آراء حول عرض المومياوات في المتاحف هل يجوز أم لا

"شيخ وعلماء يفتحون النيران وآخرون يردون" عرض "المومياوات" ما بين الرأي والرأي الآخر

أخبار مصر

عرض المومياوات ما
عرض المومياوات ما بين القبول والرفض

تُعد قضية عرض المومياوات المصرية القديمة، في فتارين المتاحف، من القضايا التي أثارت جدل كبير عبر سنوات طوال، وقد بدأ فيها الجدل مبكرًا وصدرت بخصوصها عدة فتاوى تؤكد أن للموامياوات نفس حرمة جسد المتوفي، فيما ارتفعت أصوات أخرى قائلة إن هذا العرض من قبيل الدراسة وجذب المزيد من الدخل السياحي، فيما قال آخرون لا يجوز عرض أجساد أجدادنا للمشاهدة، وبين هذا وذاك كان هذا التحقيق الذي يجمع العديد من الآراء ما بين مؤيد ومعارض لفكرة عرض المومياوات في فتارين المتاحف المختلفة، مع مقترحات لحل هذه المعضلة. 

كيف بدأ الجدل؟

مومياء الملك توت عنخ آمون

أثار القضية مرة أخرى والتي يمتد فيها الجدل منذ عهد الرئيس السادات، فتوى للشيخ أحمد كريمة تناولتها العديد من المواقع الإخبارية، يقول فيها إن المومياء ما هي إلا جسد جد من أجدادنا، ويجب ألا يتم انتهاك حرمة جسده بالعرض أمام الأعين في الفتارين، وهذا يعتبر انتهاكًا لحرمته. 

وأثارت الفتوى العديد من المهتمين بالشأن الأثري سواءً المتخصصين منهم أو الأكاديميين أو المشتغلين بالمجال أو حتى هواة ومحبي الحضارة المصرية بشكل عام، وكان في مقدمة من أبدوا الرأي بسام الشماع المؤرخ المعروف والذي أيد ما ذهب إليه الشيخ أحمد كريمة. 

بسام الشماع 

بسام الشماع 

وقال الشماع في تصريحات خاصة إلى الفجر، إن ما ذهب إليه الشيخ أحمد كريمة سبقه إليه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، والشيخ عبد الحليم محمود، حيث أن الفتوى الدينية أفادت بحرمة أجساد الموتى للمشاهدة بهذا الشكل. 

وأضاف الشماع، للميت حرمه، وكلمة مومياء لا تعني أنه حجرًا أو أثرًا حجريًا، فالمومياء هي إنسان بشر يستحق الاحترام والتكريم، وعدم عرض أو ثقب أو تصوير المومياوات أو الأجساد، وتخيل إن فعلوا هذا مع قريب لك أو مقرب منك فى الأسرة، فهل سترضى؟ 

وقال الشماع، أما عن الأسرار التي تحملها المومياء، فقد تم اكتشافها فسر التحنيط لم يعد سرًا، وكم الإهانة التى تعرض لها هؤلاء البشر من القدماء من تصوير وعرض عراة من رجال ونساء أو التعريض للأشعة أو ثقب لاستخراج عينات الـ DNA. 

وما الفائدة من دراسة فنون التحنيط، نحن لا ولن نحنط، وحتى عند دراستهم، ما هي نسبة النجاح في معرفة سر التحنيط حتى بعد كل هذه الدراسات المهينة؟، فهل ترضى أن يعريك أحد بعد مماتك كما فعل عالم مصريات مصري مثلا بتوت عنخ إمن؟ بالطبع لا، أرجعوا المومياوات إلى مقابرها. 


الدكتور أحمد بدران 

الدكتور أحمد بدران 

وفي ذات السياق قال الدكتور أحمد بدران أستاذ الآثار المصرية القديمة في جامعة القاهرة، إن المومياوات المصرية بشكل عام تعرضت لإهانات وانتهاكات كثيرة عبر التاريخ؛ وكان الأوروبيون في العصور الوسطى يشترون المومياء ويتم سحقها وطحنها واستنشاق ما ينتج منها اعتقادًا منهم أنها تورث القوة الجنسية.

