عادل حمودة يكتب: مليارات الدولارات مدفونة فى رمال مصر البيضاء

مقالات الرأي

عادل حمودة
عادل حمودة

خبر مر.. السرطان يسكن فى حقن شد الوجه أحيانا

تصل نسبة نقاء الرمال البيضاء فى مصر إلى أكثر من ٩٩٪ ولكن المثير للدهشة أننا كنا نصدرها خاما رخيصا إلى دول متعددة

خطورة مواد التجميل أن كثيرا منها يبدأ فى التحلل بعد انتهاء مدة صلاحيته ما يسبب التهابات الجلد وتكوين البثور على البشرة أو ما هو أسوأ وأخطر

 


هناك خبران أحدهما جيد والآخر سيئ.

فى الصحافة الخبر السيئ أكثر إثارة.

لنبدأ به.

واحد

السرطان الجميل فى علبة ماكياج!

يفترض البعض أن الله لم يخلق سواه وأن غيره لم يولد بعد.

الحرية كما يفهمها تصور العالم ملكا خالصا له وحده والثروة التى يجمعها بأنانية لا مانع أن يجمعها من جثث ملايين ماتوا بسبب فساده.

حريته حرية سمك قرش مجنون بالدم أو حرية ثعبان لا يحسن التصرف أو قرصان يقتل المسافرين قبل أن يستولى على سفنهم.

لفت نظرى فيديو قدمه اليوتيوبر «محمد أبو عاصى» عن مستحضرات التجميل (الكوزمتيكس) منتهية الصلاحية التى تنظمها شبكات من مافيا الظل عبر سلاسل وشركات منها ٢١٨ شركة متعددة الجنسيات و٨٠ ألف شركة صغيرة تسيطر على أسواق العالم الثالث منها مصر.

يصل حجم هذه التجارة إلى ٣٠٠ مليار دولار وما توفره دول الشرق الأوسط من فرص استثمارية تجذب تلك الشركات إليها.

ويمكن لبعضها أن يسبب السرطان إذا ما حقن تحت الجلد كما فى مستحضرات «السيلكون» و«البوتكس» و«الفيلر» التى تستخدمها النساء فى شد الوجه أو تغيير حجم الصدر.

والمؤكد أن لا سيدة واحدة أمسكت بالحقن قبل أن يتسلل ما بها إلى خلاياها وقرأت تاريخ انتهاء صلاحيتها.

تخجل من أن تفعل ذلك ربما تثق فى الطبيب ولا تريد أن تحرجه حتى لا يغضب منها ويطردها من جنة النساء الساحرات.

ربما لا تجيد قراءة النشرة الطبيبة الملحقة بالحقن التى تحدد الآثار الجانبية وتحذر بشدة من الاستعمال بعد انتهاء الصلاحية.

ولو تجرأت امرأة واطمأنت إلى تاريخ الصلاحية هل تثق فى أن التاريخ ليس مزورا.

لقد تضاعف عدد النساء اللاتى يحافظن على جمالهن ولا أحد يعترض لكن المشكلة فى التأكد من أنهن لن يصبن بسرطان الجلد الذى لوحظ ارتفاع نسبته فى السنوات العشر الأخيرة بين النساء بسبب غش المستحضرات المستخدمة وجشع أطباء بلا ضمير.

خطورة مواد التجميل أن كثيرا منها يبدأ فى التحلل بعد انتهاء مدة صلاحيته ما يسبب التهابات الجلد وتكوين البثور على البشرة أو ما هو أسوأ وأخطر.

تبدأ الشركات العالمية المنتجة فى جرد ما فى مخازنها من «كوزمتيكس» لتعزل المنتجات التى لم يبق من عمرها سوى ستة أشهر وتبدأ فى عرضها على سلاسل التوزيع بتخفيض خمسين فى المائة لتزيد النسبة خمسة فى المائة عن كل شهر جديد ينقص.

لو كانت سلاسل التوزيع أمينة فإنها تبيع المستحضرات فى «عروض» خاصة مغرية قبل انتهاء الصلاحية ما يزيد من إقبال النساء عليها بفرحة غامرة دون أن ينتبهن إلى أن ما اشترين سيقصف عمرهن قبل أن تستهلكه تماما.

