الإعلام وأزمات المجتمع.. تأملات ورؤى تكاملية

مقالات الرأي

بوابة الفجر

يشتهر الهنود بقصة شهيرة تتردد كثيرًا على ألسنة المواطنين هناك لستة رجال أكِفَّاء البصر كانوا يعلمون بوجود الأفيال وكانوا يسمعون عنها، لكنهم لم يروا واحدة من قبل، وذات يوم واجهوا فيلًا، لمس كل رجل جزءًا مختلفًا من جسده؛ ليبدأ كلَّ واحدٍ منهم بوصف شكل الفيل. قال الأول ما أشبهه بالثعبان، وقال الثاني لا هو يشبه تمامًا الحبل، ليقاطعهما الثالث: كلَّا هو كالجدار، اختلف الرابع والخامس لا إنه كالرمح.. إنَّه مثل الشجرة تمامًا، أما سادسهم ردَّ في هدووء إنَّه مروحة ليس أكثر فحين لامسته ابتعد عنِّي وصدر منه هواء.

وصف الفيل


في الحقيقة لم يكن هذا وصف الفيل، إنَّما كان كل ما سبق ما هو إلا وصف لخرطومه، وذيله،  وجانبه الذي بدا كالجدار، والناب والساق هما ما تشاجرا عليه الرابع والخامس، وما كانت المروحة سوى الأذنان الكبراتان التي لوح بهما الفيل. 


إلى هنا انتهت القصة..


إنَّ الرؤية التي يسعى المجتمع إليها لبحث حلول الأزمات لن تكون سوى بتضافر كل الجهود وسعي كل الاتجاهات داخله وأن يحظى كل الأفراد بالفرصة سواءً في إبداء رأي أو تقديم رؤية، ليس شريطة ان تكون الرؤية شاملة، لكنها حتمًا تنطلق من زاوية يصل المجتمع بعدها إلي حل أكثر شمولًا.

ظاهرة معقدة


وبما أن الازمة تعد ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه؛ لذا تؤكد بحوث الاتصال والإعلام في الأزمات على إيلاء الاهتمام بجوانب مختلفة، وكذلك استخدام طُرُقًا متنوعة لتحليلها والبحث حول جذورها. فالإعلام وإن بدا في بعض التصورات أنه تحكمه سياسات معينة سواء تحريرية أو تنفيذية أو محاذير أخرى، إلَّا أنه في لحظات حاسمة تكون الكلمة هي غاية المهنة، وتصير رسالتها أن تؤدي دورها المجتمعي وواجبها تجاه المتابعين، فلا تقصي رأي ولا ترفض مقترح.


لذا على المسؤولين والمنوط بهم ووسائل الإعلام المختلفة أن تستغل كافة مهاراتها الحقيقية للتعامل مع الأزمات من خلال تخصيص الإمكانيات المختلفة للإعلام الجديد من صوتيات وصور وفيديو تخوِّل لها تقديم عناصر أكثر جدذبًا للجمهور، إذ أن اعتماد الإعلام على ذات الأشكال والقوالب الصحفية التقليدية، حتى داخل الإعلام الجديد، إنَّما يعد ضرب من التكرار وتأدية الوظيفة ليس إلا.

 توفير كافة التدريبات الفنية والمهنية


كما أنه لا بُد من توفير كافة التدريبات الفنية والمهنية للإعلاميين والعاملين بمجال الصحافة والتليفزيون والإعلام الإلكتروني بشكل يتوافق مع تطورات الأزمات بكافة أشكالها، وتزويد رجال الإعلام بفنيات مهارية، إضافة لتكامل الأدوار والتعامل الواعي مع المواقف والمتغيرات والمخاطر المحيطة. فالعالم واجه خلال السنوات الثلاث الأخيرة عددًا من الأزمات الصحية والمناخية والإقليمية والدوليية وكانت أبرزها أزمتي التغيُّر المناخي، وكوفيد 19، التي كان للإعلام دورًا ونصيبًا وساسعًا في تحمِّل المسؤولية والعمل كجندي في الصفوف الأولى لمواجهة الازمة ونشر الوعي.  

وسائل الميديا ومنظومة الإعلام


يبقى أمام وسائل الميديا ومنظومة الإعلام تحديًا أخيرًا ألا وهو العامل مع كل الآراء وقبول كل المقترحات، فمن المعوقات التي يتم التعامل معها عدم وضوح خطة إعلامية متخصصة وصعوبة تنفيذها، إضافة إلى تزويد الجماهير بمعلومات غير دقيقة في ظل تعددية المصادجر المتاحة على شبكة الإنترنت، وقلة الاستعانة بالخبراء والمختصين في إعداد الخطط الإعلامية لمواجهة الأزمات، والتي هي محور التعامل الجاد إعلاميًا مع الأزمة.
إن الإعلام ساعة الازمة لا يمتلك رفاهية غضِّ الطرف، إنَّما يسعى بكل جهوده لإرساء حالة من التهدئة والوعي داخل المجتمع، وهذا هو دوره منذ بدايته والمأمول في المستقبل.