وتابع بدران، لدينا 375 ملكًا مصريًا قديمًا في حين أن الباقي من مومياواتهم 22 مومياء، فأين ذهب الباقون، ولا أقل مما حدث مع الملك رمسيس الثاني في فرنسا، عندما سمح الفرنسيون بتعرية جسد الملك وتصويره من خلال القنوات التلفزيونية، وسمحوا لموشى ديان بالدخول على الملك وقام بسبابه، وركل تابوته، قائلًا أخرتنا من مصر قديمًا وأخرجناك منها حديثًا.

وأشار بدران إلى أن أي مومياء تُكتشف الآن، أين ستذهب فالمتاحف مكتظة، وبها ما يكفيها، ومخازنها لم تعد تحتمل، وهنا أقترح اقتراحًا قد يفض هذا الاشتباك وهو قائم على أساس علمي أكاديمي بحت.

مقترح وحل

وأوضح بدران اقتراحه قائلًا، يتم تشكيل لجنة علمية، وهي مكونة بالفعل منذ عام 2005م، وهذه اللجنة تكون برئاسة الدكتور زاهي حواس، وعضوية عالم في الأشعة، وعالم في الأنثروبولوجي، وعلماء في الأنسجة والتحاليل، وعلماء في الترميم العضوي، ويتم عمل مسح شامل لكل المومياوات وتصويرها ثلاثي الأبعاد وإجراء كل الفحوصات عليها.

وتابع بدران، ثم نقوم بإنشاء نُصب تذكاري هو الأضخم في العاصمة الإدارية الجديدة، وأسفله عدد كبير من الغرف المجهزة للحفظ، ويتم إيداع كل المومياوات بها، "دفنها"، ويتم إلحاق غرفة ضخمة بالنصب، مجهزة بطرق عرض "هولوجرام" تعرض تاريخ المومياوات وصورها، وبهذا نكون حافظنا على أجساد أجدادنا من الامتهان بالعرض في فاترينة زجاجية.

ويكون افتتاح ذلك الشاهد رئاسيًا بحضور كل رؤساء وملوك العالم، ويكون يوم 3 أبريل من كل عام يوم مشهودًا بزيارة الرئيس ودعوة رؤساء وملوك العالم لزيارة الشاهد الملكي، ويتم تصميمه بحيث تتعامد الشمس على واجهته الرئيسية يوم 3 أبريل من كل عام، ويصبح مزارًا عالميًا مثل معابد أبو سمبل.

تعقيب 

وعقب الشماع على كلام الدكتور أحمد بدران قائلًا في تصريحات إلى الفجر، بالطبع أتفق مع الدكتور بدران من أن عرض المومياوات مهانة ويجب دفنها، ولكت تجميع كل المومياوات في مكان واحد هو أمر ضار للغاية، وخاصة من كل الاجراءات التي ستحيط بهذا الشاهد، وإجراءات التأمين التي ستستدعي مد أسلاك الطاقة والمراقبة، وهو ما قد يضر أكثر مما يفيد، وسنكون كمن جمع البيض كله في سلة واحدة، بحيث سيسهل ساعتها على أي موتور أو حاقد عمل أي عمل تخريبي يضر بأجدادنا. 

وأضاف الشماع يجب إعادة كل مومياء إلى مقبرتها، وإغلاق المقبرة، وننشئ مستنسخ من المقبرة للزيارة، وقد فعلت فرنسا ذلك مع كهوف لاسيكو، والتي عمرها آلاف الأعوام، حيث خافوا على رسوماتها وتصويراتها من التضرر، فقاموا بإغلاقها وصنع مستنسخ لها وهو ما لم يؤثر إطلاقًا على نسب الإقبال. 

