عادل حمودة يكتب: أسرار التعديل الوزارى

مقالات الرأي

عادل حمودة
عادل حمودة

مدبولى التقى ٥٢ مرشحًا فى أسبوعين لتشكيل «حكومة إسعاف»

التغيير كان إجباريًا فى الصحة والهجرة

اختيار مصرفى لوزارة السياحة ممكن.. ولكن ماذا سيفعل فى الآثار؟

الثقافة انتقلت من عزف الفلوت للتذوق الفنى وغابت الثقافة الجماهيرية

وزارة الرى تذهب لمفاوض قوى فى ملف النيل وخبير فى استغلال المياه حتى آخر قطرة

وزير الصناعة يعرف مشاكلها لكن هل يعرف حلها؟

 


الوزارة ليست فيتامينا أو بروتينا أو هرمونا نحقن به أنفسنا لنصبح مؤهلين لحمل حقائبها.

ليست إحساسا غريزيا أو فطريا نولد به.

الوزارة خبرة لا يكتفى من يتولاها أن يضع إصبعه على الجرح وإنما يجب أن يكون قادرا على علاجه وشخصية موهوبة فى استخراج أفضل ما فى مساعديه من قدرات ربما لم يكتشفوها فى أنفسهم من قبل والأهم أن يتحمل انتقادات الناس ولو بدت موجعة.

هل يتمتع بتلك المواصفات الثلاثة عشر وزيرًا الذين دخلوا الحكومة بموافقة مجلس النواب يوم السبت الماضى؟

ربما.

لكن ما يمنحنى مساحة من التفاؤل أنهم اختيروا من بين ٥٢ مرشحا التقى بهم الدكتور مصطفى مدبولى على مدار أسبوعين فى صبر يتمتع به وصمت يحسد عليه فلم تأخذ الصحافة خبرا إلا بعد أن وصل إلى مجلس النواب وكأن الصحافة فقدت حاسة الشم التى كانت تشتهر بها.

وكان لا بد من التدقيق فى الاختيارات خاصة أن الحكومة بتشكيلها الجديد يمكن وصفها بـ«حكومة إسعاف» عليها التدخل السريع بكل الوسائل للتخفيف من حدة الأزمة القائمة إذا لم تستطع التوصل إلى حل مناسب لها.

وهنا يجب أن يسيطر المايسترو على العازفين لتخرج السيمفونية خالية من النشاز.

وللإنصاف فإن حكومة مصطفى مدبولى تجنبت إلى حد ما وجود كل وزير فى جزيرة معزولة وكأنها تخت شرقى. كل آلة تعمل لحسابها وتضارب الآلات الأخرى. العود يسحب السجادة من تحت القانون. القانون يسرق الكاميرا من الكمان. والعزف فى نهاية الليل ينتهى بسخط من الجمهور.

لا نتوقع أن يحدث ذلك قطعا فى الحكومة القديمة ووزرائها الجدد.

كان متوقعا حدوث تغييرات إجبارية فى وزارتى الصحة والهجرة لأسباب ليست خافية على أحد.

تولى وزارة الصحة الدكتور خالد عبد الغفار الذى أدارها بكفاءة فى غياب الوزيرة السابقة الدكتور هالة زايد إلى جانب وزارة التعليم العالى.

فى شهور قليلة أسقط الدكتور خالد عبد الغفار مديونية شركة «فاكسيرا» أو الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات تصل إلى ٥٠٠ مليون جنيه بعد تطوير أدائها ورفع عدد متلقى فاكسين كورونا إلى ٥٠٠ ألف شخص يوميا كما أنه قضى على قوائم انتظار جراحات الحالات الحرجة.

وزير تسبقه أعماله ويشعر من يعرفه عن قرب بود وتواضع وسهولة فى التفاهم.

وتولت وزارة الهجرة سها سمير ناشد بعد أن تحملت نبيلة مكرم واصف أعباء الوزارة على أعصابها شهورا شاقة وصلت إلى حد البكاء علنا بعد موقف ابنها العصيب فى كاليفورنيا.

أدت نبيلة مكرم ما عليها لبلادها وحان الوقت الذى تأخذ فيه ابنها فى أحضانها لعل شجاعته تتضاعف وتماسكه يتزايد.

سها سمير ناشد نجدى هى أيضا دبلوماسية وصلت إلى منصب مساعد وزير الخارجية للمنظمات والتجمعات الإفريقية والأهم أنها خدمت فى البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة لمدة ١٤ عاما (٢٠٠٦ ــ ٢٠٢٠) حيث اكتساب الخبرات الدولية التى تؤهل للصعود إلى منصب وزير الخارجية مثلما حدث مع سامح شكرى ومن قبل أحمد أبو الغيط وعمرو موسى وعصمت عبد المجيد مثلا.

