هل زواج الرجل خيانة لزوجته؟

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

التعدد كان القاعدة فى الجزيرة قبل الإسلام والآن أصبح الاستثناء

حين يعد الرجل زوجته بالوفاء هنا التعدد خيانة

 

استقرت آراء الشيوخ فى معظم الدول الإسلامية على أن زواج الرجل المسلم على زوجته لا يعد خيانة لها، وقد قطع الدكتور على جمعة أى شك فى فكرة الخيانة، موضحا أن الزواج مباح فى الشريعة، وأن اعتبار الزوجة لزواج زوجها عليها خيانة هو وسوسة شيطان وأفكار دخيلة على الإسلام.

بل إن الكثير من الشيوخ ذهبوا إلى أنه لا ضرورة دينية لإخبار الرجل لزوجته بزواجه من أخرى بشرط أن يقوم بالعدل بينهما، والحقيقة أننى فكرت طويلًا لسنوات فى هذه الفكرة لأننى لست متخصصة أو خبيرة فى الأمور والملفات الفقهية، فعلاقتى بالدين مثل الملايين من المسلمين والمسلمات غير متعمقة، ولكننى نشأت على أن الأخلاق جزء لا يتجرأ من الدين (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولذلك لم أفهم كيف تكون الخيانة والظلم والمكر مباحًا لطرف من طرفى الزواج بغطاء أو مبرر دينى؟ لا أعرف كيف يكون من حق الزوج أن يعيش حياته مع أكثر من امرأة دون أن يكون فى ذلك ظلم لزوجته التى تحملت معه مُر الحياة لمجرد أنه رجل، والرجل من حقة أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع؟

على بلاطة.. لم أفهم لماذا لا تعد الخيانة الزوجية ولو بالزواج من ثانية ضد مفهوم مكارم الأخلاق التى تحدث عنها رسولنا الكريم فى خطبة الوداع؟

من حيث المبدأ لم أفهم كيف طالب الدكتور على جمعة بالعدل بين الزوجات إذا كان لا يرى ضرورة لأخبار الزوجة بزواج رجلها بأخرى أو ثالثة أو رابعة من يضمن العدل بين الزوجات إذا كانت إحداهن أو ربما كلهن لا يعلمن بوجود «ضرة» لها؟

الأمر الثانى أن السنة النبوية الشريفة هى المصدر الثانى للفقة والتجديد بعد القرآن، ولم نعلم أن الرسول الكريم أخفى أبدا زواجه من أى امرأة تزوجها، وعلى حد علمى المتواضع أن كل الصحابة لم يخفوا عن زواجاتهم زواجهم من أخرى، ومع ذلك ألاحظ تجاهل معظم الشيوخ لسنة الرسول الكريم فى إعلام أى زوجة له بزواجه من أخرى، لم ألحظ أن معظم شيوخنا حثوا الرجال المسلمين على الاقتداء بسنة رسولنا الكريم فى عدم إخفاء أى من زيجاته.

 

الخيانة الزوجية لا تقتصر فقط على علاقة الرجل بامرأة أخرى فى الحرام، ولكن مشاركة امرأة أخرى لزوجته فى قلبه وحياته هى خيانة لزوجة تعيش متصورة أنها هى المرأة الوحيدة فى حياة زوجها، ومن مكارم الأخلاق التى حثنا عليها الإسلام والرسول أن يكون الإخلاص والثقة متوفرين فى الحياة الزوجية، وألا يغدر أيهما بالآخر، لأن الغدر ليس من مكارم الأخلاق، خاصة أن الزواج بأخرى يترتب عليه انتقاصًا فى كل حقوق الزوجة العاطفية والمالية والجنسية، فطبقا لمفهوم العدل سيتقاسم الرجل كل ذلك مع أخرى أو ثالثة أو رابعة، فليس من قمة العدل أن يكون للزوجة رأى فى انتقاص حقوقها وأن يستأذنها الزوج شريك العمر فى خطوة تتقاطع بشكل رئيسى وحاسم ومتعدد الجوانب مع حياتها معه؟ السؤال التالى يكشف أن زواج الرجل على زوجته يعد خيانة فهل حين يعد الرجل امرأته بأنها ستكون حياته ورفيقة عمره وأنه لم يخنها ولم يتزوج عليها ثم يحنث بوعده ألا تكون خيانة للزوجة يا شيوخنا الإجلاء؟

وأن الوعود سواء كانت شفهية أم مكتوبة فى العقد أولى بالاتباع فى الإسلام، أليست علامات المنافق ثلاث منهما إذا حدث (تكلم) كذب وإذا وعد أخلف ومع ذلك لا يرى معظم شيوخنا الإجلاء أن رجوع الرجل عن وعده لزوجته بعدم الزواج عليها والإخلاص لها ليس خيانة.

