د. رشا سمير تكتب: جوائز الدولة الحائرة ما بين التفوق المُستحق والمجاملات الموعودة!

مقالات الرأي

بوابة الفجر

                    

الجوائز كانت ولازالت حلم كل إنسان متحقق، كل شخص ناجح وقادر على الوقوف على مسرح الحياة ليقول: أنا موجود وناجح..
كاتب، فنان، باحث، رياضي أو حتى إقتصادي، الكل يسعى ويعمل ويحلم بالتقدير وبالجوائز ليس فقط لقيمة الجائزة المالية بل لقيمتها المعنوية..فالجوائز تقدير لعُمر من الإنجازات وخطوة مهمة في السيرة الذاتية، فقط لو كانت مستحقة!
إلى هنا تنتهي المقدمة وتبدأ الحكاية..

الجوائز لمن يستحقون:
‏يخشى الكثيرون طرق الأبواب التي تأتي بمواضيع شائكة وتطلق الخفافيش في وجه من ينتقد أو حتى يعقب، فيوصم بالغيرة ويوصف بأنه عدو النجاح!..
وموضوع الجوائز بلا شك واحد من أهم هذه المواضيع الشائكة.
أنا هنا بصدد الحديث عن الجوائز الأدبية في العموم لأنها هي المعنية بالنسبة للوسط الأدبي الذي أنتمي إليه، وخصوصا أننا بدأنا موسم حصاد الجوائز من البوكر والشيخ زايد وأخيرا جوائز الدولة التقديرية في مصر.
فماذا لو؟

جوائز الدولة المصرية:
منذ أيام ظهرت قائمة الفائزين بجوائز الدولة في القاهرة وهي الجوائز التي تعتبر الواجهة الأدبية والعلمية لمصر، وهي التي ما دام أثارت لغط كبير واعتراضات من المثقفين،
ولطالما هاجمها أصحاب الأقلام، لأنها مع الوقت ومع ما آل إليه المجتمع دخلت تحت طائلة المجاملات ومين يعرف مين؟
لكن الحق أن الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة تستمع إلى الرأي الآخر وتقرأ ما يُكتب وتحاول بقدر الأدوات المتاحة لها بأن تتلافى الأخطاء عام بعد عام.
والحقيقة أيضا أنها وصمة عار فحتى لو طال الفساد كل شئ، متى يصل الفساد للثقافة فهذه كارثة!.
الإتهامات هذا العام بعيدة عن الهيئات وتتمحور في الأشخاص، لأن المجاملات أصبحت عبارة عن وعود شخصية من أفراد في داخل اللجان لهم علاقات مباشرة مع المتقدمين ويعدونهم بالترويج لهم مع زملائهم من أعضاء اللجان بالتصويت لهم، سواء أن يكون للشخص نفسه علاقات أم أن هناك جهات بعينها تسوق له، وهو ما بدا جليا مع بعض الأسماء الفائزة! وفي النهاية التبرير المُعتاد هو أن الإختيار يعبر عن ذائقة شخصية! وهو ما ليس صحيحا على الإطلاق في حالة جوائز الدولة، لأنها جائزة لمشوار طويل وانجازات واضحة وليس لعمل واحد!
لكن دعونا أيضا ألا ننسى بأن نشيد ونشير إلى حالة الرضا والسعادة التي أحدثها فوز من استحقوا الفوز بحق مثل المخرج العظيم داوود عبد السيد والروائي المبدع استاذنا إبراهيم عبد المجيد وغيرهم.

نبذة عن الجوائز:
جوائز الدولة ببساطة ولمن لا يعلم هي مجموعة جوائز في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية والعلوم الاقتصادية والقانونية وتشمل جوائز الدولة (النيل، والتقديرية، والتفوق، والتشجيعية).
جوائز النيل هي للمبدعين المصريين؛ والتي تمنح في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وجائزة النيل للمبدعين العرب، والتي تمنح لأحد المبدعين العرب في أيٍّ من مجالات الفنون أو الآداب أو العلوم الاجتماعية، 
يدعو المجلس الأعلى للثقافة الهيئات التي لها حق الترشيح لجوائز الدولة إلى إرسال أسماء مرشحيها في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية
عدد جــوائز الدولـة التقديرية المخصصة عشــر جـــوائز (ثـلاثة للفنون – ثــلاثة للآداب – أربـــعة للعـلوم الاجتماعية).

