"عاصفة جيوسياسية واضطرابات اجتماعية".. هل يؤدي الجوع والأزمات لتغيير في الأنظمة السياسية؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

عاصفة جيوسياسية كاملة، تضرب العديد من البلدان، عقب سنوات من الوباء، جاءت الأزمة الاقتصادية والتضخم ثم الحرب. وفي خضم عاصفة يمكن أن تجرف الكثير من الأسطول الذي يشكل المؤسسات الدولية. يواجه العالم بالفعل، نقلة نوعية عالمية ستزيد من حدتها هذه الأزمات، ولكن ربما لا توجد أزمة ذات أهمية أكبر من تلك التي تلوح في الأفق بشأن الإمدادات الغذائية العالمية. عاصفة اجتمعت فيها سيناريوهات مختلفة للقضاء على الكثير من طاقة إنتاج الغذاء على كوكب الأرض في ضربة واحدة.

وتثير هذه الأزمة العديد من الأسئلة مفاداها،  كيف ستؤدي الآثار الاقتصادية لهذه المجموعة من الأزمات في الأشهر المقبلة إلى أزمة إنسانية ناجمة عن انتشار المجاعة في البلدان الأكثر هشاشة. سيؤدي هذا أيضًا إلى حلقات من الاضطرابات الاجتماعية التي ستؤدي إلى إعادة تشكيل الأنظمة السياسية في العديد من هذه الأماكن، مما يتسبب في تدفقات هجرة جديدة للأشخاص الذين يسعون إلى الفرار من هذه المصائب والبحث عن ملاذ في تلك البلدان الأكثر مرونة في مواجهة هذه المصائب.

فرض 23 دولة الحظر على الصادرات الغذائية

هذا ليس شيئا من المستقبل، هذه الأزمات موجودة هنا بالفعل، فضلا عن أن الحرب في أوكرانيا عجلت الأحداث، وينعكس ذلك في الإجراءات الطارئة التي تتخذها القوى العالمية المختلفة لحماية نفسها من العواقب المحتملة لهذه التطورات. اليوم  قامت 23 دولة بالفعل بفرض نوع من الحظر على الصادرات الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، بدأ أكثر من عدد قليل من البلدان في تنفيذ ضوابط التصدير على صادرات الأسمدة، وهو تطور رئيسي يؤدي إلى تفاقم أزمة الإمداد

ويرى العديد من المراقبون في الشأن الاقتصادي، أنه يكمن المفتاح في الحقائق الجغرافية المختلفة التي تؤدي إلى عدم تكافؤ قدرات إنتاج الغذاء العالمي، تنتج 10 دول فقط 90٪ من السلع الغذائية الأساسية التي نعتمد عليها جميعًا، فضلا عن أن الواقع يزداد سوءًا بسبب التصرف غير المسؤول للعديد من القادة السياسيين، لا سيما في بلاد النزاعات.

ففي فبراير المنصرم، أمر الرئيس الروسي،فلاديمير بوتين، قواته بغزو أوكرانيا فيما كان يأمل أن تكون عملية إخضاع خاطفة، سيكون لهذا القرار في حد ذاته عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي الذي بدأ يشعر بآثار أزمة وشيكة، يجب أن تضاف إليها ويلات الوباء..

بالإضافة إلى التضخم الذي نشهده العديد من الدول، كانت هناك زيادة في أسعار الوقود، والتي كان لها ثلاث نتائج منطقية على أسعار المواد الغذائية. أولًا:  أصبح نقل المواد الغذائية أكثر تكلفة بين عشية وضحاها، مما أدى إلى زيادة السعر النهائي للمستهلكين. ثانيًا: توقفت الصادرات الغذائية من روسيا وأوكرانيا، مما أدى إلى إزالة حصة كبيرة من الحبوب من السوق الموجهة أساسًا إلى أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا. ثالثًا: كانت هناك زيادة في سعر الغاز الطبيعي، وهو أمر أساسي في صناعة الأسمدة الاصطناعية.

