عن الحب والجمال.. في الحلم الأول حين كنت أحلم

مقالات الرأي

بوابة الفجر



صادفتها في مكانٍ راقٍ جدًا، كانت ليلة صيفية تحفها النسمات، فلم يكُن الساحل عنَّا ببعيد..
كانت تتراقص الصغيرة وحدها على نغمات هادئة، خصلات شعرها الناعم الحُرَّة كانت تلفح تلكما الوجنتين، وذاك الجبين المصبوب في وعاء خلق جميل، وتلكما العينين مغمضتين مكتحلتين بالفطرة، تستمتع بتصادمات الهواء المنساب تجاه جسدها النحيل.
نظرتُ نحوها والبصر يخونني، ويخادعني شيطان التطلع أن أقترب وأحادثها، لكنني آثرت مشهد المراقب، فمهما بلغ فضولي لن يكون مقاطعتي لتلك الوصلة التي استقلَّت عن المشهد سوى أن أكون ضيفًا ثقيلًا.


أخرجت هاتفي اللوحي واستلهمت:


"تلك العيون آسرتي وقاتلتي لا تعبأ بمثلي إلا في حال غير الحال في عالم قد لا يوازينا، فيه روحينا يلتقيان عبر اللَّازمن واللَّاحدود، فلا نتقيدا بتلك الحواجز "صنيعة العالم".
كأننا كيانان التحما فكانا في عبق الزمان كالأصل الجميل للفرع الطيب، إننا يا عزيزتي ما خُلقنا لهذه البلاهات، ما خُلقنا إلا لتقدير أعظم في ملكوت الرب الجليل، نتنحيَّا عن المشهد حيث المشهد، وعن الجنون حيث الجنون، جنون غير الجنون ومشهد غير المشهد، نتعانقان فيه دون أحاسيس الذنب الدنيئة، فما في عالم الأرواح من قيود، وما للمقاييس من مدى، كيف للعوالم النقية أن تُقاس؟
أتريْن؟!
في حُلمي الأول حين كنت أحلم، كانت الأنوار أجلُّ وأبهى من ذلك، كانت الترانيم لا صاخبة، والأوراد في أقدس المناجاه.. مناجاة الروح للروح، فلا جسدٌ فان ولا ظلاميات مُقبِضَة.
حين كنتُ أحلم، كنت أفقه في نوع من أنواع الأدب الأجلٌ الأدقِّ، ذي التكوينات العقلانية، لا المنطقية. فشتَّان يا أميرتي بين العقل والمنطق، فالعقل إنْ أصاب أورث وأفلح، والمنطق مرهون بالأقوياء والقادرين. طاغوت المشاهد لا يعبأ بعشق الأرض، طاغوت المشاهد يغرق لنغرق، ينسف كل قيمة للجمال والحب، يشيح بظلال العطف نحو البهرجة، فلا يكاد يصل، وإن وصل تكون النهايات اليؤوسة المؤسفة.
حين كنت أحلُم كنت أصلُ إليكِ، أشرَبُ من كفَّيكِ حتَّى أرتوي شغفًا، فأصير أنا القديس وتصيرين أنتِ النقيَّة، لا أحتاج إلى لحظات الاختلاس التي يمارسها مراهق أو شاب نحو فتاة أعجبته..
مباركُ علينا.. مباركٌ علينا، حينها، كل ما نألفا، نلهوا معًا في جنان الحب الطَّهُور، في العالم اللادنياوي السرمدي الغائب المصبوغ بنور شفاف تصفو له العين والروح، يتشرَّبُ القلب من كراماته فلا يعرف الدَّنَس له طريق.
الحب والجمال يا صغيرتي لا يلتقيان كثيرًا، فعاشق الجمال قد لا يصل للحب، وعاشق الحبِّ حتمًا سيصل للجمال الأدْوَم، فلا يلبث أن ينعم بهذه الديمومة، وتلك قلوب الصالحين للحب. أمَّا قلوب الجهنَّميين، فلا تبحث سوى عن الغمرة الزَّائفة، عن لحظات الفراق الأبدي، والكسور التي لا تُشفَى مهما ضمدتها الأيَّام.
وعلى مفترق اللحظات نكتُبها حُرَّة للعالم.. فليحيا الحب الأعمق، وليبقى الطاهرةُ قلوبهم في العُليَّات  لا ينظرون نحو السافلين".
أفقت من غفوتي، فلا كانت سوى طيفًا يداعب فكري الذي شرُد، فتجلَّى هذا المشهدُ خُلمًا سلوى لقلب شغوف.. شغوف بالبحث عن "الحب والجمال".