حسام زيدان يكتب: ما بين التخصص والواقع.. اختيار وزير السياحة والآثار في الميزان

الفجر الفني

حسام زيدان الباحث
حسام زيدان الباحث الأثري ومحرر ملف السياحة والآثار في الفجر

طالعتنا الأنباء مساء يوم الجمعة الماضي أن هناك دعوة لانعقاد طارئ لمجلس النواب من رئيس الجمهورية، وبدأت التنبؤات حيث أن طلبالانعقاد بهذه الطريقة يكون خاص بأمور طارئة عاجلة ضمنها التعديلات الوزارية.

تسريبات الانعقاد

وتوالت التسريبات بأن هذا الانعقاد بخصوص تعديلًا وزاريًا سيشمل عدة حقائب، ثم خرج علينا رئيس الجمهورية الرئيس عبدالفتاح السيسي حاسمًا الجدل وأن هذه الدعوة بخصوص تغييرًا في وزراء حكومة الدكتور مصطفى مدبولي وسيشمل التغيير 13 حقيبةً وزارية.

قائمة الوزراء

انعقد مجلس النواب وخرجت لنا قائمة بالوزراء الراحلين وبالوزراء الجدد، وكان أحد أبرز الراحلين هو الدكتور خالد العناني وزير السياحةوالآثار، وكان القادم في محله هو السيد أحمد عيسى كوزيرًا جديدًا لهذا الملف، والذي يعتبر من الأعمدة الاقتصادية لمصر.

وزيرًا جديدًا

وحقيقة في البداية أُعلن اسم الوزير الجديد كاملًا رباعيًا وكأن جهة الإعلان تريد أن تؤكد على اختيارها وأن الرجل هو المقصود بعينه ولالبس في الموضوع، هذا لأن القادم حمل الكثير من الحيرة.

أحمد عيسى طه محمد أبو حسين، هو رجل متخصص في العمل المصرفي وإدارة الأعمال والتسويق، وليس له علاقة بمجال السياحة والآثارإلا كونها مجالًا يصلح للاستثمار، بل هي عمود من أعمدة الاستثمار كما أوضحنا سابقًا.

تكهنات

ودارت تكهنات بأن الاختيار خاطئ، وأن المقصود كان شخصًا آخرًا وتم إبلاغ الوزير الجديد بالخطأ، مع استدعاء لفيلم معالي الوزير للراحلأحمد زكي، وبالطبع هو أمر مستحيل الحدوث، فاختيار السيد أحمد عيسى طه هو أمر مقصود تمامًا وله ما يبرره.

هيكل وزارة السياحة والآثار

لمن لا يعرف فوزارة السياحة والآثار هيكليًا تنقسم لشقين، شق إداري وشق فني، والجانب الفني منها له إدارة كاملة تسمى المجلس الأعلىللآثار، لهذا المجلس أمينًا عامًا يجب أن يكون أثريًا، بل ومن صميم التخصص ولا أقل من أن يكون حاصلًا على درجة الدكتوراة في مجاله.

المجلس الأعلى للآثار

ويرأس الأمين العام عدة قطاعات، وهي قطاع الآثار المصرية القديمة، وقطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، وغيرها من إدارات كلمنها مختصة بجانب من جوانب الحضارة المصرية، وعلى رأس كل قطاع منها وإدارة يجب أن يكون هناك متخصصًا من أبنائها ويجوز ندبه من السلك الجامعي.

كما أن لدينا قطاعات أخرى أيضًا تعتني بجوانب فنية أخرى مثل قطاع المتاحف، والإدارة المركزية للترميم، وإدارة الآثار المستردة، وإدارةالنشر العلمي، وغيرها من إدارات على رأس كل منها متخصصًا في مجاله، وأفرادها من المتخصصين في مجالهم.

إذًا فلدينا إدارات فنية متكاملة، يرأس كل منها متخصصًا، وهذه الإدارات الفنية عملها هو الكشف الأثر، وحفظه، وتوثيقه، وصيانته، وترميمه، وعرضه، والنشر العلمي حوله، وتقديم ما يساهم في رفع وعي المواطنين أثريًا وتاريخيًا، واسترداده في حال اكتشاف تهريبه، ومنعتهريبه، وحمايته، وغيرها من مهام أخرى.

ثم لدينا القطاع السياحي؛ حيث يوجد نائبًا لوزير السياحة والآثار لشئون السياحة، ثم قطاعات مثل التسويق والترويج، والإدارات الخاصة بالمنشآت السياحية وهي جوانب بها فنيون ذوي كفاءة.

إذًا فوزارة السياحة والآثار بها كومة كبيرة من الفنيين المتخصصين في مختلف المجالات التي تخص السياحة والتي تخص الآثار؛ فهلنحتاج أيضًا أن يكون الوزير أثريًا أو متخصصًا في مجال السياحة أم أننا نحتاج لوزير اقتصاديًا يستطيع أن يدير تلك المنظومة الفنيةويعتني بكفاءاتها وينهض بها مستثمرًا إياها كي تؤدي دورها كمصدر من مصادر الدخل القومي.

