أحمد ياسر يكتب: تايوان بين سياسة الغموض الاستراتيجي

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

تصاعدت التوترات عبر مضيق تايوان منذ انتخاب الرئيسة التايوانية "تساي إنغ وين" في عام 2016، حيث رفضت تساي، قبول الصيغة التي أقرها سلفها، ”ما ينج جيو"، للسماح بزيادة العلاقات عبر المضيق. وفي الوقت نفسه، اتخذت بكين إجراءات عدوانية بشكل متزايد، بما في ذلك من خلال تحليق طائرات مقاتلة بالقرب من الجزيرة، ويخشى بعض المحللين من أن الهجوم الصيني على تايوان قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب مع الصين.

*ما علاقة الولايات المتحدة بتايوان؟

في عام 1979، أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية رسمية مع جمهورية الصين الشعبية،و في الوقت نفسه، قطعت علاقاتها الدبلوماسية وألغت معاهدة الدفاع المشترك مع جمهورية الصين، لكن الولايات المتحدة تحافظ على علاقة قوية غير رسمية مع الجزيرة وتواصل بيع المعدات الدفاعية لجيشها، وحثت بكين واشنطن مرارًا على وقف بيع الأسلحة إلى تايبيه ووقف الاتصال بها.
نهج الولايات المتحدة محكوم بسياسة الصين الواحدة وهو يستند إلى عدة وثائق، مثل البيانات الثلاثة الصادرة عن الولايات المتحدة والصين في أعوام 1972 و1978 و1982؛ وقانون العلاقات مع تايوان، الذي أقره الكونجرس الأمريكي في عام 1979؛ و"الضمانات الست" التي رفعت عنها السرية مؤخرًا، والتي نقلها الرئيس الأمريكي الراحل "رونالد ريغان"، إلى تايوان في عام 1982.

وتوضح هذه الوثائق أن الولايات المتحدة، تقر بالموقف الصيني القائل بأنه لا يوجد سوى صين واحدة وتايوان جزء من الصين،  وأن جمهورية الصين الشعبية هي "الحكومة الشرعية الوحيدة للصين"  ؛ بالإضافة إلي عدم رفض أي استخدام للقوة لتسوية النزاع، والمحافظة على العلاقات الثقافية والتجارية وغيرها مع تايوان، والتي تتم من خلال المعهد الأمريكي في تايوان.


فمن خلال سياسة الغموض الاستراتيجي، حاولت الولايات المتحدة على مدى عقود الحفاظ على توازن دقيق بين دعم تايوان ومنع نشوب حرب مع الصين، لكن يبدو أن الرئيس جو بايدن قد رفض هذه السياسة، حيث صرح عدة مرات أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا هاجمت الصين،  وتراجع مسؤولو البيت الأبيض عن تعليقاته، قائلين "إن السياسة لم تتغير، ولكن في النهاية، على الرئيس أن يقرر كيفية الرد". 
فيما رحب بعض الخبراء، مثل ريتشارد هاس وديفيد ساكس من مجلس العلاقات الخارجية، والعديد من أعضاء الكونجرس بتصريحات بايدن، بحجة أن عدوان الصين المتزايد يتطلب الوضوح، واختلف خبراء آخرون مع هذا الموقف.

يتمثل أحد المخاوف الكبرى بين المحللين الأمريكيين في أن تنامي القدرات العسكرية للصين وإصرارها، فضلًا عن تدهور العلاقات عبر المضيق، قد يؤدي إلى نشوب صراع، ومثل هذا الصراع لديه القدرة على أن يؤدي إلى مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وذلك لأن الصين لم تستبعد استخدام القوة لتحقيق "إعادة توحيد" تايوان ولم تستبعد الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان إذا شنت الصين هجماتها، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في تقرير عام 2021، أن جيش الصين.. "جيش التحرير الشعبي"، يستعد على الأرجح لحالة طوارئ لتوحيد تايوان مع جمهورية الصين الشعبية بالقوة، مع ردع أو تأخير أو نفي أي تدخل طرف ثالث، مثل الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يختلف الخبراء حول احتمالية وتوقيت الغزو الصيني، فيما حذر القائد العسكري الأعلى للولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ في عام 2021، من أن الصين قد تحاول غزو تايوان في غضون العقد المقبل، بينما يعتقد بعض الخبراء أن مثل هذا الغزو قد توقف، يعتقد البعض الآخر أن عام 2049 هو تاريخ حاسم ؛ وشدد أحد الخبراء على أن التوحيد مع تايوان أمر ضروري لتحقيق ما يسميه "الحلم الصيني"، والذي يرى أن الصين تستعيد مكانتها كقوة عظمى بحلول عام 2049.

