أحمد ياسر يكتب: مُباراة العودة 2024.. "بايدن أم ترامب"

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

دعونا نفكر في الشكل الذي قد تبدو عليه الحالة العالمية اليوم.. لو أصبح دونالد ترامب رئيسًا في عام 2020، قد تكون النتائج في ظل إدارة ترامب افتراضية أو عددًا لا يحصى من الافتراضات، ولكنها فريدة من نوعها من حيث أنه يمكننا قياس الاختلافات الصارخة في سياسة الرئيس جو بايدن لسجل الرئيس السابق والمقاربات المعروفة للظروف التي تواجه أمريكا والمجتمع الدولي عندما كان في منصبه.

بالإضافة إلي التناقض في سياسة الشؤون الخارجية، والذي يبدوا واضحًا للغاية بين هذين الزعيمين المتعارضين تمامًا والذي وضع الأمة والعالم، في اتجاهين متعاكسين تمامًا عند مفترق طريق الناخبين.

على الجبهة الدولية، من المعروف أن الأعداء أو الراغبين في مواجهة المصالح الأمريكية أقل احترامًا تجاه قائد حذر وسلبي  مثل "بايدن"، في حين أن العدو سيفكر لفترة أطول قبل التصرف عسكريًا أو صياغة توسعات استراتيجية إذا كان عليهم أن يزعجوا زعيمًا جريئًا ونشطًا وذكيًا مثل "ترامب"، ويتضح هذا عند تحليل سجلات كلا الزعيمين عند التصرف بشكل حاسم أو الرد على التهديدات والصراعات التي تعيق مصالح الأمن القومي.

مع قيام كوريا الشمالية باختبار الصواريخ الباليستية وتهديدها لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، صرح ترامب، الذي أثار استياء الكثيرين، أن الولايات المتحدة لديها زر أكبر من كوريا الشمالية، ومهد هذا الطريق للقاء كيم جونغ أون، وبالتالي أوقفت الأمة الحمراء اختباراتها الخطيرة خلال الفترة المتبقية من إدارة ترامب، لم يمض وقت طويل بعد أن تولى بايدن منصبه حيث أعادت كوريا الشمالية عام 2021، تشغيل مفاعل نووي وبدأت اختبار الصواريخ الباليستية، ولقد أرسل الحد الأدنى من رد بايدن، على تصرفات كوريا الشمالية رسالة واضحة للعالم مفادها أن أمريكا أضعف في ظل هذا القائد.

انتزعت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في ظل رئاسة "أوباما وبايدن"، دون عواقب تذكر، خلال ولاية ترامب، لم يكن هناك توسع إقليمي كبير لروسيا بسبب احترام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرجل قوي في البيت الأبيض.
في الواقع، تعرض ترامب للسخرية بسبب الضغط ضد روسيا عندما دعا حلف شمال الأطلسي، لعدم دفع حصته من الإنفاق العسكري للحلف ولأنه نصح ألمانيا بعدم الاعتماد على خط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي لغازهم.

وعلي الجانب الآخر، سارع بايدن، الذي لطالما انتقد ترامب لعلاقته الحميمة مع بوتين، إلى رفع العقوبات عن الشركة الروسية التي تقف وراء مشروع نورد ستريم 2. بشكل أساسي، أصبحت ألمانيا الآن رهينة اعتمادها على الطاقة الروسية لتغذية اقتصادها، وأصبح خط الأنابيب الآن جائزة جيوسياسية كبرى لتمويل حرب الكرملين في أوكرانيا، ويعتبر قرار بايدن هو سوء تقدير استراتيجي كبير.

التمييز بين ترامب وبايدن أكثر حدة عند التعامل مع إيران والشرق الأوسط، فقد  اتخذ ترامب موقفًا صارمًا ضد إيران، بفرض عقوبات اقتصادية شديدة جعلت النظام يتخبط نحو الاستسلام لطموحاته النووية، ثم قطع المساعدة عن الفلسطينيين بسبب عدم الاستقرار وعدم رغبتهم في الاعتراف بحق الكيان الصهيوني في الوجود، وضعت هذه القرارات التي اتخذها ترامب، واشنطن، في موقع قوة في التفاوض على النتائج المتوالية في جميع أنحاء المنطقة.

سرعان ما شهدنا ثمار سياسات ترامب عندما فعل ما لم يفعله أي رئيس آخر من قبله، لم تعترف أي دولة عربية أخرى بإسرائيل منذ اتفاقية السلام التاريخية بين مصر وإسرائيل في عام 1979، في عام 2020، وقعت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقية "أبراهام"، لرسم مسار جديد في التاريخ لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وفي وقت لاحق من ذلك العام، حذت دولتان السودان والمغرب، حذوهما وانضمتا إلى اتفاقات أبراهام.