الجهات المرشحة:
أما لو تحدثنا في هذه النقطة فسيطول الحديث، الجهات التي تقوم بترشيح الأسماء لجوائز (النيل - التقديرية - التفوق) هي الهيئات العلمية المشتغلة بالفنون أو الآداب أو العلوم الاجتماعية المحددة بقرار المجلس الأعلى للثقافة؛ على ألا تكون الجامعات الخاصة من بين تلك الهيئات (ما عدا جائزة التفوق يجوز تقدم الشخص بنفسه) ولماذا؟ العلم عند الله..
ما المقصود بأن يرشح الشخص نفسه؟ هل لأنه يرى ما قدمه يستحق؟ المُنجز الطويل لا تحدده إلا الدولة أما إذا كان الترشيح عن عمل أدبي ففي هذه الحالة يجوز ترشح الشخص بنفسه أما في حالة جوائز الدولة فيراها الكثيرون سقطة. 
كيف يرى شخص أن مشواره الأدبي يستحق التقدير؟ ألا يجب أن ترى الدولة ذلك عنه وترشحه كدولة؟ 
الحقيقة أن هذا هو رأي الكثيرون لأن جوائز الدولة معنية بفكرة المشوار العُمري والمنجز الأدبي الطويل فيما قدمه هذا الفائز في مجاله من إنجازات وليس كعمل واحد.
أما مبررات الترشيح من الجهة أو الهيئة التي تتقدم بالترشيح فهي عادة صفحة واحدة بها أسباب تفصيلية دعتهم لترشيح هذا الشخص..وتعتبر هذه المبررات جزءًا من الأوراق التي لا تكتمل إجراءات الترشيح بدونها.
الشرط الآخر والأهم وهو أن يكون الترشيح في نطاق تخصُّص الهيئة التي تتولى الترشيح، وهو في الحقيقة الشئ المستغرب في هذه الجوائز، فعلى سبيل المثال،
ترشح للحصول على جائزة النيل في الآداب هذا العام كل من الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، عن مجلس إدارة أتيليه الإسكندرية، والشاعر الكبير فاروق جويدة، عن مجلس إدارة مكتبة الإسكندرية.
فيما ترشح لجائزة النيل في الفنون كل من المخرج الكبير محمد فاضل، عن نقابة المهن التمثيلية، أما المخرج الكبير داوود عبد السيد، فقد تم ترشيحه عن مجلس إدارة الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية وهو في الحقيقة ما يستحق التوقف عنده، فلماذا لم يتم ترشيحه عن طريق نقابة المهن السينمائية أو ربما الدولة المصرية ككيان كبير لأنه إسم يستحق.
وفي العلوم الاجتماعية؛ ترشح اسم الراحل الدكتور رجائي عطية، مرشحًا عن مجلس إدارة الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية وهو رجل نقيب محامين وله باع طويل في السلك القضائي فكيف تكون جهة الترشيح الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية؟ 
كما ترشح لجائزة النيل للمبدعين العرب كل من، الدكتور قيس العزاوي، عن مكتبة الإسكندرية وهو رجل يستحق الفوز عن جدارة لما قدمه للثقافة العربية من دعم وحرص على الإزدهار والتفرد، كذلك د.علي عبد الله خليفة عن نقابة المهن السينمائية وهو شاعر بحريني وله مشوار طويل في المجال الثقافي، وهو فوز مستحق بعيدا عن جهة الترشيح.
كما ترشح لجائزة الدولة التقديرية في مجال الفنان القدير رشوان توفيق، ولكن الغريب أنه ترشح عن طريق جامعة القاهرة؟! وما علاقة جامعة القاهرة بمشوار رشوان توفيق الفني؟
إنه موضوع يستحق التوقف عنده وإعادة صياغة الجهات المُرشحة لتوجيه الجهات المعنية فقط بتقديم الأفضل وللإرتقاء بقيمة ومعنى الجائزة.
كما أن فكرة أو مبدأ (الشئون الإجتماعية) يجب أن يبتعد عن الجوائز، فهناك على مدار السنين الماضية جوائز أعطيت لشخص يعاني من ضائقة مادية وجائزة أدبية أعطيت لكاتب فقد عزيز لديه فكانت الجائزة محاولة إنسانية لخروجه من أزمة وهو ما يندرج تحت بند الخاطرة الإنسانية ويفتقد لمعيار التقييم الحقيقي وربما يسرق من أحد المشاركين الذين يستحقوا الفوز فرصتهم!

