د. رشا سمير تكتب: صور.. فيديوهات.. ورسائل.. شاهد العيان فى قضية ديب وهيرد!

مقالات الرأي

د. رشا سمير
د. رشا سمير

تجاهل ترشيحها للأوسكار ودعم بن أفليك وأزماتها النفسية

 

أن ينكشف المستور.. أن تصبح الفضيحة مشاعا.. أن تُطرح الأسرار وتفاصيل علاقات البشر على المشاع.. أن تُعرض العورات فى مزاد علنى لمن يدفع أكثر.

أن يُصبح الممنوع مسموحا.. والمختفى ظاهر.. والمستتر مفضوح.. والغالى رخيص..

تلك ببساطة هى التكنولوجيا الحديثة، وتلك هى قوانين الحياة الجديدة التى فرضتها علينا الألفية الحديثة.

تابعت بترقب وشغف تلك الحوارات الطويلة والجلسات اليومية والساعات المتتالية من الاتهامات والمناورات وتبادل النظرات ومباراة التمثيل العنيفة بين الممثل الأمريكى جونى ديب وزوجته الشقراء أمبر هيرد.. مباراة غير مسبوقة فى تاريخ حياة مشاهير هوليوود وصُناع السينما الأمريكية بل فى الواقع إنها المباراة الهزلية الكبرى فى تاريخ الزواج وتداعياته.

 

منذ ستة أسابيع خرج الممثل الأمريكى جونى ديب إلى ساحات القضاء ليحكى على الملأ قصته الأليمة، متهما زوجته بأنها تمارس العنف الأسرى ضده.

اتهمها بضربه وإيذائه جسديا ونفسيا لدرجة أنها تسببت فى قطع إصبعه أثناء إحدى المشاجرات، الحقيقة أن جونى ديب ممثل موهوب لكنه كان دوما غريب الأطوار، بل إن الأغرب أن زوجته ذاتها هى شخصية أغرب وأكثر تعقيدا، وقد بدا هذا جليا لأعوام فى المهرجانات واللقاءات التى جمعتهما.

هنا خرجت زوجته هى الأخرى لتتهمه بالتعدى النفسى والبدنى والجنسى عليها لتتحول القضية إلى مسلسل سينمائى أقوى بكثير من مسلسلات نتفيلكس.

تابع المشاهدون المحاكمة التى تم نقلها على الهواء مباشرة التصريحات والاتهامات وإستجوابات المحامين لمدة ستة أسابيع والعالم كله فى إنتظار الحكم الذى غالبا سوف يكون قد خرج إلى النور بعد وصول هذا المقال إلى المطبعة، وربما يكون قد صدر الحكم الذى تمنى كل من شاهد المحاكمة أن ينتهى لصالح جونى ديب الذى أطلق عليه المتابعون فى مصر لقب: «جونى أمل حربى».

 

ما استوقفنى حقا فى هذه المحاكمة وما أنا بصدد الكتابة عنه ليست التهمة الغريبة ولا كم التمثيل الذى شاب الجلسات، ولا محاولات «أمبر» لكى ترتدى ثوب الحمل وأن تتخلص من ثياب الذئاب قبل دخولها قاعة المحكمة، ولا كفاءة محامية «ديب» التى راحت تكشف عورات زوجته وتجردها من الأكاذيب الواحدة تلو الأخرى، بل فى الحقيقة أستوقفتنى مأساة أكبر وهى كيف أصبحت حياة زوجين مشاعا بهذه الدرجة.

لماذا احتفظ كل منهما بكل تلك الرسائل التى تبادلاها طوال تلك السنوات من العشرة والحب لتصبح سلاحا يشهرانه فى وجه إحداهما الآخر؟.

على سبيل المثال أبرز محامو هيرد تسجيلًا صوتيا يصرخ فيه ديب متوجهًا إلى هيرد التى كانت لا تزال زوجته «اخرسى أيتها السمينة»، وفى رسائل نصية كتبها إلى أصدقائه عام ٢٠١٣ كتب يقول وربما كانت على سبيل المزاح «فلنحرق أمبر» وأنه يريد «مضاجعة جثتها المحترقة للتأكد من أنها ماتت».

إلا أن المزاح انتهى اليوم إلى كونه أدلة جنائية استدل بها محام الطرفين لكسب نقاط فى القضية، فالخاسر سوف يخسر ملايين بل سيخسر عمله وسمعته.

سبق للممثل البالغ ٥٨ عامًا أن أوضح أنه وزوجته دأبا على تسجيل شجاراتهما والإبقاء على رسائلهما الصوتية، فهل هذا مجرد مؤشر على التوتر الذى كان سائدًا بينهما خلال سنوات زواجهما أم أنه مؤشر على أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت سلاحا خطيرا وخلعت ورقة التوت عن المستور فى البيوت؟.

ويتبادل ديب وهيرد الاتهامات بالتشهير فى هذه المحاكمة التى تحظى باهتمام إعلامى واسع وتنقل المحطات الإخبارية الأمريكية وقائعها.

تقول هيرد بدموع تنهمر لا يعلم سوى الله وحده إن كانت هذه دموع تماسيح أم هى دموع امرأة كسرها الزمان (أتصور أنها دموع التماسيح بلا جدال).

تقول هيرد وهى تقاوم دموعها: «المضايقات والإهانات، الحملة ضدى التى يتردد صداها كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعى، والآن أمام الكاميرات فى صالة العرض- كل يوم يجب أن أعيش الصدمة من جديد». «ربما يكون من السهل أن تنسى أننى إنسانة».