شهدت إحدى النتائج المركزية لاتفاقات "أبراهام"، بين الدول الموقعة ازدهار المبادرات الثنائية داخل القطاعين الخاص والمجتمع المدني، وقد مهد هذا الطريق للمزايا الجيوسياسية والاقتصادية الممتدة في المنطقة، وإرساء أساس للسلام يمكن للدول الأخرى الاستفادة منه؛ وخصت حصنًا تعاونيًا ضد تهديد النظام الإيراني المصمم على زعزعة استقرار المنطقة.

من ناحية أخرى، عكس بايدن مساره بشأن إنجازات ترامب الرئيسية، ويجد نفسه الآن يسعى جاهدًا لحفظ ماء الوجه مع حلفاء أمريكا في المنطقة، أعاد بايدن إعفاءات أوباما من العقوبات لإيران والتي تسمح للشركات الروسية والصينية بتنفيذ أعمال عدم الانتشار؛ لجعل من الصعب استخدام المواقع النووية الإيرانية لتطوير الأسلحة، ويعتبر تخفيف العقوبات الأمريكية بمثابة الضوء الأخضر، لضخ النظام الإيراني للأموال لتمويل مراكز الإرهاب، التي ترعاها الدولة في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، وتزويد روسيا بالتكنولوجيا العسكرية لمحاربة أمريكا في أوكرانيا.

في أعقاب رحلة بايدن الأخيرة، للتوسل للحصول على النفط من المملكة العربية السعودية، الدولة التي وصفها بأنها "منبوذة"، أعلنت إيران أنها قادرة الآن على صنع قنبلة نووية، وقال" كمال خرازي"، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامني، إن بإمكانهم بسهولة إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب للحصول على سلاح نووي بشكل أساسي، فإن الاعتراف بالدولة الشريرة قد تجاوز سقف التخصيب المنصوص عليه في اتفاق أوباما النووي لعام 2015.

قد يكون رأس بايدن في الرمال مقابل رفع العقوبات عن إيران في مقابل الإشراف على بوتين هذا الثعلب الماكر، فقد حصل الرئيس الروسي على دعم قوي للحملة العسكرية لبلاده في أوكرانيا عندما قال المرشد الأعلى الإيراني، إن الغرب يعارض قيام روسيا المستقلة والقوية في مواجهة توغل عسكري لحلف شمال الأطلسي على حدودها، ووصفت تعليقات من البرلمان الإيراني روسيا بأنها الشريك الأكثر استراتيجية لإيران.

وأشاد بوتين، بأهمية العلاقات الوثيقة بين موسكو وطهران عندما أضاف أن البلدين يعملان على "تعزيز تعاونهما في مجال الأمن الدولي"، كان من الممكن أن تحصل أمريكا على هذا البيان مرة واحدة لإظهار قوتها وقيادتها العالمية، فبعد عامين من ولايته، يجد بايدن الآن أنه غير "مندمج" في الصندوق الذي صنعه لنفسه، والذي أصبح أصغر بشكل متزايد، لقد فقد الكثير من رأس المال السياسي الذي اكتسبه ترامب في الشرق الأوسط، وهو الآن يطالب باستعادة نفوذه.

يحث بايدن الآن إسرائيل والدول العربية على التراجع عن النفوذ الروسي والصيني والإيراني.. قد يكون متأخرا جدا.. ويجب على إسرائيل أن تتساءل عما إذا كانت أمريكا تغطي ظهرها حقًا.

حصلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على المكاسب التي كانت متاحة خلال زيارة بايدن المُحرجة، وسوف ترفض الدولتان ضخ المزيد من النفط بما يتجاوز الخطة التي وافق عليها تحالفهما للطاقة مع موسكو، وربما سيزيد "الجُرح ألما ً"، عندما تعلم أن شراء السعوديين للأسلحة الصينية ارتفع بنسبة 400٪.


يبدو أن مباراة العودة في 2024 بين بايدن وترامب شبه مؤكدة إذا أعلن أحدهما، والآخر يميل إلى التحدي، في حين أن التضخم المرتفع، وأسعار الغاز الهائلة، والوظائف، والاقتصاد العام ستؤثر بشكل كبير على الأمريكيين في استطلاعات الرأي، فإن قيادة السياسة الخارجية ستكون بالتأكيد قضية متناقضة يجب مراعاتها عند تحديد من يمكنه قيادة أمريكا والدفاع عنها بشكل أفضل في عالم متقلب بشكل متزايد.