مصطفى عمار يكتب: تجربة عادل إمام

مقالات الرأي

مصطفى عمار
مصطفى عمار

يبقى عادل إمام حالة شديدة الخصوصية فى تاريخ الفن المصرى، فما حققه على مدار أكثر من خمسين عامًا من مشواره الفنى.. يستحيل أن يحققه أى ممثل آخر.. ذلك الفتى النحيف صاحب الوجه الشاحب والضحكة المميزة وحركات جسمه المنسجمة مع ما ينطقه بلسانه.. لم تنبئنا أبدًا أن صاحب هذه الملامح سيكون أسطورة كوميدية تحلق فى سماء الفن لأكثر من ٦٠ عامًا.. ليس هذا فقط ولكنها أيضًا ستجلس بمفردها على عرش الكوميديا دون أن يزاحمه أحدًا فى مكانته أو تاريخه لسنوات وسنوات.. وحدها الموهبة والإصرار هما من صنعا أسطورة عادل إمام الملقب بالزعيم.. كما يحب أن يناديه جمهوره وأصدقاؤه.. واللافت للنظر ليست نجومية ونجاح عادل إمام.. ولكن قدرته الكبيرة على الاستمرار والتفوق على جميع الأجيال التى دخلت معه فى منافسة كبيرة إما لتحقيق نفس نجاحه أو حتى مجرد الأقتراب منه.. عادل إمام تفوق عليهم جميعًا.. أبناء جيله والأجيال الذى بعده لم يستطع أحد أن يقترب من مكانته أو يضع على الأقل أسمه إلى جواره فى تاريخ الفن المصرى.. ربما يكون عادل إمام ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل باعتباره موهبة عابرة للأجيال.. لم تتوقف موهبته عند زمن أو فترة معينة.. موهبة استطاعت أن تذيب فيها كل المواهب والأفكار والمدارس الفنية التى تعاملت معها.. ليبقى أى عمل يقدمه عادل إمام يحمل لونه وطعمه وبريقه فقط.. سواء كان هذا على خشبة المسرح أو على شاشة السينما أو التليفزيون، بالطبع كل مرحلة من تاريخ عادل إمام كانت تحمل أفكارًا وأحلامًا صنعها كتاب ومخرجون، لكنك فى النهاية لن تستطيع سوى أن تتذكر فيها عادل إمام وحده.. ومن بين أفلامه العديدة التى تجاوزت المائة فيلم تقريبًا.. أريد أن أتوقف أمام ثلاثة من أعماله لم يقدم فيها عادل أدواره الكوميدية ولكنه أراد من خلالها أن يؤكد أن الممثل الكوميدى الموهوب، يستطيع أن يجعلك تشعر بالحزن بنفس البراعة التى يضحكك بها.. دور عادل إمام فى فيلم «حتى لا يطير الدخان» الخالى تقريبًا من أى مشاهد كوميدية.. ستكتشف براعته فى تجسيد الدور الرئيسى للفيلم وتعبيره بحرفية كبيرة عن مأساة بطل الفيلم الذى طحن الفقر عظامه ليقرر أن يبنى أسطورته الخاصة ويتنازل فى سبيلها عن كل شىء.. وفى مقدمة الأشياء التى تنازل عنها كان شرفه وضميره معًا.. بنفس حرفية الممثل يجرب عادل إمام مدرسة محمد خان الجديدة على السينما فى فيلم «الحريف» ربما فشل الفيلم جماهيريًا وقتها.. ولكنه مع مرور السنوات أصبح واحدًا من أهم الأفلام فى تاريخ عادل وخان وإن كنت أراه بشكل شخصى من أفضل الأفلام التى قدمها الزعيم خلال مسيرته الفنية.. لم يستسلم عادل لفكرة أنه لايصلح سوى للأدوار الكوميدية، وقدم أفلامًا منزوعة الضحك ولكن بالتوابل التى يفضلها الجمهور، فصنع «حب فى الزنزانة» و» المشبوه « وأكد خلالهما على شىء كان أن يريد أن يثبته لنفسه قبل جمهوره.. أنه ممثل يجيد تقديم أى دور يسند إليه.. ربما يجمع النقاد والجمهور أن ثلاثية عادل إمام مع الراحل وحيد حامد والمخرج شريف عرفة من أهم الفترات فى تاريخ الزعيم الفنى.. لأنها أرخت لمرحلة مهمة وكاشفة من تاريخ مصر سواء فى فيلم «اللعب مع الكبار» أو «الإرهاب والكباب» أو «طيور الظلام» أو «المنسى».. وأنا على عكس ما تم الترويج له بأن عادل إمام استفاد من هذه التجارب فالحقيقية أن وحيد حامد وشريف عرفة هما من استفادا بالعمل مع عادل إمام وبناء أسطورة خاصة لهما.. لأنه ببساطة إن لم يقدم عادل هذه الأفلام لم تكن لتنجح أو تمهد لنجومية وحيد وشريف التالية.. نحن أمام ظاهرة فنية ربما تتكرر كل مائة عام أو أكثر.. أما الآن فليس أمامنا سوى أن نحتفل بعيد الزعيم الـ»٨٢» وندعى الله أن يطيل فى عمره وأعماله الفنية.. منتظرين هدية القدر لمن سيخلفه على عرش الكوميديا خلال المائة عام القادمة.