بل إنها تفاوضت باسم ١٣٥ دولة نامية فى مباحثات قيام أمم متحدة للمرأة وشهدت سقوط حائط برلين وتوحد ألمانيا ومفاوضاتها مع فرنسا حول قيام الاتحاد الأوروبى وعاصرت تحول دول أوروبا الشرقية من الشيوعية إلى الديمقراطية.

وطوال فترة خدمتها فى الخارج والداخل نالت ١٩ تقرير كفاءة بتقدير امتياز.

كانت تحلم بأن تكون سفيرة فأصبحت وزيرة.

ولن ينسى التعليم فى مصر طفرات طارق شوقى فى مناهجه الحديثة وأساليبه المتطورة ومنصاته الإلكترونية، ولكن غياب البنية التكنولوجية فى الاعتماد على «التابلت» أثار غضب أولياء الأمور وتكرر الصدام بين الطرفين فى مواسم الامتحانات وإعلان النتائج دون أن يمسك الوزير أعصابه ويتصرف بحكمة فى قضية التعليم التى تعتبرها الأسرة المصرية أهم ما يشغلها وأخطر ما يؤرقها ولا تتردد فى إنفاق ما لديها من مال عليه ولو لم تأكل أو تشرب.

والمثير للدهشة أنه جاء بمجموعة مساعدين من خارج الوزارة دون أن يقدم تبريرا ولم يعد فى حاجة إليهم ولم يقدم تفسيرا.

وأغلب الظن أنه هو من طلب بإعفائه.

وتولى الوزارة بعده نائبه للتعليم الفنى وشئون المعلمين رضا حجازى الذى سبق أن رأس إدارة التعليم العام وأشرف على امتحانات الثانوية العامة وكان عضوا فى اللجنة التى وضعت نظام «البوكليت» ما يعنى أنه لف الوزارة «كعب داير» حتى عرف كل شبر فيها.

لن تحدث انقلابات حادة أو تغيرات حادة أو انعطافات حادة فى استراتيجية التعليم، ولكن ستنفذ الاستراتيجية ذاتها بأساليب تقنع أولياء الأمور بالانحياز إليها.

لو شئت أن تعطينى تفاحة فابتسم قبل تقديمها.

ومثل وزير التعليم جاء وزير التعليم العالى والبحث العلمى الدكتور محمد أيمن عاشور من داخل دولاب الوزارة حتى لا يتوقف عن العمل.

كان الوزير الجديد نائبا للوزير القديم.

ومثل الوزير القديم تخرج فى جامعة عين شمس، ولكن فى كلية الهندسة المعمارية وحصل على الدكتوراه من روسيا الاتحادية إلا أن ذلك لم يمنعه من التدريس أستاذا زائرا فى جامعة كليمسون الأمريكية ليجمع العالم من طرفيه ويكتمل المثلث باختياره رائدا من رواد الاستدامة الحضارية فى مصر من مركز البحوث التابع لوزارة الشئون الخارجية الفرنسية.

ولو كان الوزير القديم ساهم فى قيام عدة جامعات أهلية فإن الوزير الجديد ساعده فى استراتيجية التحول إلى الجامعات الذكية.

على أن الوزير الجديد ينفرد بخبرات خاصة فى إدارة كثير من المشروعات القومية الجارى تنفيذها جامعا بين العلم الأكاديمى والصقل العملى.

ويصعب على الاعتراف بوجود وزير صناعة وتجارة يستحق اللقب منذ رشيد محمد رشيد.

هل علينا التذكير من جديد بأهمية الصناعة فى تحسين ميزان المدفوعات بإنتاج ما نستورد بقدر ما نستطيع؟

إن من المؤلم أن نستورد سلعا تنتجها ورش صغيرة فى كثير من دول العالم مثل قطع غيار السيارات ومثل الأدوات المدرسية ومثل الصناعات الجلدية الراقية.

ومن المؤسف ــ حسب ملاحظة عمرو أديب ــ ألا ننتج أستيكة ثم نشكو من سعر البراية التى نستوردها بالدولار.

الصناعة فى التفكير الحكومى القائم ترتبط الآن بتطوير الأداء الاقتصادى والاستثمارى فهل سيقدر الوزير الجديد الدكتور أحمد سمير صالح المهمة الصعبة؟

تخرج فى هندسة الكويت (١٩٩٦) وتولى رئاسة إحدى شركات مواسير البلاستيك، ولكن وجوده فى مجلس النواب منحه فرصة إصدار العديد من التشريعات التى تخدم الصناعة مثل قانون «هيئة التنمية الصناعية» وقانون «التراخيص الصناعية».