الدكتور منصور بريك 

الدكتور منصور بريك

فيما قال الدكتور منصور بريك عالم المصريات والخبير الأثري المعروف، في تصريحات إلى الفجر، إن مسألة عرض المومياوات في المتاحف هي مسألة مهينة بلا شك لأجدادنا، وقد اتخذ فيما مضى الرئيس السادات قرارًا بغلق قاعة المومياوات الملكية في المتحف المصري بالتحرير حفاظًا على حرمة أجسادهم. 

وأضاف بريك أتفق مع الرأي القائل بحرمة عرض المومياوات، ويجب أن نبتكر من الوسائل ما يحافظ على مهابة وحرمة أجساد أجدادنا الملوك العظام الذين حكموا العالم القديم كله، وهنا أقترح بأن يتم وضع كل مومياء في التابوت المخصص لها، ولا يتم عرض المومياء إطلاقًا في فاترينة، مع عرض مومياء واحدة تكون مغطاه بالكامل عدا الوجه، وكل ثلاثة أشهر نعرض مومياء جديدة بنفس الطريقة بحيث لا يظهر منها سوى الوجه، وبذلك نكون حققنا الغرضين، الأول وهو الحفاظ على حرمة المومياوات والثاني وهو الحفاظ على الإقبال السياحي.

وأشار بريك إلى أننا في وادي المومياوات بالواحات البحرية اكتشفنا آلاف المومياوات، فأين سنعرضها، فتم تركها في مقابرها بعد استخراج المتعلقات إن وجدت، وهذا هو الصحيح فيجب الخفاظ على ما يتم اكتشافه بنفس موضعه وبنفس طريقة الدفن. 

وعن المقابر الملكية في وادي الملوك قال بريك، يجب الحفاظ عليها مفتوحة للزيارة، فهي كنز أثري، وسجل متكامل عن الفكر الدينى للمصري القديم عن العالم الاخر إلى جانب كونها تحوي نقوش ورسومات وتوابيت  مختلفة تعكس  مهارة  المصري القديم فى الفن والعمارة والنحت مع متابعة  أعمال الترميم  لتلك  المقابر بصفة مستمرة حفاظا عليها للأجيال  القادمة، ويجب أن يتم تطوير المنطقة من حولها بكل السبل المتاحة مع الحفاظ على الشروط الأثرية، بحيث تزداد إليها الزيارة.  