اختيار يناسب كل مرحلة

القيادة السياسة في الفترة من 2016 وحتى أيام مضت كلفت حقيبة وزارة السياحة والآثار للدكتور خالد العناني، ويبدو أن الأهداف في تلك الفترة كانت محددة، وهي ترميم البنية الأساسية والتحتية للسياحة والآثار في مصر، وهو ما يحتاج رجلًا من قلب المجال وله علاقة وثيقة به.

وشهدنا في عهد العناني عشرات الافتتاحات لمتاحف ومواقع أثرية وكذا قائمة طويلة من الإجراءات والتشريعات التي بدأت بدمج الوزارتين ثموضع القوانين المنظمة ووضع الهيكلة الرئيسية ثم الرقمنة وهيكلة إدارات التسويق وغيرها.

ولكن الجانب الاستثماري في قطاع السياحة أو الآثار لازال هناك ما ينقصه، ولن نكون غير منصفين حيث أن العالم ضربته خلال الأربعسنوات الماضية عدة كوارث منها كورونا والحرب الروسية الأوكرانية إضافة للأزمة الاقتصادية، وهذ الأزمات مستمرة، مما سيحتاج لإدارة متخصصة بالاستثمار والتسويق.

إمكانيات إدارية

إذًا فالأمر سيكون خارج إمكانيات الأثريين والسياحيين الإدارية، فنحن هنا نحتاج لمديرًا اقتصاديًا يستطيع التعامل مع الظرف الحالي،حيث أصبح لدينا سائحًا يريد الاستمتاع بأعلى خدمة ممكنة وأقل سعر ممكن، ولقد أصبح هذا هو التوجه العالمي في السياحة الآن، كما أننا نريد اجتذاب السياحة ذات المستوى العال، في نفس الوقت.

وأكاد أتخيل اجتماعات الرئيس المتتالية مع رئيس الوزراء وخبراء الاقتصاد للبحث عن حل لمعضلة السياحة في مصر؛ فلدينا الطرق والفنادق والآثار والإدارات المتخصصة، فماذا ينقصنا؟ ويبدو هنا أن العنصر الإداري القائد كان هو الغائب، حيث يجب أن تكون رأس المنظومة اقتصادية استثمارية وقد تم تجربة ذلك في الوزارة بأشكال مختلفة.

المتحف الكبير

فعلى سبيل المثال نجد أن مدير مشروع المتحف المصري الكبير والمنطقة المحيطة به هو مهندسًا، وهو اللواء عاطف مفتاح؛ حيث تولت الهيئةالهندسية المشروع، ولمسنا من الرجل نجاحًا ملحوظًا، وذلك بمقارنة أرقام نسب الإنجاز قبل وبعد توليه المهمة، ثم كان ضمن إدارته مساعدالوزير لشؤون آثار المتحف الكبير، ومدير لإدارة الترميم، وغيرها من إدارات على رأسها متخصصون.

إذًا فمشروع المتحف المصري الكبير كان يحتاج مهندسًا وانضباطًا في الآداء وهو ما تحقق بإدارة اللواء عاطف مفتاح، والجوانب الفنية لها متخصصيها، التي لا يتم الحركة فيها خطوة واحدة إلا بعد الرجوع إليهم فهي مسؤوليتهم.

فلسفة اختيار الوزير الجديد

إذًا فهنا نلمس فلسفة اختيار وزير السياحة والآثار الجديد، هو رجل إدارة واستثمار وتسويق وكان يدير تعاملات ما يقرب من مليوني عميلًا، إذًا فهو يملك الحلول الاقتصادية المتوازنة أو يجب أن يكون كذلك، ولديه إدارات فنية في كل ما يخص جوانب السياحة والآثار.

نصائح للسيد الوزير

وعلى الوزير الجديد أن يعتني بتحقيق الهدف المراد من تكليفه بهذا المنصب، فأولًا عليه أن يجيد اختيار مساعديه وقيادات الوزارةفي الفترة القادمة، والتي يجب أن تتصف بالتفاني والتجرد والإبداع والانطلاق كما أوصى الرئيس الوزراء الجدد.

كما يجب يعمل الوزير الجديد على إظهار الكفاءات والعناية بهم، وأن يكون الترقي وفقًا للكفاءة والاجتهاد، كما يجب أن يعمل على تحقيقالمعادلة الصعبة، وهي خدمة متميزة بالإضافة لسعر مناسب وخصيصًا للمصريين الذين ارتفعت في وجوههم تذاكر دخول المواقع الأثرية دونمبرر قوي.

نأمل في المستقبل

ولا نملك إلا أن نأمل في أن يستطيع الوزير أحمد عيسى تحقيق وتجاوز تلك الصعوبات، فمهمته حساسة وثقيلة وتحتاج لخطط واستراتيجيات، والكثير من التواصل مع قواعد الوزارة والمهتمين بالعمل السياحي والأثري المتخصصين من خارج الوزارة، ولديه عدد كبير منالإدارات الفنية التي فقط تحتاج لهيكلة ثم إدارة فينتج منها العمل على أكمل وجه.