رجاء حسين.. وداعًا تاج المسرح القومي

مقالات الرأي

بوابة الفجر


يعيش الفنان الحقيقي في حياته ألف حياة، فلا يكاد يخرج من شخصية حتَّى يندَّمج في أُخرى يلهو بين التفاصيل فتتحول من ملهاة أو قصة إلى حالة فريدة بقدرات تمثيلية رائعة، وهذا حال فقيدة الفن المصري الراحلة "رجاء حسين".

نجمة وتاج المسرح القومي


لم يكن نقيب المهن التمثيلية الفنان "أشرف زكي" مخطئًا حين وصف "عائشة رجاء جسين زكي"، وهو اسمها الحقيقي، خلال جنازتها أنها كانت نجمة وتاج المسرح القومي، والسنيما، والراديو، فحقًا لقد برعت في أداء أدوارها بتمرُّسٍ ودون مبالغة، فمن ينسى الفنانة القديرة، وتشهد لها العديد من الأعمال المتونوعة بين الدراما وأفلام العمالقة الكبار؟
"رجاء حسين" فنانة من الطراز الأصيل تملك الحالة ولا تتملكها، تستطيع ببساطة الإطلالة أن تُظهِرَ السيدة المصرية ذات الكرم والأخلاق، السيدة التي يعرفها أنا وأنت والجميع، السيدة التي لا تقبل ابتزالًا أو ترتضي مشهدًا خارجًا، فسيدة من مواليد محافظة القليبوية عام 1937 ونشأة في بيت مصري أصيل لأب يعمل بوزارة المالية وأم مصرية وخمسة أشقاء هي أكبرهم، لم يكن يليق بها إلا أدوارًا تعبِّر عن حياتها وحياتنا نحن المصريين، فإما تجسِّد أمًّا طيبة أو أختًا حانية أو السيدة صاحبة العيال أو الجدَّة "بَرَكَة البيت" وهذا ما شجَّع المخرج الكبير الراحل "يوسف شاهين" على أختيارها في عدد من الأدوار، ليتوهَّج نجمها اللامع الذي يستحق أن يأخذ وضعه ومكانته في مصاف النجوم القديرين. 

كل دور حكاية مختلفة


كان لها في كل دور حكاية مختلفة ومستقلة وإن كانت الروح الطيبة وسمو الأداء سائدين على جميع مشاهدها، فبين أعمال مختلفة مثل "أحلام الفتى الطائر، والشهد والدموع، وزيزنيا، والمال والبنون، ورحلة السيد أبو العلا البشري، وأفواه وأرانب، وحدوتة مصرية، والمتوحشة، واللص والكلاب، وأبناء وقتلة، عايزة أتجوز، واحة الغروب"، استطاعت أن تقدِّم قدرات فنية ودرامية وكوميدية هائلة، ناهيك عن عروض المسرح "الجسر، البرنسيسة، مولد وصاحبه غايب، وكفر البطيخ".. فرصيد الفنان يعدو كونه مجرَّد وظيفة، إنَّمَا حالات عميقة داخل مكنون الشخصيات التي يؤديها أمام الجمهور الذي يعير الأخير معه القصة والحكاية كاملة، وهذا ما أتقنته "رجاء".

كان عمرًا تعيشه


لم تكن مشاركاتها مجرَّد أدوار تتقاضى عليه الأجر، لقد كان عمرًا تعيشه، فمن مهدها داخل الإذاعة والمايكروفون إلى عالم الأضواء، والمسرح، بيتها الذي يجمعها بأحبابها وأولادها الفنانين، الذين ما دام لم تؤد معهم أدوارًا ومشاهد بل عمرًا كاملًا مكتوبًا لها في سيناريو الحياة. أمَّا عن تفاصيل الحياة الشخصية، فحدِّث ولا حرج عن كونها صاحبة الواجب والعلاقات الطيبة مع زملائها وأقرانها.  

أجور الفنانين


في إحدى اللقاءات التليفزيونية، قالت بنظرات شاردة: "أجور الفنانين وصلت لملايين.. كان لا يزيد عن ثمانية جنيهات، وكنت أصعد للمسؤولين أطلب الزيادة فتصل لمبلغ 20 جنيهًا"، لكنها كانت تقدِّر عمَلها الذي عاشت تعطيه باقة عمرها بتألق وتلقائية؛ لتترك رصيدًا قارب "200" عملًا فنيًا متنوعًا، حازت لأجله تكريمات من وزارة الثقافة كان آخرها الدورة 24 من المهرجان القومي للسنيما المصرية. رصيدٌ من عمر ناهز 84 عامًا تنوعت فيه المقامات الفنية قدَّمت فيه روحًا، وروحًا، وروحًا.. فوداعًا "تاج المسرح القومي".