محمد الجارحي يكتب "ثورة 30 يونيو والشباب وصناعة مستقبل مصر"

الفجر الفني

محمد الجارحي
محمد الجارحي

في حياة الدول والشعوب لحظات حاسمة تحكم استمرارها وتقدمها بل وبقاءها، ومصر نموذج للدولة التي واجهت على مر تاريخها سلسلة من التحديات الكبرى التي يصل تهديدها أحيانًا لبقاء الدولة وهويتها، ولكن يخطئ من يظن أن مصر يمكن قهرها أو السيطرة عليها وتحويل مسارها التاريخي الممتد؛ فمصر كما وصفها الجغرافي العظيم "جمال حمدان"، في كتابه الموسوعي "شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان" هي: "أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم، غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة. مصر هي قدس أقداس السياسة العالمية والجغرافيا السياسية".  
ولعل ثورة 30 يونيو، خير دليل وبرهان على ذلك، فهي ثورة شعبية مجيدة ستظل محفورة في الأذهان، تلك الثورة التي حفظت لمصر هويتها في وجه من حاولوا العبث بحاضرها ومستقبلها؛ لتعيد لمصر بريقها ووجهها الحضاري والريادي. فرغم إدعاء الجماعة الإرهابية وأعضائها بأنهم قد تملكوا ناصية الأمور، وأن الدنيا قد دانت لهم، إلا أن المصريين كانت لهم وجهة نظر أخرى، واستطاعت مصر بفضل شعبها الواعي وقائدها الوطني المخلص أن تزيح تلك السحابة السوداء؛ لتعود مصر بقوة، كما يجب أن تكون.


فبقيادة وطنية شجاعة استطاعت مصر بدعم شعبها العظيم أن تواجه هذا التحدي الوجودي وتنقذ الدولة وتعبر بها مرحلة انتقالية صعبة، وتضع ركائز قوية لجمهورية جديدة تعيد لمصر تقدمها وريادتها إقليميًا ودوليًا، بعقد اجتماعي يضمن للمواطن على اختلاف ربوع مصر حياة كريمة وحقوق كاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بل وبيئية.


وإذا كان لنا أن نصف السنوات التسع الأخيرة، منذ ثورة 30 يونيو 2013 وحتى يونيو 2022، فإن "سنوات الإرادة والعمل والإنجاز"، هو الوصف الدقيق لتلك السنوات، فعلى مدارها تكاتفت الدولة حكومةً وشعبًا تحت رعاية وتوجيهات الرئيس "عبد الفتاح السيسي"؛ لانتشال مصر من مرحلة عنق الزجاجة التي مرت بها طوال فترة عدم الاستقرار، والأزمات المتتالية بين ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013. 


والحقيقة أنه منذ ثورة 30 يونيو سعت القيادة السياسية إلى تحقيق الاستقرار والتنمية من خلال حزمة من الإصلاحات الجذرية الجرئية مع ثقة غير مسبوقة في قدرة المواطن على تحملها، لتتجاوز مصر تحديات مرحلة التغيير والإصلاح، ويصبح الاقتصاد المصري ضمن قائمة الاقتصادات الأعلى نموًا. ولم تكن سياسة مصر الخارجية وتحركاتها الإقليمية والدولية بمعزل عن هذا التطوير، فرغم صعوبة التحديات وتصاعد المخاطر الخارجية، إلا أن مصر استعادت ريادتها باعتراف الجميع. وبالتالي، جاءت ثورة 30 يونيو؛ لتصحيح المسار، وإعادة الاستقرار والانطلاق في مسيرة البناء والتنمية الشاملة لتدشين جمهورية جديدة تليق بحضارة مصر وعظمة شعبها.


ولم يكن الشباب المصري بعيدًا عن ذلك، فقد عانى طوال السنوات الماضية قبل 30 يونيو، من التهميش وعدم الثقة فى الإنجاز وانعدام القدرة على المشاركة الفعالة، وحُرم من المشاركة في صياغة مصير وطن والوصول إلى المواقع القيادية المختلفة. إلا أنه بتولي الرئيس "عبد الفتاح السيسي" زمام الأمور، أولى اهتمامًا خاصًا بتمكين الشباب على كافة المستويات، ولم ينل الشباب المصري في أي عهد سابق، هذا القدر من الاهتمام والتمكين الذي تلقاه حاليًا.


والحقيقة أن الدولة المصرية فى ظل الجمهورية الجديدة تؤكد على اتساعها للجميع وقبول الاختلاف لصالح الوطن، وتتبنى الدولة نهجًا تشاركيًا فى السياسات والإجراءات الحكومية، وتشجع القوى المختلفة والمجتمع المدني والقطاع الخاص فى المشاركة في عملية التنمية ومواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية. وإذا كانت مصر قد نجحت فى مواجهة الأزمات الكبرى بثبات؛ سواء أزمة كورونا أم أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن هذه الأزمات قد صاحبها تأثير وتداعيات قوية على الاقتصاد والمجتمع المصري، مما يستدعي التكاتف والتفكير الجماعي لتحديد خطوات واضحة للتعامل مع تلك الأزمات، وهو ما تدعو إليه الرئاسة المصرية بشكل واضح، ويمثل الحوار الوطني الحالي فرصة للجميع للمساهمة في ذلك. ويقيني أنه مهما كانت التحديات ستعبرها مصر لتحيا دائمًا وأبدًا وطنًا يعيش فينا.