 

أطلقت خدمات التسجيل الصوتى للواتساب وحفظ الصور والرسائل على التليفونات المحمولة وال آى كلاود فقط لتقريب المسافات وخلق تواصل اجتماعى بين المستخدمين، هكذا جاءت تسميتها. إلا أن تلك الوسائل أصبح لها دور سلبى كبير على الأواصر الاجتماعية، وانعكاسات كبيرة على الأسرة ودور رئيس فى التفكك الأسرى، بل ظهر لها اليوم وجه أكثر قبحا وهو ما ظهر فى هذه القضية المشينة وما حدث بالمثل فى حالات أخرى ودعونى أذكركم، على سبيل التذكرة..

تعرضت سيدة عراقية لعملية ابتزاز إلكترونى من زوجها شملت تهديدها بنشر صور وفيديوهات عارية لها عبر مواقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) ما لم تدفع خمسة ملايين دينار عراقى مقابل مسحها وعدم نشرها على تلك المواقع وفق ما أعلنت صحيفة عراقية، ويبقى السؤال: كيف صورها وبأى حق وكيف وبأى سيف حياء وافقت؟.

أما الزوجة الأخرى المصدومة فى تصرفات زوجها، فقد اكتشفت أنه أرسل صورها الخاصة بـ»ملابس النوم» لأقاربها وأصدقائها وأزواج صديقاتها فى رسائل عبر تطبيقات الشات متعمدًا فضحها بعد طلبها الطلاق منه بسبب جلوسه فى المنزل دون عمل لأشهر طويلة من فترة الزواج التى لم تتجاوز عاما و٨ أشهر، مؤكدة أنها تركت منزل الزوجية وعادت لمنزل أهلها بعدما فقدت الأمل فى الزوج، كما اضطرت للعمل من أجل الإنفاق على ابنتها».

ويقول الزوج عبر رسائل نشرتها زوجته من تليفونه المحمول لوالدتها: «عايزك تعرفيها إنى بعت والله صور ليها تطبع وهبعت أوزعها فى مكان شغلها برده.. وقوليلها لسه فى تانى كتير ياللى عماله تغلطى معاها بس دى تصبيرة.. انتظروا كل يوم صورة بقميص نوم شكل».

وفى تفاصيل قضية أخرى رقم ٢٠٨٥١ لسنة ٢٠١٩ جنح عين شمس، تقدمت زوجة ببلاغ لقسم شرطة عين شمس، تفيد أنها ضحية عنف وابتزاز من قبل زوجها، وقدمت قرصا مدمجا يتضمن محادثات نصية لحساب على الفيس بوك يهددها بنشر صورها وفيديوهات لها على مواقع التواصل الاجتماعى، مطالبا إياها بمبلغ مالى ٢٠٠ ألف جنيه مقابل عدم نشرها، وأنها لا تعلم من صاحب هذا الحساب، وأضافت الزوجة فى بلاغها أنه يوجد خلافات بينها وبين زوجها، وقضايا متداولة فى المحاكم، وأن تلك الصور والفيديوهات لها فى منزل الزوجية ولا تعرف كيف تم التقاطها، مطالبة اتخاذ الإجراءات القانونية، قامت الشرطة بالتحريات اللازمة وتتبعت الحساب الذى أرسل لها الرسائل، وتبين إرسالها من جهاز لاب توب من عنوان بمصر الجديدة، وبالتوجه إلى المكان تبين أنه منزل أم زوج المجنى عليها، وبتفتيش المنزل عُثر على جهاز لاب توب، وبفحصه وُجد عليه عدد من المقاطع والصور للزوجة فى غرفة نومها.

وكشفت التحريات أن الزوج المتهم قام بابتزاز زوجته لوجود خلافات بينهما، وذلك عن طريق استخدام الإنترنت من منزل والدته مستغلا صور لها التقطها دون علمها أثناء علاقتهما على فراش الزوجية.

 

هكذا تعرى الجميع على شاشات المحمول وتحولت أعمار البشر إلى مجرد مجموعة رسائل نصية وصوتية وبضع صور تم التقاطها فى فرحة أو فى غفلة، لتصبح سلاحا نطلق منه النار على بعضنا البعض، وأصبح من حق المحكمة أن تفرغ التليفون والكمبيوتر، حتى إن لم تحصل على تصريح بذلك فشركات الإنترنت والتليفونات المتطورة تملك أرشيفا لكل منا هو صندوق أسود يصبح شاهدا وقت اللزوم.

صورتك أنت وزوجتك، رسائلك لأصدقائك، حديثك مع زملائك فى العمل.

وبين عشية يوم وضحاها تنقلب الذكريات إلى كابوس، والضحك إلى ابتزاز لدرجة جعلت الزملاء فى مكان العمل الواحد يبتزون بعضهما البعض بالتسجيلات وكأنه أصبح عالم عنوانه «الجستابو» فى أروع أدواره!.

فقد البعض القيم وفقد الكثيرون الأمان!.

فمرحبا بكم فى هذا العالم المخيف.. عالم السوشيال ميديا.. حيث حياتنا ليست سوى مجموعة من الصور والرسائل التى نستدعيها وقت الحروب.

أحيانا أتسائل.. أين كنا؟ وكيف كنا؟..

وماذا لو بقى العالم كما كان.. عالم بلا تكنولوجيا تسببت بكل قسوة فى إتعاسنا؟!.

ماذا لو؟!.....