عادل حمودة يكتب: وداعًا للذهب أهلًا بالنحاس

مقالات الرأي

عادل حمودة
عادل حمودة

١٠٠ شركة متعددة الجنسيات مسئولة عن ٧١٪ من الانبعاثات الحرارية

العالم يحتاج ٢٣ تريليون دولار حتى لا يتدهور المناخ أكثر

محاكمة الدول الصناعية فى مؤتمر شرم الشيخ: أين الـ ١٠٠ مليار التى وعدتم الدول النامية بها؟

المعادن الخضراء التى تصنع منها معدات إنتاج الطاقة النظيفة توصف بـ «القوى العظمى الجديدة»

 

سيضاف النحاس إلى قائمة السلع السياسية التى تنافس النفط واليورانيوم والذهب فى التأثير على العالم.

يرتفع الطلب على النحاس ــ ومعه الكوبالت والنيكل ــ يوما بعد يوم فى هدوء لكنه سيقفز إلى السماء عندما يتابع العالم جلسات مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ.

السر فى المعادن الثلاثة أنها معادن ضرورية حيوية تدخل فى صناعة السيارات الكهربائية وصناعة معدات توليد الطاقة النظيفة المستدامة من الشمس والرياح ومساقط المياه التى ستسد (٧٠٪) من حاجة البشرية فى عام ٢٠٥٠ ارتفاعا من (٩٪) فى عام ٢٠٢٠.

حسب الوكالة الدولية للطاقة فإن حجم سوق هذه المعادن «الخضراء» سيزداد بنحو سبعة أضعاف بحلول عام ٢٠٣٠ مما شجع مجلة «ألأكونوميست» على وصفها بـ «القوى العظمى الجديدة».

فى سيبريا بدأت شركة «التندار كاز» التى يمتلكها «أليشر عثمانوف» ــ وهو من أثرياء روسيا المقربين من السلطة الحاكمة ــ فى تطوير منجم نحاس تطلب منه إزالة قمة جبل بأكملها فى القطب الشمالى مستخدما كاسحات جليد ومحطة نووية عائمة وبناء ميناء خاص لكن تلك التكلفة «الخرافية» ستجلب ربحا «خرافيا» بعد أن بدأت «القوى العظمى الجديدة» فى الصعود.

سوف تحقق الدول المنتجة للمعادن الثلاثة ١.٢ تريليون (ألف مليار) دولار سنويا بدءًا من عام ٢٠٤٠ بعد أن تزايد الطلب عليها وارتفع سعرها لأنها توفر طاقة صحية نظيفة ومستدامة ورخيصة جدا.

على أن كثيرًا من شركات التعدين متعددة الجنسيات بدأت فى التنقيب عن هذه المعادن لتوقع زيادة الطلب عليها كلما زاد الطلب على معدات تصنيع الطاقة النظيفة، بل إن تلك الشركات تتوقع مكسبا منها يفوق مكاسبها من التنقيب عن الذهب.

بل أبدت كثير من البنوك رغبتها فى تمويل التنقيب عن المعادن الخضراء وخصصت ٢ تريليون دولار قروضا للشركات حتى عام ٢٠٤٠.

لن يفخر العالم بعد اليوم بما ينتج ويستهلك من حديد وصلب وأسمنت وإنما سيفخر بالمعادن الخضراء التى تبلغ إيراداتها السنوية مجتمعة ٦٠٠ مليار دولار.

لكن «القوى العظمى الجديدة» لن تنل طفرة كبيرة من السيطرة على الطاقة مثل طفرة النفط (والغاز) التى أطاحت بالفحم بعد الحرب العالمية الثانية ورفعت حصة الدول الغنية فى إمدادات الطاقة من (٢٦٪) إلى (٧٠٪) ومنحت مناطق إنتاجها أهمية استراتيجية غير مسبوقة.

على أنها ــ فى الوقت نفسه ــ رفعت نسبة الكربون فى الهواء الذى نتنفس ورفعت درجة حرارة الأرض التى ليس لنا كوكب غيرها وأثرت فى قوانين الطبيعة مهددة مدنًا عريقة بالغرق وفارضة الجفاف على مناطق منتجة للغذاء ومثيرة لعواصف وأعاصير غاضبة لم تعرف البشرية مثلها من قبل.

طوال ربع قرن تزايد الوعى بأخطار الاحتباس الحرارى وجمعت الأمم المتحدة ممثلين من كل بلد على هذا الكوكب للتعاون من أجل إيجاد الحلول المناسبة قبل أن تتضاعف الكارثة فى مؤتمرات سنوية (كوب) سيعقد القادم منها فى شرم الشيخ (٧ــ ١٨ نوفمبر).

