ماذا تعرف عن المديح الذى لا يسجد فيه.. الاب اثناسيوس حنين يجيب

أقباط وكنائس

بوابة الفجر

 

نشر الاب الدكتور اثناسيوس حنين، من كنيسة الروم الارثوذكس، دراسة له تحت شعار “تأملات صيامية فى المديح الذى لا يسجد فيه”.

وقال إن: "الشئ اللافت فى العبادات الرومية هى أنها ليست فقط ترانيم وتسابيح روحية سماوية، بل هى ترتبط بالتاريخ القومى للهيليينية الأرضية وبكيان الأمة. الأعياد فى اليونان، هى أعياد قومية وتجليات لاهوتية وليتورجية، وحركة مجتمعية.
واضاف: "اليونانى الذى أصر على انتزاع حريته، صار واقعيا. لهذا لا يجب أن لا يتعجل البعض منا فى ادانة الحضارة المسيحية التى صنعها ملوك اتقياء ومات لاجلها جنود أوفياء! على أنها من بقايا هذا العالم الزائل وباطل الاباطيل! تخيلوا لو أن اليونان اليوم مجرد ولاية عثمانية بلا دين، بلا فكر، بلا لاهوت، بلا لغة، بلا هوية، بلا حرية. تخيلوا لو أن سوريا تسقط اليوم، ويسقط معها، كل تاريخ أنطاكية وغناها،  فى ايدى الدواعشيين منا ومنهم.
وتابع:"أن المديح الذى لا يجلس فيه يعكس الأنين الروحى والشوق الوطنى لليونانيين الذين وقعوا تحت الاستعباد سياسى وعسكرى. والحرية لا تتجزأ، هى فى السماء وكذلك على الأرض! الحرية ليس فقط من الخطايا، بل من المحتل العثمانى التركى والذى بذل الغالى والرخيص والنفيس والخسيس، خلال احتلاله اليونان مدة اربعمائة عاما، وما زال في محاولاته،  لكى يمحوا  اليونان واليونانيين  من أرض وذاكرة الأحياء. كانت العذراء شريكتهم فى الجهاد الروحى والتعبير اليونانى يأتى من لغة الجيوش المحاربة، “يا جندية محاربة”.
واكمل: "من يقرأ التسبيح الذى لا يجلس فيه فى نصه اليونانى الأصلى، يجد نفسه أمام تحفة فنية وايقونة لاهوتية وقصيدة شعرية ومناجاة شعبية، وابداعات لغوية، ومظاهرة كبيرة فى حب الارض والعرض والسماء والارض، فى سيمفونية، يسيل لها لعاب اساطين الأداب اليونانية والثقافة الكونية، فى العالم. ولكننا لا ننسى أن الارثوذكس العرب قد ابدعوا كثيرا فى نقل المديح إلى اللغة العربية.


تاريخ المديح:
واردف: "يعود المديح الذى لا يجلس فيه إلى عام 626 ميلادية وحينما كانت الامبراطورية البيزنطية فى حروب مع الفرس بقيادة هيراقل وتم حصار القنسطينطينية، والتخطيط لاقتحام المدينة وهنا قام البطريرك سرجيوس بتعليق ايقونة العذراء على أسوار المدينة ودعا الشعب للصلاة والصمود والمقاومة واليقظة. وهنا هبت عاصفة كبيرة أغرقت سفن الاعداء! ووقف الشعب يرتل هذه الترتيلة متحدثا باسم المدينة الملكية؛ أى أن المدينة صارت عند الشعب الواع والساجد اسم جامع وفاعل يجمع الشعب، ونسميه فى قواعد اللغة

"أنى أنا مدينتك يا والدة الاله، أكتب لك رايات الغلبة، يا جندية محامية، وأقدم لك الشكر كمنقذة من الشدائد. لكن بما انك لك العزة التى لا تحارب. أعتقينى من صنوف الشدائد. حتى أصرخ اليك: أفرحى يا عروسا لا عروس لها".
مصر فى مديح العذراء:
مصر وشعبها وأرضها حاضرة حضورا كبيرا ليس فقط فى تاريخ الحضارت بل فى أنين وصلوات العبادات. 
تقول المديحة:
"لما أشرقت نور الحق بمصر، طردت ظلام الباطل"
"أفرحى يا بحرا أغرقت فرعون العقلي"
عبارات بسيطة ولكنها ذات دلالات لاهوتية وثقافية عميقة وأنتماآت حضارية.
المسيحية لا تحارب الظلام والظلاميين، بل تنشر نور الحق، ونور الحق هو كفيل بطرد جحافل الظلام وتجار الأباطيل. ليس لاتباع الناصرى مشكلة مع الانسان، كل أنسان، بل مع الظلام الذى يكبل حركة الانسان ويقتل طاقاته ويعطل ابداعاته ويجهض ولاداته! المسيحيون يدركون أنه وبعد أن صار الله أنسانا بالطبيعة، صار الانسان المتأله بالنعمة هو الحل، يجب ان لا ننسى ان يسوع جاء إلى مصر مع أمه، ولكنه لم يتوقف أن يأتى اليها بالروح فى الصادقين، الساهرين على المرصد يرقبون النور الحقيقى الذى ينير كل انسان، فى مصر. 
عبارة من خمس كلمات (أفرحى يا بحرا أغرقت فرعون العقلي)، يرتلها الشعب كله، تلخص مجمل تاريخ الخلاص. وتفسر القديم فى الجديد ومسيرة القصد الالهى. الكتاب المقدس يتم تفسيره فى العبادة، كما أن العبادة تنطلق من الكتاب. من يترك العبادة ويجلس على مكتبه، فقط، لن يفهم مسيرة التدبير الالهى فى الكتاب الالهى. العذراء هى البحر اللاهوتى الذى غرق فيه فرعون العقلى.
نتضرع إلى العذراء مريم أم النور أن تنير على بلادنا مصر بدوام نعمة نور الحق، وعلى بلاد اليونان بدوام نعمة الحرية. ومنهما، كما كانتا قديمًا، أن يشرق نور المعرفة  للعالم.