وشارك فى مناقشة قانون البنك المركزى والرقابة المالية وحماية المنافسة.

اللافت للنظر أن أسرته تمتلك مجموعة شركات صناعية جعلته على ما يبدو ملما بمشاكل الصناعة، ولكن هل يتعرف على المزيد من مشاكلها من رجال صناعة آخرين؟ هل يملك حلا لفتح ما أغلق من مصانع؟ هل يقدر على مساندة مصانع قائمة قبل أن تتعرض للغلق لأسباب لا دخل لها فيه تتعلق باستيراد قطع الغيار والمواد الخام وتأخرها فى الجمارك؟

لو كان القدرات التطبيقية للوزير تقترب من قدراته النظرية فإننا سنصلى ركعتين شكرًا لله وسنضىء له شمعة فى أقرب كنيسة للعذراء.

بنفس منطق تطوير الأداء الاقتصادى اختير للسياحة والآثار وزير من خارجها.

اختير مصرفى خدم فى البنك التجارى الدولى هو أحمد عيسى أبو حسين وهو اختيار يصعب الحكم عليه.

يمكن اعتباره مناسبا لقطاع السياحة بحكم الماجستير الحاصل عليه فى الإدارة المالية من جامعة نورث كارولينا الأمريكية فالسياحة فى البداية والنهاية تحتاج إلى موهبة فى البيزنس تروج لها وتعظم عائدها ولكن الآثار قصة أخرى تحتاج إلى خبرة فى الكشوفات والبعثات الأثرية ومعالجة ترميمها وتصنيفها والاستفادة منها.

وربما قلبنا الآية هذه المرة.

الوزير السابق خالد العنانى كان مستوعبا للآثار متباطئا متورطا فى السياحة.

والمؤكد أن خالد العنانى كان دمث الخلق نجح فى كثير من الفعاليات التى لفتت أنظار العالم لكن فرضت عليه الحرب الروسية الأوكرانية سحابة سوداء من سوء الحظ أدت إلى انكماش السياحة بعد عودة الروس إلى شرم الشيخ.

وأغلب الظن أنه سيعود للعمل مع اليونسكو.

وكانت مفاجأة تعيين وزير جديد للرى هو الدكتور هانئ سويلم فهو حاصل على ماجستير فى المياه والبيئة من جامعة سوث هامتون البريطانية ودكتوراه فى إدارة المياه من جامعة أخن الألمانية وشغل أكثر من منصب أكاديمى فى جامعة أخن أيضا.

أتصور أن مهمته الداخلية ستتركز فى أفضل استخدام للمياه والحد من تلوث مصادرها.

أما مهمته الخارجية فلن تخرج عن سد النهضة الذى يملك رؤية دقيقة للملف فنيا وسياسيا كما أنه اشتهر ببراعته فى التفاوض وسنرى ذلك إحياء مبادرة حوض النيل.

والحقيقة أننا جاملنا وزير الثقافة الراحلة إيناس عبد الديم عازفة الفلوت البارعة ومديرة الأوبرا السابقة التى غالبا ما ستعود إليه.

لم تقدم شيئا ملفتا للثقافة نتذكره به.

وأخشى أن نكرر العبارات نفسها عندما ستغادر الوزير الجديدة نيفين الكيلانى الحكومة.

إنها تمتلك الثقافة من أطرافها العليا الباليه الحاصلة على الدكتوراه فيه والتذوق الفنى التى كانت عميدة معهده.

بشهادة التاريخ يعتبر الدكتور ثروت عكاشة أفضل وزير ثقافة عرفته مصر. شيد أكاديمية الفنون. دعم الباليه. كون الكونسرفاتوار. ساند المسرح. فى الوقت نفسه اهتم بجهاز الثقافة الجماهيرية لتصل إلى القرى والنجوع ولتكتشف أدباء وشعراء الأقاليم.

هل نكرر تلك الاستراتيجية؟

سؤال صعب ننتظر إجابة عليه من الوزير الجديدة.

ولكنه ليس السؤال الصعب الوحيد هناك أسئلة أصعب ــ أهمها كيفية النجاة من الأزمة الاقتصادية؟ وهل نحسب حساب أزمة جديدة تنتج من حرب بين الصين والولايات المتحدة؟ــ على رئيس الحكومة الإجابة عليها.