أول من واجه العواقب الكاملة

وعلى الرغم من أن كل هذه التطورات كان لها تأثير مباشر على أسعار هذه السلع، إلا أن الأسعار لم نشهد تأثيرها الحقيقي، حيث لا تزال الأسعار تحسب على أساس حصاد العام السابق والمخزونات الموجودة. لن تمر بضعة أشهر قبل أن ندرك المشكلة الحقيقية التي تعاني منها العديد من الأماكن بالفعل. أحد هذه الأماكن هو سري لانكا، ربما تكون الدولة الآسيوية هي أول من واجه العواقب الكاملة لمزيج من هذه الأزمات الجيوسياسية، وأعلن بالفعل إفلاسه. نفد الغاز في البلاد من أجل الكهرباء، والبنزين للمواصلات، والورق للمدارس، والغذاء لغالبية كبيرة من سكانها البالغ عددهم 22 مليون نسمة. وارتفع سعر الشاي بنسبة 400٪ والأرز بنسبة 890٪ والغاز بنسبة 190٪. هذه القصة الدرامية تزداد جدية عندما نفكر في الدور الذي لعبه قادتها في القضية.

الحقيقة هي أن سريلانكا كانت بالفعل في قبضة ديون خارجية لا يمكن السيطرة عليها للصين، والتي تفاقمت بسبب الدمار الذي خلفته سنوات الوباء وسلسلة الهجمات الإرهابية التي تسببت في انهيار صناعة السياحة (10 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد).. وهذا بدوره تسبب في اختفاء احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية (بالدولار بشكل أساسي)، مما جعل إمدادات الغاز والنفط صعبة، مع تدهور الاقتصاد المتوقع وما يترتب عليه، مصحوبًا بتخفيض حاد لقيمة عملتها مما يجعل الأمر أكثر صعوبة.

وتعد كندا لاعبًا رئيسيًا في رقعة الشطرنج الزراعية العالمية، حيث يبلغ عدد سكانها ما يزيد قليلًا عن 38 مليون شخص، وتمتلك البلاد بعضًا من أفضل الأراضي الزراعية في العالم، خاصةً للحبوب، تصدر البلاد 8٪ من القمح العالمي، وكذلك 10٪ من شعيرها. في سياق يكون فيه جزء كبير من إمدادات الحبوب موضع تساؤل بالفعل، لن يكون لتخفيض الإنتاج الكندي سوى نتيجة واحدة محتملة، وهي حدوث مزيد من الانخفاض في الإمدادات الغذائية العالمية وما يترتب على ذلك من ارتفاع في الأسعار إلى مستويات أعلى. من ناحية أخرى، بالإضافة إلى هذا الانخفاض في استخدام الأسمدة بسبب القرارات السياسية، يجب أن نضيف عنصرًا آخر يجعل الوصول إلى هذه المنتجات أكثر صعوبة في العالم.

أكبر احتياطيات غذائية في العالم

في يناير الفائت، جمع شي جين بينغ قادة الحزب الشيوعي في اجتماع رفيع المستوى. كان على جدول الأعمال موضوع واحد: الأمن الغذائي لجمهورية الصين الشعبية. خلال العام الماضي، حظرت بكين تصدير الأسمدة إلى الخارج، خوفًا من استمرار ارتفاع الأسعار الذي شهدته في عام 2022. نظرًا لأن 25٪ من الأسمدة العالمية يتم تصنيعها في الصين. لكن الصين لديها أيضًا أكبر احتياطيات غذائية في العالم اليوم. على وجه التحديد، تمتلك الدولة الآسيوية ما يقرب من 70 ٪ من احتياطيات الذرة في العالم، و60 ٪ من الأرز في العالم و50 ٪ من القمح في العالم. قد يبدو للوهلة الأولى على الأقل أن ظهر بكين مغطاة جيدًا في مواجهة أزمة الغذاء الملحة. 

لكن حتى لو كان لدى الصين كل هذه الاحتياطيات، فإن الحقيقة هي أن إنتاج الغذاء المحلي للبلاد لا يكفي لإطعام سكانها بالكامل. لا تزال بكين تستورد كميات هائلة من الغذاء، وتعتمد بشكل مطلق على الأسمدة لاستخراج أكبر قدر ممكن من الأراضي الأقل إنتاجية.