محمد مسعود يكتب: الاختيار 3 الحرب بـ "الدراما"

مقالات الرأي

محمد مسعود
محمد مسعود

 مصر تكشف الأسرار وتنزع ورقة التوت الأخيرة عن الإسلاميين.. ومسلسل درامى يكتب نهاية تنظيم سياسى عمره ٩٨ سنة

ياسر جلال برع فى تجسيد شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسى.. وجمال سليمان وعز والسقا وكريم يكشفون بطولة رجال الظل

طلقات درامية فى صدر الإخوان والسلفيين

المدهش فى المسلسل، أنه أعاد الزمن لعشر سنوات كاملة، وكأننا نعيشه الآن، من محاولات الجماعة لفك مفاصل الدولة، وأخونة كل ما يصل إليه ساعدها، والعمل بطريقة إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم، غير أنه كشف الحقيقة كاملة، وبالتسجيلات التى نقلت اجتماعات ظنت الجماعة أنها بعيدة عن الأجهزة الأمنية التى كان لها دور عظيم، فى عملية إنقاذ الدولة، والخروج بها إلى بر الأمان، لذا كان ممثلوها نجوما من الطراز الأول «أحمد عز» رجل المخابرات العامة «مروان»، «أحمد السقا» رجل المخابرات الحربية «مصطفى»، و«كريم عبدالعزيز» رجل أمن الدولة «زكريا»، علاوة على البارع «ياسر جلال» الذى قدم بطولة ووطنية الرئيس عبدالفتاح السيسى، والنجم الكبير «جمال سليمان» الذى قدم دور اللواء عباس كامل، والفنان أحمد بدير فى دور «المشير طنطاوى».

 

وما إن تم عرض الحلقة الأولى من المسلسل التاريخى، حتى جن جنون الكتائب والذباب الإلكترونى لفلول الجماعة المحظورة، وباتوا يحاولون تصيد أى خطأ فى المسلسل، لدرجة أن الإخوانى الهارب أيمن نور علق على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» فى تغريدة جاء فيها «بعيدا عن كتابة التاريخ من جانب واحد يبقى سؤال مهم عن السند القانونى للتسجيلات التى أذيعت لقيادات الإخوان ولمحمد مرسى» والحقيقة أن الإخوانى أيمن نور رغم دراسته للسياسة نسى أن التاريخ يكتبه المنتصر، وأن الدولة كانت فى حال من الضياع وكان لا بد من إنقاذها من الجماعة ورئيسها ومرشدها وأثبتت التسجيلات أنهم مجرد خونة ومهزومين، وقد دفعت بهم الهزيمة للخروج من المشهد السياسى إلى غير رجعة، وأن محاولة تصيد الأخطاء وطرح التساؤلات المسمومة، ما هى إلا محاولات لحفظ ماء وجه الجماعة العكر.

المسلسل فى حلقته الأولى كشف فى مشهد يذاع لأول مرة، كيف فكر خيرت الشاطر، الذى لعب دوره باقتدار الفنان الكبير خالد الصاوى، فى تفكيك جهاز أمن الدولة، مع خوفه وخشيته من الاصطدام بالجيش «لو اصطدمت بالجيش يبقى انتحار»، وكيف تم تدبير عملية قتل الجنود المصريين وقت الإفطار للإطاحة بالمشير طنطاوى، والتفكير فى الاستعانة بأحد رجالهم داخل القوات المسلحة، غير أنهم اكتشفوا أن القوات المسلحة خالية من رجال التنظيم، فقرروا اختيار الفريق أول عبدالفتاح السيسى، كونه مصليا ومؤمنا رغم مخاوف خيرت الشاطر.

والأخير كان له تسجيل يذاع للمرة الأولى أيضا لكن فى الحلقة الثانية، قال فيه إن قناة الجزيرة التابعة لدولة قطر ما هى إلا أداة من أدوات الفوضى الخلاقة فى المنطقة العربية، والمضحك أن قناة الجزيرة بعد عرض الحلقة مباشرة، نشرت هشتاجات عن المسلسل وبطولة الرئيس عبد الفتاح السيسى. وفى الحلقة نفسها تمت إذاعة تسجيل للمرشد العام للجماعة محمد بديع الذى لعب دوره الفنان الكبير عبد العزيز مخيون تهجم فيه على السلفيين ووصفهم فيه بالتناقض وعدم الاتفاق، ووصفهم بالشراذم الطامعين فيما وصل إليه الإخوان.

