منال لاشين تكتب: الرئيس والدولار.. لولا تدخل السيسى العاجل لتوفير ١١ مليار دولار لاشتعلت الأسواق

مقالات الرأي

منال لاشين
منال لاشين

البنك المركزى فشل فى توقع الأزمة وبالغ فى الإعجاب بأدائه

 

استفزنى جدا إصرار محافظ البنك المركزى على نسب فضل ليس له، وذلك بدلا من الاعتراف بخطأ سياساته التى كان السبب الرئيسى فى تسارع تأثير أزمة الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصرى وفى القلب أو المحرك الرئيسى الدولار.

أدت الاتصالات السريعة للرئيسى السيسى إلى توفير نحو ١١ مليار دولار فى أقل من أسبوع، وذلك من خلال العلاقات العربية، الإجراء الأول كان الوديعة السعودية بـ٥ مليارات دولار فى البنك المركزى يساند الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى، وبالتالى ترتفع قدرة مصر على توفير التزاماتنا الخارجية بالدولار لعدة أشهر، وكان التحرك الثانى مع قطر، حيث تم الاتفاق على استثمار ٣ مليارات دولار فى مصر، و٢ مليار دولار ثمن بيع بعض حصص الدولة فى مشروعات القطاع الخاص، وجار الاتفاق على اتفاق مماثل بـ٢ مليار دولار أخرى.

ولولا هذه التحركات الرئاسية السريعة والفعالة لاشتعل سوق الدولار إلى حد لا يعلمه سوى الله، وبالتالى ازدادت أسعار السلع جنونا وعجزت الأسر المتوسطة على مواجهة الحد الأدنى من احتياجات الحياة، وبالطبع كانت معاناة الفقراء أسوأ وأكثر توحشا.

لاشك أن تأثير أو توابع الحرب مست الاقتصاد المصرى، ولكن لاشك أيضا أن السياسات النقدية والمالية والتى يسيطر عليها البنك المركزى أثرت سلبا فى مدى تضخم توابع الحرب، فالبنك المركزى لم يستهدف التضخم ولا مكافحته رغم ما يترتب على هذا التضخم من زيادة فى الأسعار ومعاناة للمواطن، ولو راجع محافظ البنك المركزى طارق عامر قانون البنك المركزى سيجد أن استهداف التضخم أو السيطرة عليه من أهم أهداف البنك المركزى، فى كل أنحاء العالم البنوك المركزية هى لاعب رئيسى فى مواجهة التضخم، ولاشك أن المركزى تأخر فى رفع سعر الفائدة لسحب السيولة من السوق المصرى من ناحية، والتخفيض من أثر التضخم وارتفاع الأسعار على أصحاب الودائع من ناحية أخرى.

من ناحية أخرى فإن اعتماد طارق عامر على استثمارات الأجانب فى سندات وأذون لم يكن موفقا، لأن هذا النوع من الاستثمار يطلق عليه الاستثمار الساخن أو المال الساخن، وهو أول نوع من الاستثمارات يهرول للخروج من الأسواق مع الأزمات العالمية سواء كانت أزمة اقتصادية مثل الأزمة العالمية الأمريكية أو وباء كورونا أو حرب مثل حرب روسيا وأوكرانيا، ولذلك كان أولى بمحافظ البنك المركزى ألا يعتمد على هذه المليارات من الدولار كجزء من الاحتياطى النقدى، ومرة أخرى كان عليه أن يتحوط للوضع عندما بدأت هذه الأموال فى الخروج من مصر،

مرة ثالثة أخطأ المركزى عندما تأخر فى التدخل لضبط العلاقة بين الجنيه والدولار قبل أن ينفجر الوضع مثلما حدث لولا أن تدخل الرئيسى السيسى.

ولذلك فعلى محافظ البنك المركزى وفريقه أن يعترف ولو سرا بأخطائه ويسارع لتصحيحها، بدلا من تصريحاته عن أن سياساته الصحيحة أنقذت الموقف.

كان الرئيس الراحل السادات مع كاتبنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين فى جولة بالطائرة، وظل الرئيس ينظر بإعجاب إلى مصر من فوق، ويردد أن مصر جميلة، فى الحقيقة حين نرتفع لا نرى التفاصيل على أرض الواقع، هذا ما حدث بالضبط مع محافظ البنك المركزى، لم يرى الخطر الذى يزحف على أرض الاقتصاد ولا التسرب الخطير فى الدولار، ولكن الأخطر أنه لم ير الفرص الاستثنائية التى فرضتها كل من وباء كورونا والحرب، فحين يصدم العالم كارثة من هذا النوع تسقط القيود تلقائيا، فى جميع أنحاء العالم أعلنت الحكومات الطوارئ وعطلت الاتفاقيات والكثير من القوانين، وكان هذا المناخ فرصة تاريخية أمام محافظ البنك المركزى لإصلاح الاستيراد، فمصر تفقد مليارات الدولارات سنويا على شراء سلع ترفيهية وسيارات وكماليات، وعلى أرض الواقع الاقتصاد المصرى وليس المستورد هو الذى يدفع الدولار من موارده واحتياطى المركزى، ولذلك أخطأ المحافظ خطأ بالغا حينما لم يفرض حظرا ولو مؤقتا على استيراد هذه السلع، وتوفير العملة الصعبة خلال عامى جائحة كورونا، يكفى أن نعرف أن مصر استوردت جبنا من دولة واحدة بنحو مليار دولار، ولو أعلنت مصر منعا مؤقتا لاستيراد هذه السلع بسبب جائحة كورونا لما جرأت منظمة التجارة العالمية على معاقبتها أو حتى مجرد الاعتراض، أما وضع العقبات الإدارية والإجرائية أمام الاستيراد العشوائى فلم يؤت ثماره باستثناء خروج بعض صغار المستوردين من سوق الاستيراد خاصة من الصين.

ولكن المحافظ طارق عامر أصر على التعامل مع الواقع من خلال إنكار الأزمة التى توقعها الجميع داخل وخارج مصر إلا معالى المحافظ، وهكذا أضاع طارق فرصة قد لا تعوض للسيطرة على الاستيراد العشوائى غير المبرر، ونحن نحتاج إلى مسئولين يقرأون الواقع دون مبالغات أو إعجاب بالذات والتركيز على الإنجازات فقط، بل مسئولين يستشرفون الأزمات قبل أن نغرق فيها.