كانت البداية من مجلة «تايم» التى تعودت اختيار شخصية العام من بين الشخصيات المؤثرة لكنها فى اليوم الأول من عام ١٩٨٨ فاجأت الدنيا باختيار «الأرض المهددة بالانقراض» شخصية العام أو «كوكب العام» قائلة: إنها «حرب يجب أن تكون فيها جميع الدول متحالفة».

وفى العام نفسه أسست الأمم المتحدة «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» وتتألف من ثلاثة آلاف من العلماء وماسحى المحيطات وخبراء الاقتصاد لدراسة الاحتباس الحرارى وتأثيره.

ولكن الدول الصناعية الكبرى صمت أذانها وأغمضت عينيها واستمرت فى بث مزيد من سموم الكربون فى الهواء حتى اكتوت بأضراره.

تعرضت الصين إلى موجات غير معتادة من العواصف والسيول لم تشهدها من قبل أثرت على محصول القمح وخفضت من حجم المحصول وضعف السنبلة وإن بقيت الأعلى فى إنتاجه عالميا.

وفى الوقت نفسه أصاب الجفاف منطقة الحزام الأمريكى الأوسط المنتج للحبوب مما أثر على سعر الخبز.

وجاءت ضربات المناخ تحت الحزام فى وقت أثرت الحرب الروسية فى أوكرانيا على أسعار الغذاء وهددت نصف مليار إنسان بالجوع.

لكن ذلك لم ينزع الأنانية من ضمير دول كثيرة لا ترى سوى نفسها ومصالحها متجاهلة مطالب «العدالة المناخية» حيث يكسب الأثرياء من التلوث ويموت البسطاء منه.

على أن الضمير الشعبى العالمى بدأ يضغط على الحكومات لكى تأخذ مؤتمرات المناخ بجدية أكثر فليست مصطبة للثرثرة ولذلك فالرهان على «كوب ٢٧ فى شرم الشيخ» يتزايد ساعة بساعة.

فى الوقت نفسه يبدو أن القطاع الخاص فى الدول الصناعية (الديمقراطية) قرر أن يجلس على مقعد القيادة لتكون المبادرة منه كما تعود فى لحظة مليئة بالفرص والمخاطرة معا.

لم تتردد كثير من الشركات (خاصة فى الدول الديمقراطية) فى تحسين البيئة الصناعية بتقليل الانبعاثات الضارة وطالبت المنظمات الأهلية بتخفيض الضرائب على تلك الشركات ووضع علامة خضراء على منتجاتها لتمييزها عن منافستها ولتصبح المقاطعة الشعبية وسيلة إجبارية لحماية الكوكب.

لكن الاستثمار الخاص لم يكتف بتخفيف الكربون وإنما قرر التخلص منه تماما فى مصانعه مستخدما ما يعرف بـ «تكنولوجيا المناخ»

وحسب «تايم» فإن الاستثمارات فى «تكنولوجيا المناخ» وصلت إلى ٨٧.٥ مليار دولار من منتصف عام ٢٠٢٠ إلى منتصف عام ٢٠٢١ «وفقًا لثلاثة تقارير صادرة عن مجموعات استشارية متخصصة.

لكن التحدى الأكبر ليس إيقاف الكارثة وإنما علاج آثارها.

التحدى الأكبر هو التوصل إلى تكنولوجيا جديدة تقدر على تخفيض درجة حرارة الأرض وإزالة الكربون الموجود فى الغلاف الجوى وهى عمليات معقدة تحتاج مليارات وتستغرق عقودا وتشترط رضاء الدول الصناعية الكبرى مثل الصين التى لا تزال مصرة على استخدام الفحم حسب القاعدة الشهيرة: «المكسب قبل الناس».

لكن التظاهرات التى وقفت أمام فندق «هيلتون ــ هيوستن دالاس» عكست القاعدة ورفعت لافتات كتب عليها: «الناس قبل المكسب».

كان الفندق يستضيف المؤتمر السنوى لشركات الطاقة ولم يستطع أحد المشاركين فيه الخروج من الباب الرئيسى خشية الاعتداء عليه بعد أن وصفوا جميعا بأنهم «أعداء الإنسانية».

