استراتيجية "صفر كوفيد" تضع الصين في مأزق سياسي

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر


كثيرا ما يقال إن حكومة الصين تخطط لعقود مقبلة، وتلعب بعناية  علي المسرح الدولي  مع تقلب الديمقراطيات في العالم،  لكن في مدينة شنغهاي في الوقت الحالي لا توجد دلائل كثيرة على العبقرية الإستراتيجية، وتحديدا  مع تصاعد أزمة وباء كوفيد -19، فهناك ما لايقل عن 26 مليون شخص محاصرون في مساكنهم، ويواجهون نقصًا في الغذاء والعلاج، داخل مدينة تعتبر من أكبر مدن الصين من حيث تعداد السكان، وعاصمة البلاد الاقتصادية،  وأصبحت سياسة عدم انتشار الفيروس طريقا مسدودا لا مخرج سريع منه للحزب الشيوعي الصيني.

فقد تم عزل عشرات الآلاف ممن ثبتت إصابتهم بفيروس كوفيد-19،في أسوأ موجة تشهدها الصين منذ بداية الوباء في قاعات مزدحمة ومراكز مؤتمرات مجهزة بأسرة أطفال في حجرات صغيرة الحجم، وفصلت السلطات الأطفال المصابين عن والديهم، بالإضافة لحدوث وفيات بين المرضى غير المصابين بفيروس كوفيد -19، والذين حرموا من الرعاية الصحية.

ويمثل الموقف الحالي  تحديا كبيرا  يواجه الصين، ورئيسها شي جين بينغ، منذ بدء تفشي الجائحة في ووهان قبل أكثر من عامين، وبالنسبة لشي جين بينغ، فإن هذا المأزق يأتي في توقيت حساس، قبل أشهر قليلة على خطوته غير المسبوقة المتوقعة بالبقاء في السلطة لولاية ثالثة، خاصة أن بصمته واضحة ومباشرة في استراتيجية "صفر كوفيد" التي أطلقها ويصر علي تنفيذها.

ولكن مع وصول المرض لمرحلة حرجة، في ظل إغلاق بعض المدن  لأسابيع، وتحذيرات طبية وصحية من أن تفشي المرض في شنغهاي لم يتم احتوائه بشكل فعال، فإنه سيتعين على الحزب الشيوعي الحاكم في الصين وزعيمه التعامل مع التداعيات الاقتصادية وتصاعد الاحتمالات بأن الغضب الشعبي ضد الحكومة والذي شُوهد في شنغهاي يمكن أن يتصاعد.

وتعتبر تكاليف عمليات الإغلاق على مستوى شنغهاي هائلة  ، لا سيما في المراكز الاقتصادية الساحلية في الصين، وتشير الأبحاث التي أجراها كبار خبراء الاقتصاد  الصينيين إلى أن فرض إغلاق شامل في مدينة رئيسية مثل شنغهاي من شأنه أن يقلل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الوطني بنسبة 4٪، وستشعر المدينة الخاضعة للإغلاق بمعظم هذه الخسارة، ولكن ستكون هناك أيضًا عواقب سلبية على المناطق الأخرى التي لها علاقات تجارية مع المدينة المغلقة.

أما بالنسبة للحالات والوفيات الشديدة، فقد أثارت وسائل الإعلام المحلية تساؤلات حول الوفيات غير المبررة في العديد من دور رعاية المسنين في شنغهاي. ومع ذلك، يعتقد أحد خبراء الصحة  من جامعة ييل الأمريكية أن الأرقام "موثوقة إلى حد كبير"، حيث أشارت شركة " اير انفنتي" وهي شركة تحليلات صحية مقرها لندن  أن نحو 40٪ من الصينيين فوق سن الثمانين، ونحو 20٪ ممن تتراوح أعمارهم بين 60-79، لم يتلقوا جرعة واحدة من أي لقاح.

وقد يؤدي انخفاض معدل التطعيم لدى كبار السن إلى كارثة، إذا انتشر متحور "أوميكرون"، في جميع أنحاء الصين، فقد يتسبب في وفاة مليون شخص في 3 أشهر، حسب تقديرات شركة " اير انفنتي" للتحليلات الصحية.

في المقابل، خرجت أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة من استراتيجيية " صفر كوفيد"، بعد أن لم يتم تلقيح سوى 1.2 ٪، و0.6 ٪، و0.4 ٪،على التوالي من سكانها الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا.

وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب انخفاض فعالية اللقاحات الصينية، وبسبب نقص الشفافية في تجارب اللقاحات الصينية، كان قادة الصين مترددين في استيراد لقاحات أكثر فاعلية لأنهم كانوا صريحين للغاية بشأن طموحهم في تطوير لقاح محلي للتصدير، ربما أدى الهدف السياسي المتمثل في وضع الصين كرائد صيدلاني عالمي في نهاية المطاف إلى انخفاض معدل التطعيم المحلي.

من ناحية أخري، يري المراقبين إن القيادة الصينية وضعت نفسها في مأزق من خلال الترويج لنجاح استراتيجية " صفر كوفيد"، وعدم تجهيز الجمهور للانتقال إلى التعايش مع الفيروس كسائر بلدان العالم، والآن وبعد أن تغيرت الحسابات، تبذل الصين قصارى جهدها للسيطرة علي الأزمة، فقامت بإرسال فرق التطعيم من منزل إلى منزل لإقناع كبار السن بالحصول على الحقن بالإضافة لي تقدم بطاقة هدايا بقيمة 500  يوان صيني كحافز لتلقي اللقاح.

ولا تزال خطط الصين للخروج من " صفر كوفيد" قيد التطوير،  لا يوجد مؤشر حتي الآن  على أن الحكومة الصينية بدأت في التحضير لاستراتيجية التعايش مع الفيروس، وإذا  استمرت الصين  في تنفيذ السياسات الخاطئة لفترة طويلة، ومع كل يوم تأخير، سيصبح الانتقال لمرحلة الآمان أكثر صعوبة.

وإذا نجحت السلطات الصينية في السيطرة على الوباء، كما حدث في ووهان عام 2020، فإنه من المحتمل، ورغم عمق التحديات التي تواجهها، أن تصوّر الحكومة الصينية ذلك بأنه انتصار سياسي، ويدعم ذلك مساعي وجهود  الرئيس الصيني لولاية ثالثة.