د. رشا سمير تكتب: كلمة حق أريد بها...سبوبة!

مقالات الرأي

بوابة الفجر

                                 

الكلمة...

في الأصل كانت الكلمة والباقي هو إستثناء..

في الأصل كانت الكلمة التي هي بمثابة طلقة حبر تخرج من الأفواه لتصيب كبد الحقيقة..نعم، تلك هي الكلمة الصائبة وتعريفها في قانون الحياة..الكلمة التي تنتصر للحق، التي ما دام غيرت مواقف وتصدت للباطل.

الكلمة دون شك تعبر عن الموقف والموقف بلا جدال يعبر عن صاحبه وعن ثباته وشجاعته وأحيانا ثورته الإنسانية.

على مر التاريخ جاء من تصدوا لباطل بكلمة الحق، وجاء من إستطاعوا إحداث التغيير بالكلمة والقلم والميكروفون..وتبدل الزمان وتبدلت المواقف فظهر مثل شعبي يعبر عن المتغيرات الإجتماعية الجديدة هو: " كلمة حق أريد بها باطل"!.

إذن أصبح توظيف الحق مشروع لخدمة الباطل أو لتبريره!..هذه دون شك هي تداعيات الزمان وتوابع ما طرأ على المجتمعات من تغيير.

تبدلت مواقف البشر وتغيرت أخلاقهم ولم يعد هناك من يستطع أن يقف في وجه الباطل ولا حتى أن يشير إليه، لأن القاعدة العامة أصبحت هي المواربة والعصا من المنتصف، بل والتدليس إذا صح التعبير!.

كل هذه المعاني جالت بخاطري وأنا أتابع قضيتان هما وجهان لعملتان إختلفت فيهما قيمة الشخص.. 

أولهما هو موقف الفنان محمد صبحي نجم المسرح المصري الذي قدم مسرحيات وأعمال تربوية أعلت من شأن القيم ونشرت الفضائل والأخلاق لأجيال..

هذا الرجل الذي أثار غضبا عاصفا ضده من البعض حين صرح قائلا في أحد اللقاءات، بأن بلاده مصر تحمل الريادة الفنية بالوطن العربي، لافتا إلى أنه "عرضت عليه ملايين الدولارات للسفر إلى السعودية وتقديم عمل هناك ولكنه رفض"..وأضاف قائلا: أرفض أن يقدم الفن تحت عنوان "الترفيه"، وقال بخصوص ذلك معلقا: "أنا مش مرفهاتي"!.

هل أخطأ الفنان صاحب التاريخ الطويل..بالقطع لا!

هذا هو موقف محترم من إنسان إحترم نفسه وتاريخه الفني وهذا لا يعني أبدا موقف ضد دولة بعينها أو جهة بعينها، لكن وبكل صدق أنا شخصيا من أكثر الناس الذين يقدرون المواقف الثابتة حتى لو دفع صاحبها ثمن شجاعته وإيبائه..وأحترم من كل قلبي كل إنسان نجح وحفر لنفسه تاريخ طويل من الإنجازات وقرر بعد أن إعتلى قمة النجاح أن يحافظ على تاريخه وكرامته.

بالمثل ولو أن الشئ بالشئ لا يقارن، أتذكر ما حدث للمطربة المصرية أمال ماهر التي كان أمامها فرصة ذهبية لتتربع على عرش مصر الغنائي كواحدة من أقوى الأصوات التي ظهرت عقب تاريخ طويل من العمالقة مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وشادية وفايزة أحمد وغيرهم.

الواقع يؤكد على أن أمال ماهر تعثرت وأربكت حساباتها مُعادلة الدولار النفطي في مواجهة النجاح الفني، ومن هنا قررت أن تنزلق بإرادتها في مهاترة إنسانية أفقدتها إحترام كم كبير من جمهورها، ثم إختفت..ثم عادت..ثم...الله أعلم!.

أشعر بالأسى لما آل إليه الحال بمطربة كان أمامها الفرصة لمستقبل فني واعد وآثرت أن تخبو، الموقف الغريب حقا هو الموقف الأخير، والشائعات التي ترددت فجأة واعتلت كل مواقع التواصل الإجتماعي بإختفاء المطربة الشابة وأنها حبيسة أحد السجون ويتم تعذيبها وهو الشئ الذي لم يثبت صحته من عدمه حتى كتابة هذه السطور، الغريب حقا أنه لم يتحرك أحد، اللهم إلا بيان هزيل من نقابة المهن الموسيقية، وخبر سريع في أحد البرامج..لم يخرج أحد ليقول كلمة حق، أو يسأل أين إختفت المطربة، وكيف تم مسح تاريخها الفني بهذه الطريقة، بل ما قيل على لشسان كل من عملوا ودن من طين وودن من عجين أنها مجرد تمثيلية تقوم بها المطربة الشابة من فترة لفترة لإستعطاف جمهورها وللفت الإنتباه!.

كل ما أريد أن أقوله في نهاية هذا الطرح هو لماذا لم يخرج أحد ليقول كلمة حق، لماذا لم تخرج أي جهة لتتسائل عن مكان الفنانة المصرية وخصوصا المؤسسات التي تتبنى قضايا المرأة، ولماذا سكت الجميع عن موضوع لم نكن لنعرفه سوى لأن مواقع التواصل الإجتماعي كانت أقوى وأسرع من الصحافة؟

أخطأت أمال ماهر حين بحثت عن طريق السعادة التي تصورت أن قيمته بالدولار مع العلم أن النجاح يا فنانة لا يقاس إلا بحبات العرق والمجهود..أخطأت لأنها هوت وإختارت أن تهوى..

ولكن لازال التساؤل مطروحا: لم يخرج أحد ليقول كلمة حق؟..

قد يكون إختفاء المطربة مجرد شائعة أو مجرد فقاعة هواء أو حتى خبر أريد به تريند ولكن، كنت أتمنى لو كان هناك من يستطيع أن يقف بشجاعة ويقول كلمة حق حتى لو كان الثمن..السبوبة!

                                           [email protected]