بل إن المجلات العلمية المتخصصة تنصح بعدم استعمال مستحضرات التجميل حتى ولو بقى من عمرها ثلاثة أشهر لأن المواد المصنعة منها تبدأ فى التحلل وتغيير معادلات تفاعلها مع الجلد.

لوحظت هذه التجارة فى ٢٠١٧ بعد أن تزايدت الخصومات بنسب مثيرة للريبة (٧٠فى المائة على الأقل) ولكن فى الوقت نفسه ظهرت أعراض تشوه على وجوه الكثير من النساء فانتبهت أجهزة حماية المستهلك.

ولكن إدارة الجمارك فى إمارة «رأس الخيمة» ضبطت مع راكب قادم من دولة عربية حقائب تمتلئ بملصقات عليها تاريخ صلاحية جديد ستوضع حسب اعترافه على منتجات منتهية الصلاحية.

وتستهلك صالونات التجميل نسبة كبيرة من تلك المنتجات الفاسدة فليس هناك سيدة تسأل عن تاريخ الصلاحية وهى بين يدى العاملة التى تزينها بالماكياج.

فى سنوات الفوضى التى عمت الانفتاح الاقتصادى الذى دعمه السادات دخلت مصر أطنان من الطعام الفاسد متجاوزًا فترة الصلاحية. دجاج كان على وشك أن يعدم فى بلاده أصبح على موائدنا. غذاء للقطط والكلاب تناولناه على أنه «بولوبيف» ولم نجد من يحمينا من عصابات الاستيراد المتحالفة مع عصابات الجمارك وكدنا أن نشهد موتا جماعيا لمئات الصغار فى وقت كان فيها القتلة يدخنون السيجار الكوبى ويحتسون البرندى الفرنسى ويمثلون الأمة فى مجلس الشعب.

بالقطع تراجعت تلك الظاهرة إلى حد كبير وإن لا يزال هناك من يزور تواريخ الصلاحية ويدخل طعاما لا يستحق سوى أن يصبح علفا.

وكسب تجار سيارات مليارات أخرى من الجنيهات باستيراد «لوطات» قطع غيار منتهية الصلاحية على أنها خردة ما تسبب فى كثير من الحوادث.

لكن الجديد بالنسبة لنا اليوم ما يحدث فى سوق مستحضرات التجميل التى لا توجد امرأة واحدة لا تستعملها إلا لو كانت راهبة.

هذا هو الخبر السيئ.

اثنان

ذرة رمل بيضاء بمليون دولار!

وصلنا إلى الخبر الجيد.

لكننا سنبدأ قصته من تايوان حيث يسخن الصراع بين بكين وواشنطن يوما بعد يوم مهددا بحرب عالمية ربما تكون نووية أيضا.

كانت تايوان تعيش على الزراعة فلم يكن دخلها يزيد عن ١٥ مليار دولار، ولكن ما أن افتتحت مصنع «سيميكو ندكتور مانفكتشرنج» لإنتاج الشرائح الذكية الإلكترونية حتى قفز دخلها إلى ٨٠٠ مليار دولار.

تدخل تلك الشرائح (أو أشباه المواصلات) فى صناعة ١١٦١٧ منتجا تؤثر على مستوى رفاهية الحياة (الهواتف والكمبيوترات ومحركات الطائرات والسيارات والأسلحة المتطورة مثلا) وبسبب عجز كثير من المصانع عليها أغلقت أبوابها وسرحت عمالها.

ينتج المصنع ٥٤٪ من احتياجات العالم من الشرائح الذكية عند مستوى غير مسبوق فى التطور بدرجة عالية من تكنولوجيا النانو إلى حد التوصل إلى شريحة واحدة يمكنها تخزين معلومات دولة بأكملها فيها.

تدخل الرمال البيضاء التى تصدرها الصين إلى تايوان فى تصنيع الشرائح وبدونها تنتهى الصناعة فى الوقت نفسه تستورد الصين الرمال البيضاء من مصر خاما بطريق مباشر أو غير مباشر وبأسعار متدينة لا تناسب ما تجنيه من أرباح بسببه.

