إن تبد لكم تسؤكم.. "ما خفيَ كان أسلم"

مقالات الرأي

بوابة الفجر

ليست دعوة للتعميم أو حجب الحقائق، لكنها عبرة في هذا الكون البديع الذي نعيش فيه تفاصيل الأحداث، كما رتبها وقدَّرها الخالق عزَّ وجلّ، فلسيت المصلحة أن نرى المشهد كاملًا أو الحقيقة جليَّة أو يكون المستور عنَّا في علم الغيب كبزوغ القمر ليلة تمامه.
وهذا هو سر الفضول وفيه يكمن روعة النقصان وتتمة حكاية الدنيا.

الشبح المهدد 
إننا في رواية أحدهم شبحا يهدد، وفي أخرى ملاك الرحمة، وفى ثالثة أمان القلب، فإن كانت الرؤى مكتملة لانتفى التعدد في القصّ، وفقد الراوي شغف السرد، وما ازداد المتلقي سوى مللًا، فافتقدنا العديد من الحبكات والنهايات. 

انقشاع الظلام


حقيقة شئنا أم أبينا التسليم بها، فانقشاع الظلام فجأة ربما أعمى عيوننا عن جمال الليل وبهاء قمره في ليلة الرابع عشر من الشهر العربي، وربما أفلت الفكر ألف خاطرة وخاطرة، ربما كان التصريح بكلمات الحب موقوف، ربما انعدمت أحاديث النفس الخفية، ورُبما حُرِمَ الطائعون لذة المناجاة، وربما كان الليل حالة من التمنِّي ففقدت الشمس بهاء الإشراق.. ألف ربما وربما.


ماخفي كان أعظم من أن نراه فجأة فغاب الأمل.


كم في الفقد من عِبَر، وكم من فاقد نال أجر، وكم من ناقص مجتهد، وكم ممن خُدع بالكمال مسكين فقد القدرة على الشغف. فربما كان ينقص المالك أو الحاكم آلية التطبيع مع الأمور، فصار محكوما بتسييرها، ولربما صارت المقدورية حاجزا بينه والتعامل والتواصل مع من هم دونه.

ما خفي كان أجدر بالانتظار، فالمحاق أثار شغف الشعراء من قبل أن يكتمل بدرا، وضآالة النجوم في السماء هدى لكل ضال مستدل بها في الصحراء، وكم من بعيد سلمنا من شظاياه، ألا في بعض البعد سلامة، وبعض القرب انتقام، وبعض الهروب مهالك..؟
إنَّ من الأسلم أن تخرج من دائرة المعرفة الكاملة، فكم من حافظ خالطه الأمر، وكم من مستوعب أرهقته التفاصيل، وكم من باحث بلور النقصان أطروحته فكوّن أهداف منتُوجِه فاستفاض وقدَّم وكان ذلك كله دفعة للتأصيل.
هل كان للخليل عليه السلام أن يعرف الحق من دون تحيِّر في بادئ الأمر وأفول القمر والشمس والنجوم أودى به للسقم.. "فظر نظرة للنجوم فقال إني سقيم"، فهداه الله ليصير أبا الأنبياء. 
كم من مشكلات بين الأقران والأنداد بسبب فهم الشريكين طباع الآخر أكثر من اللازم، فأثار ذلك حفيظة طرف أو أنانية أو فضول الآخر للمداراة والكتمان - كتمان المشاعر- أو الخوف من التصريح.
إن الخفاء، والنقصان، والأفَول، جميعها من مصلحة الحياة واستمرار دنيويتها، فلا نقع في الفناء نحن نسعى للكمال، ولا تقودنا التتمَّاتُ إلى السأم من إكمال المسير.
صدق الله العظيم في مُحكَمِ التنزيل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ".. سورة المائدة: الآية 101.
النقصان كمال وتتمة لا يراها إلا كل من أحدق النظر فبلغ الفهم الألباب، فما خفي كان أفضل، وما خفي كان أكمل، ما خفي كان أسلم.