أهداف روسيا المُتقلصة.. كيف غيرت شكل العالم؟ " الجزء الأول"

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

كتب/ أحمد ياسر

تقلصت أهداف الحرب الروسية من غزو أوكرانيا إلى مجرد التوسع في أراضي الدويلات التي من المفترض أنها ذهبت للحرب لحمايتها، وفي المقابل، نمت أهداف حرب أوكرانيا من البقاء على قيد الحياة إلى استعادة جميع الأراضي التي فقدتها روسيا منذ عام 2014، هذه الأهداف التي لا هوادة فيها تضع روسيا وأوكرانيا في حرب استنزاف مع أمل ضئيل في التوصل إلى تسوية تفاوضية.
ويمكن للمعركة المستمرة في دونباس، أن توفر لروسيا بعض "النجاحات التكتيكية والنصر الدعائي"، ولكن ربما لا تقدم نجاحًا استراتيجيًا، وقد يؤدي المزيد من الخسائر إلى إضعاف الجيش الروسي إلى الحد الذي يتيح شن هجمات مضادة أوكرانية لاحقًا، أو حتى يتسبب في انقسام الجيش الروسي.
وربما يجد القادة في موسكو، أن الجيش المنضب لا يترك لهم سوى خيارات قليلة للنصر، وأن حتى تفوقهم في الأسلحة النووية قد لا يكون مفيدًا كما هو مفترض،  وذلك علي حد وصف تقرير لمعهد فورين بوليسي للدراسات السياسية والاستراتيجية.

*أهداف الحرب الروسية المتغيرة..
كانت نظرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشخصية، لاستقلال أوكرانيا،  معروفة علنًا منذ عقود، في عام 2007 أخبر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، أن أوكرانيا ليست دولة حقيقية، وجاءت رغبة روسيا في الإبقاء على أوكرانيا ضمن دائرة نفوذها للضغط على الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش في عام 2013 لرفض اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي. 
كان الاتفاق غير مقبول بالنسبة لموسكو، لأنه كان من الممكن أن يؤدي إلى اندماج أوكرانيا في نهاية المطاف في الاتحاد الأوروبي ومؤسسات أخرى من المجتمع الديمقراطي الليبرالي الغربي، وعندما أدى هذا الضغط إلى نتائج عكسية وأدى إلى ثورة في عام 2014، ضمت موسكو شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني ودعمت التمردات المسلحة في مقاطعتين أوكرانيتين انفصاليتين أعادت تسمية نفسيهما فيما بعد إلى جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية.

ثماني سنوات من الصراع بين أوكرانيا والجمهوريات الانفصالية مع حملة دعاية روسية صورت أوكرانيا على أنها دولة فاشية نازية جديدة ودمية في حلف شمال الأطلسي، تحت هذا الستار والمبرر الأيديولوجي الغير مفهوم انطلق الغزو الروسي علي أوكرانيا، وفي يوليو 2021، أكد بوتين في مقال مكتوب شخصيًا أن الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين هم أمة واحدة، واستنكر نائب مجلس الأمن الحالي دميتري ميدفيديف الحكومة الأوكرانية ووصفها بأنها غير شرعية وادعى أنه من غير المنطقي أن تتفاوض موسكو مع كييف، وبحلول نهاية عام 2021، عكست السياسة الروسية الرسمية ملاحظة بوتين غير الرسمية بأن أوكرانيا لم تكن دولة حقيقية وبالتالي ليس لها الحق في الوجود.

عندما بدأت الحرب تم إطلاق مصطلح  "عملية عسكرية خاصة" في 24 فبراير 2022، وأعلن بوتين أن أهداف روسيا هي "نزع السلاح" من أوكرانيا، وباستخدام قوالب تكتيكية واستراتيجية من حربي تشيكوسلوفاكيا عام 1968، وأفغانستان في عام 1979، توقع على ما يبدو أن تقوم قواته المسلحة وأجهزة استخباراته بانقلاب رئيسي من خلال الاستيلاء على كييف، وتنصيب حكومة ممتثلة من المتعاونين مع الروس.
و قدم بوتين روسيا على أنها حزب مظلوم، تم إجباره على خوض الحرب من قبل الغرب الساعي للهيمنة العالمية والنظام الأوكراني الإجرامي الذي يحاول الإبادة الجماعية في الجمهوريات الانفصالية، التي أعلنت استقلالها...
وأصر على أن روسيا ليس لديها طموحات إقليمية وأن سياسته في أوكرانيا هي تحرير شعب أوكرانيا الذين اختطفتهم حكومتهم، ومع ذلك، توقف الهجوم الروسي بسرعة ولم يتمكن من الاستيلاء على كييف.