على المنصة حملت وزيرة الطاقة الأمريكية جنييفر جرانهولم رسالة من رئيسها جو بايدن يدعو فيها الشركات إلى مساعدة الحكومة فى تغيير المناخ لكن النشطاء فى الخارج لا يثقون كثيرا فى الشركات.

الحقيقة أن لا حل للمشكلة إذا ما ألقيت على طرف واحد ولا بد من تحالف الجميع (الحكومات والشركات والمنظمات الأهلية) للنجاة منها وإلا أغرقهم الطوفان.

لا مفر من التوافق بين الحكومات والشركات على تحمل الاستثمارات اللازمة مثلما فعلت وزارة الطاقة الأمريكية مع مؤسسات صناعية خاصة «لتعزيز سلسلة إمداد الطاقة النظيفة وتوسيع شحن السيارات الكهربائية وتسويق التقنيات الخضراء الجديدة» حسب «تايم».

والمبادرة الأهم إنتاج طاقة بتقنيات خالية من الكربون.

وحسب إحصائيات منظمة «سى دى بى» المعنية بالمناخ فإن ١٠٠ شركة عالمية فقط مسئولة عن ٧١٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى على مدى الثلاثين سنة الماضية.

لكن المشكلة ليست فى البحث عن متهم نحاكمه ونعدمه وإنما فى وضع بروتوكول علاجها وتوفير مصادر تمويله.

فى الخريف الماضى حددت أكثر من ألف شركة تبلغ قيمتها السوقية مجتمعة ٢٣ تريليون دولار أهدافا لخفض الانبعاثات حسب الاتفاق الذى انتهى إليه مؤتمر المناخ فى باريس (كوب ــ ٢١).

عقد المؤتمر فى ٢٠١٥ وانتهى إلى العمل بجدية على احتواء الاحترار العالمى لأقل من درجتين ليقف مؤقتا عند ١.٥ درجة وتخصيص ١٠٠ مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية فى تحسين مناخها على أن يعاد النظر فيه عام ٢٠٢٥ على أقصى تقدير.

لكن ذلك لم يحدث ولم تنل الدول النامية سنتا واحدا مما سيحفزها على طرح المشكلة أمام مؤتمر «شرم الشيخ».

سيدعم موقفها تقرير «مايكل جرينسون» كبير الاقتصاديين فى مجلس استشارى الرئيس باراك أوباما الذى رصد آثار العدوانية التى تعاملت بها الشركات العالمية مع قضية المناخ فى الدول النامية ومنها ملايين من المرضى والمشردين والعاطلين والجائعين.

والمؤكد أن الضغوط الدولية فى قضية المناخ طوال ثلاثين سنة (من مؤتمر ريودو جانيرو إلى مؤتمر شرم الشيخ) فرضت على أصحاب الأصوات الرئيسية فى مجتمعات الأعمال (مثل بيل جيتس ومايكل بلومبيرج وإيلون ماسك) أن يتعاملوا مع الكارثة بجدية.

وخلال عامى ٢٠١٢ــ ٢٠١٤ تضاعفت قيمة الاستثمار الأمريكى المخصص للصناديق المستدامة التى أخذت فى الاعتبار قضايا البيئة والحوكمة البيئية وحوكمة الشركات إلى ما يقرب من ٧ تريليونات دولار وفقا لبيانات مؤسسة «أس آى إف» غير الهادفة للربح.

لكن الدول النامية لم توضع فى الحسبان ولم تنل سوى اتهام بالتلوث رغم أن مصادر التلوث مصانع تمتلكها شركات أمريكية وأوروبية غسلت يديها من الكربون لكنها لم تغسل يديها من المال الحرام الذى تكسبه.

إن مؤتمر المناخ القادم فى شرم الشيخ لن يكون مجرد ثرثرة وانفضت وإنما سيكون محاكمة للدول الصناعية التى تعالج الكارثة بسذاجة وكأنها تريد التخلص من سرطان بقرص أسبرين.

أين الـ ١٠٠ مليار دولار التى وعدتم بها الدول النامية لمساعدتها فى قضية المناخ.

لم لا تقاطع منتجات الدول غير الملتزمة بقواعد المناخ التى وضعها خبراء الأمم المتحدة.

هل توقعون على وثيقة دولية من ثلاث كلمات هى «الناس قبل المكسب» وهل تلتزمون بتنفيذها؟

إن العالم يستعد للمؤتمر من اليوم بصرخات وبيانات واقتراحات وكأنه فرصتها الأخيرة لبيئة نظيفة على كوكب لن يسمح لأحد بإهانته فيما بعد.