالى هى المطلوبة الأولى فى فرنسا، فاعتبرتها الأجهزة الأمنية الفرنسية الضلع الرابع فى الهجمات الإرهابية التى استمرت على مدار ٣ أيام، ونفذتها خلية كوليبالى والشقيقين كواشى، ووصفتها الصحف الفرنسية بـ«أخطر امرأة على التراب الفرنسى».

لكن المفاجأة التى أذهلت الجميع أن بومدين وأثناء تنفيذ الهجوم الإرهابى، كانت فى طريقها للهروب خارج البلاد بالفعل، ومن العاصمة الإسبانية مدريد، وصلت إلى تركيا حيث أقامت مع أحد الأشخاص فى أحد فنادق أسطنبول، ومنها نجحت فى الوصول إلى سوريا، حيث معقل الخلافة الداعشية آنذاك.

وظهرت حياة بومدين فى ٥ فبراير ٢٠١٥، بعد أقل من شهر من الهجمات الدامية، فى فيديو من إصدارات تنظيم داعش ترفع السلاح وترتدى الملابس المموهة، كما أفرد تنظيم داعش حوارًا مطولًا مع بومدين بصفتها أرملة أميدى كوليبالى، فى مجلته الناطقة بالعربية والفرنسية «دار الإسلام»، فى عدد خصصه التنظيم للهجمات الإرهابية فى باريس بعنوان «لعنة الله على فرنسا».

وفى ٢٥ أبريل ٢٠١٥ أجرت حياة بومدين أول اتصال من «أرض الخلافة» مع عائلتها، تنبئهم بسعادتها بإقامتها داخل حدود «الدولة الإسلامية»، وأنها بدأت تتعلم اللغة العربية.

بعض المعلومات المتداولة أيضًا بعد ذلك، أكدت أن بومدين أصبحت تشارك فى تحرير مجلة «دار الإسلام»، وفى تحرير المقالات التى ينشرها التنظيم بالفرنسية على صفحاته الرسمية.

فى كل الأحوال، وصلت حياة بومدين إلى دولة «داعش» ولم تتجاوز ٢٦ من عمرها، وهى أرملة لإرهابى تورط فى جريمة دموية، ومطاردة أيضًا بعدة قضايا إرهابية دولية، حيث انقطعت أخبارها بعد ذلك.

أما زوجها أميدى كوليبالى فقد انتهى به المطاف مدفونًا فى مربع للمسلمين فى مقبرة «تيى»، خارج حدود العاصمة الفرنسية باريس، بعد أن رفضت مالى استلام جثمانه.