وتهدد الصين بعدم تصدير الرمال البيضاء إلى تايوان ليتعطل مصنع الرقائق الذكية (البقرة المقدسة التى تعيش على بركتها) ولكن الصين نفسها فى حاجة إلى تلك الرقائق لإنتاج أسلحتها المتطورة التى لا يعرف الغرب عنها شيئا.

فى الوقت نفسه تحاول الولايات المتحدة نقل المصنع إلى أرضها لتترك تايوان دون أهم مميزاتها إلى الصين.

وتحتشد أساطيل الدولتين فى خليج تايوان وتستنفر الدول المحيطة بالأزمة (اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وأستراليا) جيوشها فى انتظار خطأ عسكرى واحد لتشتعل الحرب العالمية الثالثة فى وقت لا تحتمل الدنيا أزمة أخرى ولو بسبب الرمال البيضاء.

حسب اليوتيوبر «محمد أبو عاصى» فإن جهاز أبو ظبى للاستثمار قدم إلى سلطات الاستثمار فى مصر عرضا باستغلال الرمال البيضاء التى تمتلك مصر منها الكثير وغير مستغلة لإنشاء مجمعين صناعيين لإنتاج الشرائح الإلكترونية فى كل مجمع (٣ ــ ٤) مصانع ستخدم ١٤ صناعة على الأقل.

تظهر فى العرض تسع شركات إماراتية وشركتان (مالتى ناشيونال أو متعددة الجنسيات) سويسرية وتايلاندية لمشاركة مصر.

الرمال البيضاء تحتوى على مادة السيلكون (الغنية بمعدن الكوارتز) المستخدمة فى صناعات الزجاج (مرتفع النقاء) والخلايا الشمسية والسيراميك والعدسات والمنظفات ومرشحات المياه، والأسمنت الأبيض، والمبيدات الحشرية، وغيرها.

تصل نسبة نقاء الرمال البيضاء فى مصر إلى أكثر من ٩٩٪ ولكن المثير للدهشة أننا كنا نصدرها خاما رخيصا إلى دول متعددة تعيدها إلينا فى صورة منتجات تدخل فى صناعتها، ولكن بأسعار مرتفعة جدا (مثلا تركيا كانت تصدر إلينا الزجاج المصنع من الرمال البيضاء التى نصدرها إليها).

لو بيعت الرمال البيضاء خاما فإن الطن لا يزيد عن ٤٠ دولارًا ولو استخدمت فى تصنيع الرقائق الذكية يرتفع العائد إلى ١٠٠ ألف دولار.

وباستيعاب هذه الحقيقة حذرت مصر منع تصديرها إلا بموافقات وشروط صعبة.

لكن لم لا تصنع مصر الشرائح الذكية ما دامت تمتلك المادة الرئيسية الضرورية؟

السبب أنها تحتاج استثمارات عالية تصل إلى ٤ مليارات دولار للمصنع الواحد إلى جانب توفير تكنولوجيا ما أصبح من الصعب الحصول عليها أو من يملكها يطالب بألا يفرط فيها إلا إذا حصل على نسبة من العائد.

الاحتياطى المعلن فى مصر من الرمال البيضاء النقية يصل إلى ٢٠ مليار طن وتنتشر فى أماكن مختلفة من شمال إلى جنوب سيناء (الحسنة ووادى جنة ووادى الغيمة) وفى الصعيد (قنا مثلا).

انتهى زمن تصدير الخام لنحصل على عائد قليل ونمنح غيرنا مكاسب هائلة على حسابنا.

ولا يجوز استخدام تعبير «الثروات التعدينية» إلا إذا عرفنا قيمتها الباطنية واستفدنا منها فى تعظيم الدخل المولد منها.

وتحقق المشاركة بين ما نملك من خامات وما تملك الدول العربية من مليارات وما تملك الشركات الغربية من خبرات أفضل استغلال لما تمنحه الطبيعة لنا.