اعرف نبيك (4).. الومضات الأولى في حياته من الولادة حتى بُحيرى الراهب

إسلاميات

بوابة الفجر

لنبينا محمد الكثير من ومضاته الحياتية، لا تعد ولا تحصى، إليك عزيز متابع "الفجر" بعض من ومضات حياته، ومحطاتها الهامة، التي لا يسع المسلم الجهل بها، حتى يكون على معرفة بينة، بنبيه صلى الله عليه وسلم.

(1) ولادة يتيمة !!

توفي الوالد قبل الولادة، بعد سعي في طلب لقمة العيش، ليكون على موعد مع القدر في أرض يثرب، مقبورا في أحد مقابرها !!

وأُودع الوالد والزوج الثرى، لتعاني الوالدة الحنون آلام الوضع، وآلام الفقد، وآلام مستقبل طفل تيتم قبل خروجه للدنيا !!

وتأتي ساعة الصفر وتستبشر الدنيا بـ:

(2) ولادة محمد - صلى الله عليه وسلم:

فيولد سيد المرسلين بشعب بني هاشم، في صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، وقبل هجرته عليه الصلاة والسلام بثلاث وخمسين سنة، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر إبريل سنة ( 571 م )، حسبما ذكره بعض المحققين.

وفي مكان آخر بعيدا عن ذلك البيت الصغير الذي وُلد به ذلك العظيم:

وقف رجل يتأمل السماء والنجوم، فإذا الأمر مختلف عن العادة، فالآية قد ظهرت !!

فما كان منه إلا أن صرخ بقومه:

" يا معشر اليهود !!! "

فاجتمعوا إليه فقال: " طلع نجم أحمد الذي وُلد به في هذه الليلة ".

نعم.. لقد وُلد أحمد، وها هو بين أحضان أمه ترضعه وتشاركها في ذلك: أم أيمن، وثويبة مولاة أبي لهب.

وتمر الأيام.... وإذا بالرضيع في:

(3) ديار بني سعد:

فانتقل مع أمه حليمة السعدية لترضعه في مضارب بني سعد بن بكر، على عادة العرب في التماس المراضع لأولادهم، لتقوى أجسامهم، ويتقنوا اللسان العربي من صغرهم.

وفي تلك المضارب نشأ محمد الصغير..

وبها وقف ومشى على قدميه..

وبها ضحك ولعب مع أقرانه الصغار..

فأي براءة وجمال كانت تشع من عيني ذلك الطفل الطاهر !!

فصلوات ربي وسلامه عليه.

وفي تلك المضارب رعى الغنم، وسار خلفها وقادها مع إخوانه من الرضاع.

وتمر الأيام على رعاة الغنم الصغار، ويبلغ الصغير أربع سنين، وبينما هو يلعب مع الغلمان، إذ به يصرع ويضجع من رجلين عليهما ثياب بيض، لينطلق المنادي إلى أمه بنداء الرعب والخوف: "لقد قُتل محمد!!! ".

فكان ذلك القتل هو:

(4) شق الصدر:

لقد أضجعه الرجلان، ثم أخرجا منه علقة سوداء فألقياها، فانتهت حظوظ الشيطان منه، ثم غسلا قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعادا قلبه إلى مكانه، فجاء الصغير إلى القوم وهو منتقع اللون. يقول أنس رضي الله عنه: (وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره).

فلما رأت حليمة ذلك: خافت على الصغير من أن يصيبه شيء، فاتخذت قرارا بـ:

(5) رده إلى أمه الحنون:

فرجع الصغير إلى أحضان أمه ترعاه وتحنو عليه، فكان عندها حتى بلغ ست سنين،

لتتحرك عاطفة آمنة وشوقها إلى حيث توفي الزوج ويقطن الأهل، فعزمت على السفر إلى يثرب، فتحركت المطايا، ومكثت شهرا في يثرب، ليحين بعد ذلك وقت الرجوع، وفي طريق السفر بين يثرب ومكة: توقفت المطايا في مكان يحمل في طياته ذكرى لا تزال عالقة بذاكرة الحبيب حتى بعد النبوة، فمرّ يوما على قبر فانتهى إليه وجلس، وجلس الناس حوله، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب – كما يروي ذلك بريدة رضي الله عنه – ثم بكى بكاء لم يبكه من قبل، فاستقبله عمر فقال:

يا رسول الله ما يبكيك ؟

فقال: ( هذا قبر آمنة بنت وهب ) !!

لقد توقفت المطايا في مكان يقال له الأبواء، ليكون الصغير على موعد جديد مع اليتم، وتؤخذ آمنة منه، وتوارى بين ناظريه، لينتقل الطفل باكيا إلى:

(6) جده عبد المطلب:

عاد صغير الآلام إلى الجد العطوف، الذي رق له رقة شديدة، فكان لا يدعه وحيدا، بل جعله مقدما على أولاده وبنيه.

إن لعبد المطلب فراشا لا يجلس عليه غيره إجلالا له واحتراما، فكان محمد الصغير هو الوحيد المصرح له بالجلوس، فيأتي الأولاد والأبناء ليُبعدوه، فيقول الجد:

" دعوه، والله إن لهذا شأنا " !!!

وتمر الأيام ويبلغ الصغير ثمان سنين، ليكون على موعد جديد مع الآلام،

فها هو عبد المطلب يوارى الثرى، لتكون وصيته الأخيرة، أن يكون الصغير عند:

(7) عمه أبو طالب:

فنهض باليتيم على أكمل وجه، وضمّه إلى بنيه وقدمه عليهم، واختصه بمزيد احترام وتقدير.

وتمر الأيام... ويأتي على قريش سنون عجاف، أجدبت لها الأرض، وكاد يهلك بها القوم، فبات الناس في شظف من العيش، فما كان من قريش إلا أن طلبوا من سيدهم أبا طالب أن يستسقي لهم، فكان:

(8) أبيض يُستسقى الغمام بوجهه:

خرج أبو طالب يستسقي، والسماء ما فيها من قزعة !! ومعه الغلام الصغير –صلى الله عليه وسلم- وبنيه، فأخذ أبو طالب الغلام اليتيم الصغير - وهو يتذكر كلمات عبد المطلب: ( والله إن لهذا شأنا ) !! – فألصق ظهره بالكعبة واستسقى.

فأقبل السحاب من كل جانب، وانفجرت السماء بماء منهمر، فقال أبو طالب:

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه --- ثِمالُ اليتامى عصمة للأرامل.

وتمر الأيام... ويبلغ النبي الكريم اثنتي عشرة سنة، وفي صيف حار تحركت ركائب قريش نحو الشام، فكانت قصة:

(9) بُحيرى الراهب:

فارتحل أبو طالب بقومه ومعه محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلما وصلوا إلى بُصرى نزل القوم للراحة، فخرج إليهم بحيرى ولم تكن من عادته الخروج إليهم، فتخللهم حتى جاء إلى الفتى الصغير وأخذ بيده وقال:

هذا سيد العالمين !! هذا رسول رب العالمين !! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين !!.

فقال أبو طالب وأشياخ قريش: وما علمك بذلك ؟

فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرّ ساجدا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنّا نجده في كتبنا ".

ثم سأل أبا طالب ألا يذهب به إلى الشام خوفا عليه من الروم واليهود، فرده أبو طالب بغلمان معه إلى مكة.