جائزة التفوق للأداب والعظيم إبراهيم داوود:

في الماضي ومنذ أن أنشئت جوائز الدولة كان أعضاء لجنة التحكيم هم أعضاء المجلس الأعلى للثقافه، وهم أعضاء يتحلون بالوقار بالقطع ولكن في كثير من الأحوال غير متخصصين، فكانت تلك هي المشكلة الرئيسية التي تُربك النتائج وتضعها في مرمى النيران عقب كل دورة، وهو ما دعى وزير الثقافة الأسبق المثقف الدكتور جابر عصفور  رحمة الله عليه بوضع لمسته المختلفة بإنشاء ما يسمى بلجان الفحص..
تلك اللجان هي لجان فرعية معنية بإختيار اربع اسماء من ضمن القائمة الطويلة،
في البداية كان دورهم مجرد استشاري يؤخذ به أو لا يؤخذ، ثم بعد ذلك تطور الأمر والعلم عند الله لأسباب هذا التطور، فتم إلزام هيئة التحكيم برأي اللجنة ومن ثم أصبحت هناك اسماء تستبعد بسبب هذه اللجان الفرعية التي أحدثت عدة مشكلات منذ سنوات على سبيل المثال بإضافة مؤلف شاب لا تنطبق عليه شروط الجائزة واستبعاد آخر بدلا منه يستحق!.
لجان الفحص من المفروض إنه ا لجان متخصصة في كل مجال.
هذا العام جاءت نتائج جائزة الدولة للتفوق فرع الآداب صادمة للمثقفين والمتوقع، 
ترشح للحصول على جائزة الدولة للتفوق في الآداب كلا من: الشاعر الكبير صاحب التاريخ المتميز إبراهيم داوود، الكاتبة ريم بسيوني، السيناريست العظيم عبد الرحيم كمال، الدكتور المتميز عمرو دوارة.
توقع المثقفون بل وبصموا بأن الأستاذ المتميز والشاعر الكبير سوف يكون من الفائزين نظرا لما قدم في مجال الثقافة وتقديرا لمشواره الطويل الذي جعل منه قدوة لكل الأدباء..كما توقعنا جميعا فوز الكاتب والسيناريست المرموق عبد الرحيم كمال بجائزة الدولة، وللأسف جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن..والرفاق حائرون يتسائلون لماذا لم يفوزان؟

جوائز النيل التي أسعدت مصر:
– في مجال الفنون فاز بها المخرج داوود عبدالسيد.
– في مجال الآداب فاز بها الروائي ابراهيم عبدالمجيد.
– في مجال العلوم الاجتماعية فاز بها اسم المرحوم الدكتور رجائي عطية.
جوائز النيل للمبدعين العرب فاز بها الدكتور قيس العزاوي من العراق.
فوز مستحق لكل من فاز من هذه الأسماء العظيمة التي أسعدت مصر بأسرها.

صوت مصر إيمان عبد الدايم:
قامت أكاديمية الفنون بترشيح مغنية الأوبرا المرموقة وأستاذة بالاكاديمة، وهى د. ايمان عبد الدايم  شقيقة وزيرة الثقافة لجائزة الدولة للتفوق فى الفنون، وطبقا للقانون ولائحته التنفيذية المنظمة للجوائز، اختارت لجنة فحص جائزة الدولة فى الفنون د. ايمان لتكون ضمن القائمة القصيرة التى تضم أربعة مرشحين ليختار منهم المجلس إثنين.
لا أعلم إذا كان الترشيح توريط للوزيرة أم أنه إختبار أم أنه مجرد ترشيح عادي مثل أي ترشيح آخر؟ إلا أنه وقبل ساعات من اجتماع المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الوزيرة، قررت د. ايمان عبد الدايم التقدم باعتذار مكتوب، عن الترشح للجائزة، وبالفعل اجتمعت لجنة الفحص، قبل ساعات من التصويت، وتم تصعيد مرشح جديد للجائزة.
الحقيقة أنني كواحدة من جمهور الأوبرا حضرت حفلات عديدة كانت إيمان هي بطلتها وهي دون مجاملة صوت قوي معبر وصاحبة أداء متميز يشهد لها الجميع، وحرمانها من الترشح لمجرد أنها شقيقة الوزيرة ليس إنصافا..لكن وللأسف يدفعنا المجتمع كثيرا إلى التنازل عن حقوقنا أمام القيل والقال.

في النهاية ألف مبروك لكل من فاز وهو يستحق وحظ أفضل في الأعوام القادمة لكل من تقدم وفاز بدل منه من لا يستحق..ومبروك لمصرنا الغالية لأنها الرحم الذي لا ينضب ولا يكف عن إنجاب المبدعون.

                               [email protected]