 

أما عن أخطر مشاهد الحلقة الثانية، فهو المشهد الذى جمع بين الفريق عبدالفتاح السيسى، والمهندس خيرت الشاطر، الذى حاول التقرب من المؤسسة العسكرية، والاستعانة برجالها ممن يخرجون على المعاش، وأن لديهم مشروعات اقتصادية كبيرة، هم بالفعل «شطار» بها، وكان رد الفريق عبد الفتاح السيسى «الغدا جهز.. البشمهندس خيرت شكله جعان».

وفى مشهد آخر جاء على لسان «السيسى» عند الحديث عن جنوده «اللى بكسر نفسه وبهينه.. عمره ما هيبقى مقاتل».

محاولات الجماعة للتقرب من المؤسسة العسكرية تجسدت فى مشهد بين مرشد الجماعة محمد بديع ووزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسى، أنهى فيه وزير الدفاع النقاش برد أكثر من رائع «اللى بيحكم رئيس لكل المصريين ودون توجهات، الجيش لازم يكون وطنيًا وبس، أنا لا بكدب ولا بلف ولا بدور ولا ليا مصلحة غير بلدى، الإخوان بيتدخلوا فى أمور لا تخصهم وللا تعنيهم، الدولة لها رئيس لكل المصريين.. ليه خيرت الشاطر والبلتاجى بيروحوا الأجهزة الأمنية وبيدوا أوامر، الجيش ولاؤه لله ثم للوطن فقط لو أنتوا حريصين على الدولة لازم تكونوا حريصين على ده».

 

كشفت الحلقة الثالثة من العمل أن الإخوان لم يكونوا حريصين على الدولة بينما كان شغلهم الشاغل عملية التمكين من مفاصلها، وظهر ذلك جليا فى مشهدين الأول بين محمد مرسى الذى جسد دوره ببراعة صبرى فواز، وبين وزير الداخلية طالبه بزيادة عدد الضباط من خلال دورة مدتها ستة أشهر فقط، وأن يكون الأمن المركزى جزءًا من الحرس الجمهورى، ومصير الضباط الملتحين، ورفض وزير الداخلية اللواء أحمد جمال تنفيذ مطالبه، وقال «ممكن وزير آخر يوافق.. لكننى لا أوافق».

أما المشهد الثانى فجمع بين رئيس وزراء الإخوان «هشام قنديل» فى اجتماع مع ضباط أمن الدولة فى حضور وزير الداخلية، حاول من خلاله أن يسيل لعابهم برواتب مغرية، وسألهم عن مشاكلهم، فقال أحد الضباط: «مشاكلنا هى أن حكومة حضرتك تحاول أخونة الدولة».

 

الحقائق التى جاءت فى المسلسل، لا تقبل الشك، وتم عرضها بتسلسل زمنى طبيعى، وربما يكون المشهد الذى جمع الضباط الثلاثة «مروان ومصطفى وزكريا»، هو المفاجئ لعدد من المشاهدين، لعدم علمهم بالتنسيق بين جميع الأجهزة للعمل لمصلحة مصر، وكشف المشهد عن محاولات الإخوان لعمل ميليشيات مسلحة، وعفو رئاسى عن الجهاديين والمتهمين فى قضايا إرهاب، بغرض وضعهم كقنابل موقوتة وسط المصريين.

ونجحت الحلقة الثالثة التى أذيعت والجريدة ماثلة للنشر فى إلقاء الضوء على حياة الضباط الثلاثة، وتكوين مشهد غير بعيد عن أذهاننا بأن عملهم يحتاج جهدا عظيما، وأن أى منهم بإمكانه التضحية بحياته دفاعا عن وطنه.

 

العلامات المضيئة فى مسلسل «الاختيار ٣» كثيرة، ورغم ذلك استوقفنى الإهداء المكتوب فى تيتر المقدمة لروح الكاتب الكبير الراحل الأستاذ وحيد حامد، الذى كان قد شرع بالفعل فى كتابة الجزء الثالث من مسلسله «الجماعة»، لكن وافته المنية قبل كتابته، غير أنه صاحب صولات وجولات وطلقات درامية حاربت الإرهاب الأسود فى أعماله العظيمة على رأسها فيلم «طيور الظلام» ومسلسل «العائلة»، رحم الله وحيد حامد، وخالص التحية لكل من شارك وساهم فى هذا العمل الملحمى الذى نزع ورقة التوت الأخيرة عن تنظيم مُلفق، انتهى زمنه إلى الأبد.