واستخدمت الصين مجموعة متنوعة من التكتيكات القسرية بعيدًا عن الصراع المسلح، وقد عززت هذه الإجراءات منذ انتخاب "تساي" في عام 2016، والهدف منها هو إنهاك تايوان ودفع سكان الجزيرة إلى استنتاج.. أن أفضل خيار لهم هو التوحيد مع البر الرئيسي، ولهذه الغاية، زادت الصين من وتيرة وحجم دوريات قاذفات جيش التحرير الشعبي الصيني، والطائرات المقاتلة، وطائرات المراقبة فوق تايوان وحولها. كما قامت بإبحار سفنها الحربية وحاملات الطائرات بشكل متزايد عبر مضيق تايوان في استعراض للقوة.

وأفادت تايوان أن آلاف الهجمات الإلكترونية من الصين تستهدف وكالاتها الحكومية كل يوم، وتصاعدت هذه الهجمات في السنوات الأخيرة، في عام 2020، اتهمت "تايبيه" أربع مجموعات صينية باختراق ما لا يقل عن عشر وكالات حكومية تايوانية وستة آلاف حساب بريد إلكتروني رسمي منذ عام 2018 لمحاولة الوصول إلى البيانات الحكومية والمعلومات الشخصية.

كما استخدمت بكين، إجراءات غير عسكرية للضغط على تايوان، وفي عام 2016، علقت الصين آلية الاتصال عبر المضيق مع مكتب الاتصال الرئيسي في تايوان، واقتصرت السياحة على تايوان، وانخفض عدد سائحي البر الرئيسي الذين يزورون تايوان، أكثر من 4 ملايين سائح في عام 2015 إلى 2.7 مليون في عام 2019، كما ضغطت الصين على الشركات العالمية، بما في ذلك شركات الطيران وسلاسل الفنادق، لإدراج تايوان كمقاطعة صينية، بالإضافة إلى ذلك، أرهبت الصين الدول التي لها علاقات مع تايوان: في عام 2021، قطعت الصين التجارة مع ليتوانيا لافتتاح مكتب تمثيلي تايواني في عاصمتها.


*هل يؤيد الشعب التايواني الاستقلال؟

يؤيد معظم الناس في تايوان الحفاظ على الوضع الراهن، ويؤيد عدد قليل الاستقلال الفوري، وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها جامعة" تشنغتشي الوطنية"، حيث أشارت الاستطلاعات أن عدد أقل من المواطنيين داعم صريح لتوحيد تايوان مع الصين، بينما ترفض الغالبية العظمى نموذج "دولة واحدة ونظامان"، وهو شعور نما مع قيام بكين بقمع الحريات في هونج كونج.

ويشعر عدد متزايد من التايوانيين بأنهم مرتبطون ارتباطًا وثيقًا بتايوان أكثر من ارتباطهم بالبر الرئيسي، حيث وجد استطلاع أجرته جامعة تشنغتشي الوطنية، أن أكثر من 62 % من سكان الجزيرة اعتبروا أنفسهم تايوانيين في عام 2021، وبالمقارنة، تم تحديد 32% على أنهم تايوانيون وصينيون، بانخفاض عن 40 % قبل عقد من الزمن، واعتبر نحو 3 % أنفسهم صينيين فقط، وهو رقم انخفض منذ عام 1994.