الدكتور عبد الرحيم ريحان

الدكتور عبد الرحيم ريحان

فيما قال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، تعليقًا على فتوى الدكتور أحمد كريمة، إن للعلماء مكانة وقدر كبير ونحن نقدّر الدكتور كريمة كعالم فاضل ونوضح عدة نقاط، أولًا: أن الإسلام رأى في الآثار السابقة الدليل المادي الملموس على وجود قوم آخرين للتعرف على حياتهم وحضارتهم ودراسة أسباب ازدهارها أو هلاكها وبضياع هذه الآثار بأي شكل من الأشكال هو ضياع وفقدان لحضارة معينة، ودعا الإسلام للرجوع إليها والنظر إليها للاعتبار والعظة، "فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ".
وتابع، رفات السلالات البشرية تقع ضمن الآثار كما جاء في التعريف الوارد في قانون حماية الآثار، "الأثر كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان منذ عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام متى وجد على أرض مصر وكانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التى أنتجت أو قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها"
وأوضح ريحان أن الآية رقم 92 في سورة يونس "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً  وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ" والتى أبهرت علماء الآثار في الغرب تشير إلى أن جثمان فرعون موسى بعد غرقه طفت على سطح البحر ليراها الجميع ليكون عبرة لمن خلفه إلى يوم القيامة والمقصود بمن خلفه في وقت الحدث هم بنو إسرائيل ليؤمنوا بالمعجزة ومن خلفه من ملوك مصر القديمة ليتعظوا مما حدث له ومن خلفه من الناس أجمعين المقصودة في الآية الكريمة "وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ"
ويتساءل الدكتور ريحان كيف يكون عظة للناس من بعده إذ لم يشاهده الناس؟ وقد أخذ المصريون القدماء جثته وقاموا بتحنيطها طبقًا للمعتقد المصرى البعث والخلود وعثر عليها في الاكتشافات الأثرية، ويستنتج ريحان من ذلك أن هذا الشخص يجب أن يراه الناس وينعكس ذلك على باقي المومياوات فلا مانع من عرضها خاصة أنه لا يوجد دليل أثري واحد حتى الآن على شخصية فرعون الخروج.  
ونوه أن تحنيط الجثامين يغير من صفاتها وحتى لغويًا يتغير اسمها إلى مومياء ولو تعرضت لعوامل التعرية ستتحلل فورًا لذلك تخضع لنظم خاصة وضعت على أسس ع+لمية وبهذا فهو تكريم وليس إهانة لصاحبها كما أنها تخضع للدراسة من أساتذة متخصصين لمعرفة السلوك البشرى والأمراض التي تعرضوا لها ووسائل العلاج والكثير من المعلومات عن هذه الحضارة وبالتالي فإن استخراج المومياوات وعرضها يخضع للإشراف والدراسات العلمية وهو ما أجازه الدكتور أحمد كريمة وليس الهدف هو حصد الدولارات حتى أن هذا النوع من السياحة يطلق عليه السياحة الثقافية للتعرف على حضارات الشعوب وليس من قبيل الترفيه والداخل إلى حجرة المومياوات يصمت تمامًا احترامًا لهذا المكان ومن الطبيعى أن يدفع الزائر مقابل لهذه الخدمة، وهو يقطع آلاف الكيلو مترات للتعرف على حضارتنا العظيمة وليس للفرجة على بهلوانات والدين الإسلامى دعى إلى السير في الكون للتعرف على حضارات السابقين. 

 الدكتور مجدي شاكر

الدكتور مجدي شاكر 

اتفق الدكتور مجدي شاكر، كبير أثريين بوزارة السياحة والآثار، في أنه يجب الحفاظ على حرمة ومهابة المومياوات، وقال إن لدينا مشكلة في العرض، فمثلًا نجد في متحف تورين، أنه يتم عرض المومياوات في قاعة عنوانها “قاعة البقايا البشرية” مع تحذير مكتوب على باب القاعة، من لو أن هذا يتعارض مع عقيدتك أو قبولك النفسي فلا تدخل، ويتم عرض أجزاء معينة مثل الوجه وأطراف الأصابع والباقي مغطى، مع وجود عرض هولوجرام يوضح قصة حياة المتوفى وما مر بظروف للمومياء من لحظة الاكتشاف. 

وتابع شاكر، من الممكن هنا أن نستعين بتلك التجربة مع الوضع في الاعتبار ما نعتقده دينيًا، فلا يتم عرض المومياء بل توضع في التابوت الخاص بها، مع وضع شاشات هولوجرام وشاشات ثلاثية الأبعاد لشرح المومياء والتحنيط وغير ذلك مما يتعلق بكل مومياء، وبهذا نكون قد حققنا الغرضين معًا.

عرض المومياوات بين القبول والرفض 

وبعد هذا العرض الوافي من العلماء والمتخصصين من مختلف الاتجاهات والرؤى والاقتراحات، أصبحت الصورة أكثر وضوحًا، وأصبحنا نلمس شبه إجماع على قضية حرمة عرض المومياء، ولكن هناك ما يساوي هذا الإجماع يطالب بالحفاظ على الزخم السياحي الموجود حول المومياوات المصرية القديمة، وبين هذا وذاك يبقى الأمر يحتاج إلى قرارًا حاسمًا نافعًا لأجدادنا ولمستقبل بلادنا.