اعرف نبيك (1).. عفو النبي محمد

إسلاميات

بوابة الفجر

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من أرحم الناس وأرأفهم بالناس، وأكثر الناس عفوا، ورحمة، وأرحبهم صدرا، فكان يحبه الناس لصدقه ورأفته ومحبته ورحمته بهم.

مواقف لرحمة النبي محمد

ذهب النبي محمد صلى الله عليه وسلم،  إلى الطائف يدعو الناس إلي الإسلام؛ بعدما كذبه قومه وسفّهوه وعذبوا أصحابه وطاردوهم، ولاقى منهم أصناف الأذى فعزم على الذهاب إلى الطائف فقابله أهلها بالسب والتسفيه والحجارة حتى ابتل ﷺ وغشي عليه، ومع ذلك يقول له ملك الجبال لو أمرتني أطبق عليهم الأخشبين قال: لا أريد هلاكهم فإنهم لو لم يؤمنوا أرجو أن يؤمن أولادهم.

 

عفوه عن الظالمين بعد واقعة أحد


عندما كسر الكفار رباعيته في غزوة أحد وشجوا وجهه وجرحوا رأسه حتى إنه وقع في حفرة، فقال الصحابة: لو دعوت عليهم، فقال: إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

 

من يمنعك مني يا محمد!!


هذا موقف عظيم ينبئ عن كريم أخلاقه كيف لا،  وقد قال الله ﷻ عنه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، نام النبي تحت شجرة وحده، وسيفه معلق فجاء غورت بن الحراث، فأخذ السيف وقال: من يمنعك مني  فقال النبي ﷺ: الله، فسقط السيف من يده فأخذه النبي، وقال: من يمنعك مني ؟ قال كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه، فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس.

عندما تعرض هبار بن الأسود لزينب بنت رسول الله حين هاجرت فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها ففر ثم جاء إلى النبي طالبًا عفوه، فعفا عنه.


ولن أطيل عليكم، فالقصد من إيراد مثل المواقف الكثيرة ليس حصرها وبيان كل منها وإلا لطال بنا المقام، ولا أظنه ينتهى، ولكن هي شواهد حية، لا بد أن نعيشها ونتدبرها ونعلمها ونتعلمها ونجعلها نبراس حياتنا، وسأختم هذا المبحث بحادثة لعل بعضا منا يعرفها، لكن وأنت تقرأ هذه الأسطر القادمة لا أريد منك أيها القارئ الكريم إلا أن تتأمل معي حال النبي وأصحابه قبل الهجرة عندما كانوا يُعذبون في طرقات مكة وساحاتها تذكر حال بلال حين يؤخذ في عز الظهيرة ويسحب وتوضع الحجارة على ظهره، تأمل حال عمار حين فُعل به ما فُعل، تذكر حال الطاهرة سمية الذي طعنها المجرم فحازت قصب السبق فكانت أول شهيدة، وتذكر حال أبي ذر الغفاري عندما صدع بإسلامه فانهال عليه المشركون ضربًا وقذفًا بالحجارة وتذكر حال خباب عندما كانوا يوقدون له الجمر فيُجلس عليه وكان يقول لم يطفأ الجمر إلا ودك ظهري، وغيرهم كثير، أرجو أن تكون مستحضرًا لهذه الصور وأنت تقرأ هذه الأسطر القليلة.


آخر حرب للنبي مع قريش


كانت آخر حرب للنبي مع قريش هي التي انتهت بفتح مكة المكرمة للإسلام والمسلمين، وهنا يلتقي النبي مع من آذوه، وأعنتوا أصحابه، وساموهم سوء العذاب، ومنهم من مات من شدة التعذيب، وقد هموا بقتله، ولكنهم كانوا يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

التقى النبي بهم، وبكبيرهم أبى سفيان، فنشر -وهو الغالب والمسيطر- راية الأمان عليهم، فنادى مناديه: من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، فهكذا كان انتصار النبي الرفيق الرؤوف الرحيم؛ نشرًا للأمان في ربوع مكة المكرمة حول بيت الله الحرام. 

ولما التقى بالملأ من قريش قال لهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم ؟! قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال لهم: أقول ما قاله أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء.



سماحته في الحرب
 


ائتوني بحرب تنتهي بهذه السماحة ! ألا ما أجمل العفو عند المقدرة ! وما أعظم النفوس التي تسمو على الأحقاد وعلى الانتقام، بل تسمو على أن تقابل السيئة بالسيئة، ولكن تعفو وتصفح، والعفو عمَّن، عن قوم ما دام عذبوه وأصحابه، وهموا بقتله مرارا، وأخرجوه وأتباعه من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولم ينفكّوا عن محاربته والكيد له بعد الهجرة.
إن غاية ما يرجى من نفس بشرية كانت مظلومة فانتصرت أن تقتص من غير إسراف في إراقة الدماء، ولكنه النبي والنبوة من خصائصها كبح النفس ومغالبة الهوى، والعفو والتسامح، أليس من صفاته التي بشّرت بها التوراة أنه ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يقابل السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ؟! لقد ضرب النبي بعفوه عن أهل مكة للدنيا كلها وللأجيال المتعاقبة مثلا في البر والرحمة، والعدل والوفاء وسمو النفس لم ولن تعرفه الدنيا في تاريخها الطويل.
ارجع بذاكرتك قليلا إلى ما فعله الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا: قرن الحضارة كما يقولون، كم هلك من الحرث والنسل ملايين البشر، لتعلم علم اليقين فرق ما بين النبوة وغير النبوة، والإسلام وغير الإسلام.
لاتعتقد أن الأمر سهل فسنوات طوال من العذاب قتل فيها أقرباؤه وأعز الناس إليه، ومنهم من بقيت آثار التعذيب على جسده إلى أن مات، لا والله إن الأمر ليس بالهين، ولكنها النفس النبوية النفس الزكية الطاهرة.