 

مرة أخرى لست متعمقة فى الدين، ولكن تاريخيا كان الزواج المتكرر موجود فى الجزيرة العربية التى تشرفت بمولد الرسول الكريم ونزول الوحى عليه وانطلاق الدين الإسلامى منها، ولكن يرى بعض الشيوخ أن الإسلام أنصف المرأة وحمى الأسرة حينما وضع سقفا لزواج الرجل بأربعة نساء، إذن الأصل كان التعدد والاستثناء كان زوجة واحدة، ومن هنا لم يكن الزوج مجبرا على أخذ موافقة زوجته أو حتى إعلامها من ناحية، ومن ناحية أخرى كان على المرأة أن تشترط على الزوج عدم الزواج عليها لأن هذا الوضع كان استثنائيًا، أما الآن ولو أعمل الشيوخ التجديد المباح فإنهم مطالبون بمراعاة المجتمع الذى نعيش فيه، فالآن الأصل هو أن الرجل حين يطلب امرأة للزواج فى محيط ومجتمع وتقاليد أنه لن يتزوج عليها، لأن مصر لا تزال رغم الاستثناءات تؤمن بالزواج الوحيد وليس التعدد، ولذلك يجب على الرجل فى هذه الحالة أن يطلب الاستثناء والخروج على القاعدة والأصل، وأن يخبر المرأة التى سيتزوجها أنه قد يتزوج عليها مثنى وثلاث ورباع، ولكن بعض الشيوخ تجاهلوا طبيعة العصر ويطالبون المرأة بأن تشترط صراحة على الزوج عدم الزواج بأخرى، أو إخبارها بزواجه من أخرى.

 

حكايات النساء عن صدمة الزواج الثانى ليست مجرد كلمات أو نميمة ستات، إنها عزف حزين على وشم حياة كاملة.. تروى سناء أنها فوجئت بعد ١٨ عاما زواجا وبنت وولد بزواج زوجها من شابة صغيرة كانت تتدرب فى عمله، لم تكن قد «شاخت» أو حتى شابت بالمعنى الشعبى، كانت على أعتاب الأربعين (امرأة فى الأربعين بكامل أنوثتها) لا تعرف سناء ما هو الأكثر إيلاما.. الحب والوعود الضائعة منذ كانا فى الجامعة، أم المال الذى كانت تعده لتعليم الأولاد فى جامعات محترمة توفر لهما مستقبلًا جيدًا، ولكنها واثقة أن تغيره كان كاملًا أو بالأحرى انقلابًا، خيّرها بين القبول بالوضع أو الطلاق مع التخلى عن كل حقوقها، إنها متأكدة أنه شخص آخر غير الذى عرفته من ٢١ عاما.

أما نجوى فقد احتاجت علاجًا نفسيا طويلا لتخرج من حالة الإحباط والاكتئاب التى أصابتها، علمت بزواج زوجها بعد ثلاث سنوات.. علمت مصادفة من أحد جيرانها.. نزل الخبر عليها كالصاعقة لا تدرى ماذا تقول أو تفعل.. فكرت فى أن تضبطه عند ضرتها، ولكنها بعد تفكير عميق حزمت كل ما له من شقة الزوجية وغيرت كالون الشقة، تضحك وهى تتذكر عودته إلى البيت وصدمته فيما فعلت بل ودهشته من ردة فعلها، طاف على أهلها والأصدقاء يقول لهم بكل «بجاحة» هانت عليها العشرة وطردتنى لأن الشقة ملكها، فترد هى: اشترى لى أبى الشقة ولم أحمله أى أعباء ووقفت بجواره ٢٠ عامًا فمن منا هانت عليه العشرة.

أما شاهى كما كان زوجها يدللها قبل ١٠ سنوات، فقد عانت فترة من الشك فى كل شىء، وكانت تستغفر الله كثيرا من الأفكار التى تراودها، صدمها وقوف أحد الشيوخ مع زوجها الذى تزوج عليها بعد ١٠ سنوات بحجة أنها لا تنجب سوى البنات، شاهى تقول: كان ينفق على أخته ووالدته طوال فترة زواجنا، عشر سنوات وأنا أتحمل عن طيب خاطر تكلفة البنتين كاملة، إيمانا بأننا أصبحنا عائلة واحدة ونشيل بعض، بعد أن تزوجت أخته وأقام علاقة عاطفية مع واحدة تعرف عليها فى النادى استخدم حقه الشرعى فى الزواج علىَّ، لم تهدأ شاهى إلا عندما قال لها أحد شيوخ الأزهر الأفاضل إن زوجها أخطأ فى حقها، وفى حق نفسه، وأن الأولاد رزق (يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور) وأنه خان العشرة، لحظتها استعادت شاهى ثقتها بكل ما تربت عليه، وزاد من ثقتها بنفسها أن حماتها وشقيقة زوجها (الآن طليقها) قاطعاه لأنه خان عشرة بنت الأصول.

 

للإمام مالك رأى فى قواعد الخلع، فقد قال إن من مكارم الأخلاق ألا يسترد الرجل كل المهر من زوجته، وكل ما أتمناه أن يكمل مولانا الإمام الأكبر دعوته الكريمة ورأيه الفقهى العظيم فى تعدد الزوجات، أو بالأحرى فى تقييد تعدد الزوجات، وأن يتصدى بفكره إلى الدعوة إلى مكارم الأخلاق فى الزواج، وأن الكثير من حالات التعدد هى خيانة للمرأة، خيانة للعشرة.. خيانة لعهود الزواج.. خيانة للجهاد المشترك فى حياة مشتركة اختلطت فيها الحقوق والأحلام والأعباء.. خيانة للحب الذى تقوم على دعائمه الكثير من الزيجات الآن.