وبحلول أوائل أبريل، كانت القوات الروسية تنسحب  بالقرب من كييف، وأعيد انتشارها في جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية،  بمجرد أن أصبح واضحًا أن موسكو لا تستطيع تحقيق أهدافها الحربية الأولية، تقلصت الأهداف السياسية بما يتناسب مع تقلص قدرات الجيش الروسي، وتم الإعلان عن الأهداف الجديدة من قبل رئيس مجلس الأمن نيكولاي باتروشيف في مقابلة  في 26 أبريل مع صحيفة روسيسكايا غازيتا الحكومية الروسية الرسمية، عندما صرح بأن كراهية أوكرانيا لروسيا ستؤدي إلى تفككها إلى عدة دول.
ولتحقيق ذلك، شنت روسيا هجومًا لاحتلال ولايتي دونيتسك ولوغانسك بالكامل في شرق أوكرانيا وبدأت في إضفاء الطابع المؤسسي على الحكم الروسي في جنوب أوكرانيا المحتلة، واستبدلت سلطات الاحتلال الروسي العملة الأوكرانية، الهريفنيا، بالروبل ؛ بالإضافة إلي  استبدال الكتب المدرسية الأوكرانية وحتى المدرسين بأخرين روس؛ كما تم استبدال لافتات الطرق  باللافتات الروسية، ووافق بوتين على قانون لمنح جوازات سفر روسية للأوكرانيين في الأراضي المحتلة، وهو نفس التكتيك المستخدم لتبرير خروج المحميات الروسية من جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوهانسك الشعبية، وأوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا.
وتستخدم روسيا أساليب أكثر وحشية، حيث اعتقلت السلطات الروسية مسؤولين أوكرانيين محليين، وعشرات إن لم يكن مئات الآلاف من السكان تم إبعادهم بالقوة من منازلهم، وإرسالهم إلى "معسكرات الترشيح" التي اشتهرت لأول مرة في حروب الشيشان.
وتعتبر تكتيكات مثل اعتقال واختفاء قادة السكان الأصليين، والترحيل الجماعي، وفساد النظم التعليمية والقانونية، واستبدال وثائق الهوية، وتضخيم نداءات بعض المتعاونين كأمثلة على "إرادة الشعب" أحد أدوات روسيا وتم استخدامها  لأول مرة من قبل السوفييت في بولندا عام 1939، ثم في عام 1940 لضم دول البلطيق المستقلة بالقوة إلى الاتحاد السوفيتي.
وتم إتقان هذه التكتيكات نفسها بين عامي 1944 و1948 لإخضاع دول أوروبا الشرقية تحت السيطرة السوفيتي، وتم إحياؤها وتعديلها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي للسماح لموسكو بدعم الجمهوريات المنشقة في ناغورنو كاراباخ، وأوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وترانسدنيستريا، كوسيلة للحفاظ على النفوذ على أذربيجان وأرمينيا وجورجيا ومولدوفا، واتبع هذا النمط أيضًا لدعم جمهورية دونيتسك الشعبية والانفصاليين في جمهورية لوهانسك الشعبية في عام 2014.

كل هذه التكتيكات تأتي مصحوبة بمناشدات خفية للحنين إلى عظمة الإمبراطورية الروسية من خلال إحياء مصطلحات مثل "نوفوروسيا" أو إعادة ترسيخ شعار النبالة القيصري، ومن المحتمل أن يأمل الكرملين في أن يتردد صدى الحنين إلى العظمة الإمبريالية لدى الجمهور الروسي، كما حدث بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، بحيث يُنظر إلى أهداف الحرب المتغيرة على أنها تستحق التكاليف المترتبة على ذلك.